صدى الارز

كل الأخبار
مشاهدة متواصلة
إستطلاع
تقاريرنا
أرشيف الموقع
Podcast
إشتركوا في نشرتنا

من الدور المفقود الى انعدام الرؤية .. لماذا يتجاهل العالم مسيحيي لبنان ؟؟

في السياسة هنالك ثوابت دائمة لكنها غير معلنة تتعلق بالمصالح و السلطة و النفوذ و التي تستجلب بالتالي التفاوض و توزيع المغانم و السيطرة و غيرها .. كل ذلك يغلّف بشعارات براقة و جذابة تساعد في ايجاد ارضية شعبية لكل من يمارس هذه اللعبة .

اذا و بالحقيقة العمل السياسي الفعلي هو عمل بعيد جداً عن المبادئ الجامدة و الأطر البراقة كالديمقراطية و الانتخابات و غيرها ، انها بالفعل لعبة مصالح خالصة لا مكان فيها لأي شيء آخر خاصة الشعارات و العواطف الفارغة .

منذ اتفاق الطائف حتى اليوم يتساءل مسيحيو لبنان و بشكل مستمر عن سبب تجاهلهم كلياً في السياسة الدولية و لماذا لا يأخذ أحد برأيهم لا بل العكس ، تكون التسويات في احيان كثيرة على حسابهم و ان كانت في ظرف معين لمصلحتهم يكونوا ملحقين بها لا قادة كما حصل في تجربة ١٤ اذار التي استفاد على اطرافها المسيحيون من غضب السنة على النظام السوري رغم ان الآخرين هم من أتوا الى خياراتهم التاريخية و ليس العكس .

لنفهم بعمق ما يجري علينا أن نعود قليلاً الى زمن دولة الموارنة قبل الحرب مروراً بمرحلة الحرب اللبنانية بالذات و التي شهدت ايضاً تجاهلاً لمسيحيي لبنان خرقته مرحلة صعود بشير الجميل فقط ثم عادت و سقطت باستشهاده فلما كل ذلك و كيف فقد المسيحيون أهميتهم في لبنان ؟؟

في ميزان المصالح كانت اهمية مسيحيي لبنان و خاصة الموارنة بنجاحاتهم الاقتصادية و تحويلهم لبنان الذي يسيطرون عليه الى مركز مالي مهم جداً للغرب في منطقة الشرق الأوسط التائهة وقتها بين نظريات القوميات و المدّ اليساري و غيرها ، من هنا تحديداً كانت أهمية المسيحيبن اللبنانيين عالمياً ، من سيطرتهم على هذا الكيان و تحويله الى قاعدة متقدمة للسياسات الليبرالية و الرأسمالية الغربية وسط البحر القومي و اليساري الهائج في العالم العربي آنذاك .

مع بداية تحول دول المنطقة الى الأنظمة الرأسمالية و تخليها تدريجياً عن الاتحاد السوفياتي وقتها و نظرياته الاقتصادية و السياسية الفاشلة بدأ لبنان يفقد دوره تدريجياً لمصلحة مراكز نفوذ أخرى تفوقه قوة و تمتلك مقومات اقتصادية و مالية لا يملكها هو (كدول الخليج) او تمتلك ثقلاً سياسياً أساسياً في المنطقة ( كمصر السادات و عراق صدام و سوريا الأسد ) تلك البلدان المنتقلة وقتها ان بشكل كلي أو جزئي الى حضن العالم الغربي .

إنضموا الى قناتنا على يوتيوب

كان انفجار الحرب اللبنانية احدى ابرز العلامات على سقوط هذا الدور للبنان و مسيحييه و تحوله بالتالي الى ساحة لتصفية الحسابات و مكان لحلّ بعض مشاكل المنطقة أو تنفيسها على حساب وجوده.

فهم بشير الجميل بعمق هذا المتغير الكبير لذا حاول صنع دور آخر للبنان ( و هو دور “أزعر الحي” المتفلت من الضوابط و الذي بإمكانه جر المنطقة الى صدام كبير بين الدول النافذة ، فنجح بعد حرب زحلة بلفت الأنظار اليه خاصة الأميركية و الذين بدأوا بالتكلم معه حينها بعد تجاهل طويل له و لا مبالات بمصير المسيحيين و لبنان ..

عندها حاول بشير اغراءهم ربما بموقع لبنان الإستراتيجي على البحر المتوسط و بكونه وطن عربي و يستطيع تقديم خدمات لهم لا يمكن لحليفتهم اللصيقة إسرائيل تقديمها .. من العلاقة الجيدة مع المحيط العربي الى البيئة الحاضنة طبيعياً للوجود الأميركي على ارضها بحكم طبيعة المجتمع المسيحي اللبناني القريب تاريخياً من قيم الغرب نظرياته السياسبة و الاقتصادية … بمعنى آخر حاول بشير إحياء الدور الاقتصادي القديم في مكان ما و إضافة بعض الأدوار الخدماتية الأخرى اليه .

