يشير وضع السنوار نفسه في الواجهة إلى تغيير في العمق داخل “حماس” نفسها وتغيير آخر في عمق إسرائيل. فرض السنوار الذي لا يعرف الكثير عن العالم هذين التغييرين على الرغم من أنّه لم يعد معروفا مصير “حماس” وهل لديها مستقبل من أيّ نوع. يبدو مستقبل “حماس” في المجهول في ضوء القرار الإسرائيلي القاضي بإزالة القطاع من الوجود… وفي ضوء الموقف الدولي من الحركة نفسها.
بغض النظر عن المستقبل الذي ينتظر “حماس”، ثمّة واقع لا يمكن الهرب منه. يتمثّل هذا الواقع في أنّ السنوار يختزل الحركة في الوقت الحاضر، خصوصا أنّه لا يزال يمتلك الورقتين الوحيدتين اللتين ما زالتا في يدها. ورقة استمرار المقاومة من داخل غزّة وورقة الرهائن الإسرائيلية. من يتحكم بهاتين الورقتين هو يحيى السنوار ولا أحد غيره.
الأهمّ من ذلك كلّه أن السنوار لم يستطع، من خلال “طوفان الأقصى” إرباك إسرائيل وإدخالها في أزمة وجودية فحسب، بل حوّل “حماس” أيضا من تنظيم آخر للإخوان المسلمين في المنطقة إلى ما يشبه حركة تحرير ذات طابع وطني بعيدا عن أيّ نوع من الأيديولوجيات.
لا شكّ أنّ السنوار استطاع فرض نفسه على منافسيه. استطاع منع خالد مشعل من خلافة إسماعيل هنيّة، الذي كان يجسّد صيغة توافقية بين الأجنحة المختلفة في “حماس”. يؤكد ذلك أن خليل الحيّة القريب منه سيكون المفاوض باسم “حماس” في ما يتعلّق بالرهائن. لم يحصل استبعاد لخالد مشعل وموسى أبومرزوق فحسب، بل هناك أيضا في الوقت الحاضر هيمنة للحمساويين الذين يعتقدون أنّ لديهم مشروعا وطنيا يعتمد على مقاومة الاحتلال الإسرائيلي بغية إقامة دولة مستقلة. هذا المشروع بديل من مشروع آخر نادى به الحمساويون الذين يؤمنون بفكر الإخوان المسلمين والذين يعتبرون قيام “إمارة إسلاميّة” في غزّة هدفا بحد ذاته.
ماذا بعد انتصار السنوار على خصومه المدعومين من قطر أساسا، ومن تركيا رجب طيب أردوغان إلى حدّ ما طبعا؟
يبدو أنّ التساؤل الحقيقي الذي سيفرض نفسه في المستقبل المنظور مرتبط إلى حدّ كبير بمصير يحيى السنوار نفسه الذي يتبيّن يوميا أنّه يعاني من نقطة ضعف مهمّة. ليس ما يشير إلى أنّ السنوار بعيد ما يكفي عن المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة. هذا مشروع يقوم على استخدام أدوات محلية في تنفيذ سياسات إيرانية على مستوى الإقليم ببعدين شرق أوسطي وخليجي، أي استخدام “حزب الله” في السيطرة على لبنان وميليشيات من كلّ الأنواع في السيطرة على سوريا والعراق… والحوثيين في السيطرة على جزء من اليمن وإيجاد موطئ قدم لإيران في شبه الجزيرة العربيّة.
بدا واضحا منذ فترة أن جناح السنوار في “حماس” يسير وفق توجه إيراني، إن من ناحية السيطرة على المخيمات الفلسطينية في لبنان، بالتعاون مع “حزب الله” ومع جهات حكوميّة لبنانيّة، وإن من ناحية تكريس التقارب مع النظام السوري. مثل هذا التقارب لـ”حماس” مع النظام السوري فرضته “الجمهوريّة الإسلاميّة” بواسطة “حزب الله” الذي رتب لقاء بين بشار الأسد ووفد من “حماس” برئاسة خليل الحيّة في تشرين الأول – أكتوبر من العام 2022.من المفيد هنا التوقف عند إنهاء القطيعة، بوساطة إيرانيّة، بين “حماس” والنظام السوري، وهي قطيعة استمرت ما يزيد على عشر سنوات وعمّقتها الجرائم التي ارتكبها النظام السوري في حقّ الفلسطينيين، خصوصا سكان مخيم اليرموك القريب من دمشق.
دخلت “حماس” مثلها مثل المنطقة مرحلة جديدة. تغيّرت المنطقة. ما ليس معروفا كيف ستكون عليه المنطقة في حال انتهت حرب غزّة يوما. إلى متى يستطيع السنوار البقاء في أسر أنفاق غزّة التي ساهم بإقامتها؟ الثابت أن لدى السنوار ما يشبه المشروع السياسي الذي جعله يقدم على شنّ “طوفان الأقصى” الذي حقّق نتائج فاقت التوقعات، خصوصا لجهة الخسائر الإسرائيلية، لكنه جعل الدولة العبرية تردّ بوحشية ليس بعدها وحشية من دون امتلاك أيّ مشروع سياسي قابل للحياة. هل راح السنوار ضحية نجاح “طوفان الأقصى” في يومه الأول بما يفوق التوقعات؟
يتميّز الوضع الإسرائيلي في الوقت الحاضر بإصرار رئيس الحكومة الإسرائيلية وآخرين في حكومته وفي المؤسسة العسكرية على الذهاب بعيدا في القضاء على “حماس” وعلى السنوار نفسه.
أوجد يحيى السنوار، شئنا أم أبينا، واقعا جديدا فلسطينيا وإسرائيليا وإقليميا. هل يبقى حيا لرؤية ما صنعته يداه ولرؤية مرحلة ما بعد “طوفان الأقصى” وما أنتجته من حروب تتجاوز غزّة؟
يبدو ذلك السؤال الذي يفرض نفسه في المرحلة الراهنة. إنّه سؤال مرتبط بمرحلة هيمنة السنوار على “حماس” ونقله القضية الفلسطينية، كذلك إسرائيل، إلى مكان آخر لا علاقة له من قريب أو بعيد بما كان عليه الشرق الأوسط قبل “طوفان الأقصى”!