لم نعرف حتى اليوم ان نجح بشير حقا بإقناع الأميركيين بهذا الدور المستجد أم ان هؤلاء حاولوا فقط استيعاب ” ازعر الحي” للتخفيف قدر الإمكان من الضوضاء و الازعاج الذي يستجلبه ، هذا متروك للتاريخ و حكمه، ما نعرفه فقط أن بشير استطاع الوصول الى السلطة و بالتالي أمّن بداية نجاح لمشروعه السياسي الذي عاد و سقط باستشهاده و الذي ادى تالياً الى عودة التجاهل الغربي لنا و بشكل مؤذٍ اكثر هذه المرة من السابق .

بعد مرحلة بشير لم يستطع المسيحيون ايجاد أي دور لهم في لبنان لا بل العكس ، فقد انكفأوا الى داخل مناطقهم و ثبتوا جبهاتهم بانتظار حلّ ما يأتي من الخارج و عندما أتى زمن الحلول كانوا قد انتحروا او نُحروا لا فرق ، فطبق الحلّ على حسابهم و أدى الى شطبهم نهائياً من المعادلة السياسية في لبنان .

المشكلة هنا ، هي تحديداً في الدور ، فما الذي يمتلكه المسيحيون اليوم ليقدموه لأي جهة في العالم ان ارادت حقاً التفاوض معهم على اي شيء ؟؟

ليقل لنا أي أحد على ماذا يسيطر مسيحيي لبنان و بأي ملف يمكن لهم أن يقدموا أي شيء لأي مفاوض من اي جهة كان ؟؟ حتى السنة في زمن رفيق الحريري أغروا الكثير من الدول بإعادة الإعمار و الثورة الاقتصادية التي قادها الرجل الآتي من عالم المال و الأعمال و اكتسبوا مكانة مهمة بسبب ذلك !!!

بالمقابل هنالك حزباً مؤدلجاً منظماً قضم كل شيء في لبنان تدريجياً منذ نشوئه حتى اليوم ، ووصل لمرحلة السيطرة على كل شيء ، من القرار العسكري و الأمني ( بمعزل عن سلطة الدولة و اجهزتها الرسمية ) ، الى القرار الاقتصادي و الذي اصبح متقدماً بعد الاكتشافات النفطية الموعودة ، الى الموضوع الأهم بالنسبة للغرب و العالم ككل و هو جبهة اسرائيل الشمالية ، كل تلك الأوراق بيد حزب الله و هو يستعملها ببراعة و يتفاوض ببراغماتية قلّ نظيرها ، لذلك هو يحقق المكاسب و يتكلم الجميع معه ،

هذه هي علّة العلل في المجتمع المسيحي ، التلهي بالصراعات التافهة و غياب الرؤية الاستراتيجية و المشاريع الطموحة التي يجب أن تصل لحدّ الحلم أحياناً كما فعل بشير ، عليهم التخلي عن سياسات ” الواقعية الغبية” و انتظار الحلول التي ربما لن تكون على هواهم و تجربة الوصاية خير شاهد , غلى هؤلاء الانتقال الى مرحلة المبادرة و محاولة إيجاد دور و اللعب من خلاله ضمن شبكة المصالح المتشابكة في هذه المنطقة و هذا العالم .

المشكلة عند المسيحيين و ليس اي احد آخر و هي في الدور و الرؤية و سيتم تجاهلهم أكثر و اكثر حتى يندثروا ان لم يستدركوا ذلك و يعملوا على ايجاد رؤية موحدة لدورِ ما لهم في هذه المنطقة و هم لديهم كل القدرات في العالم لتحقيق ذلك و بإمكانهم تسخيرها لتحقيق الهدف الموضوع متى ارادوا ..

غير ذلك و بصراحة فليوضّب من تبقى منهم شنط سفره منذ الآن استعدادا للرحيل النهائي عن ارض الأجداد لأن التطورات الجديدة و المتسارعة في المنطقة لا تعترف بقيم أو عواطف و هي ستدهسم و بسرعة حتى قبل أن يعوا ما يجري ،  بالنهاية ستكمل الدول القريبة و البعيدة مسار تحقيق مصالحها التي لن تتوقف عند تفصيل صغير اسمه لبنان و مسيحييه …

تابعوا أخبارنا على Google-News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من صدى الارز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading