وما كشفت عنه عمليات الدهم والاعتقال العسكرية والأمنية من أسلحة وذخائر نوعية في يد النازحين، بما يشكل قنبلة موقوتة وتهديداً حقيقياً للأمن ولسلامة اللبنانيين. ويطالبون المراجع الرسمية بالعمل الجاد والصارم من أجل ضبط هذا الواقع الحقير، وتدبر الرؤية والإجراءات السياسية والدبلوماسية الهادفة إلى إراحة لبنان من هذا العبء الذي يتجاوز أمانه، ويمس في الصميم ديموغرافيته وتوازناته واقتصاده ومعيشة أبنائه”. وأكدت مصادر كنسية رسمية في بكركي في حديث لصحيفة “النهار”، أن “المحاذير سببها الأسلحة الثقيلة المصادرة في مخيمات النازحين السوريين، مما يجعل الصرح البطريركي يعبر عن أخطار منطلقة من الوضع الذي لا يعد مقبولاً ويشكل خطراً”. وأشارت المصادر نفسها إلى أن “هذه الأوضاع كان شهدها لبنان تاريخياً مع بدء انتشار السلاح قبل اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية التي بدأت من وضع كهذا، في وقت تتمحور فيه الأخطار الحالية حول وجود هذه الأعداد الهائلة من النازحين السوريين”.
الوضع على الحدود مع سوريا “ينذر بالأسوأ”
إنها ليست المرة الأولى التي تحذر فيها مرجعيات وسياسيون من خطر النزوح السوري، وما يمكن أن تشكل المخيمات المنتشرة والموزعة على نحو 3500 مخيم، وآلاف الشقق السكنية، من العبدة شمالاً إلى الناقورة جنوباً، وجبل لبنان والعاصمة بيروت، إضافة إلى منطقة البقاع، حيث توجد الأعداد الأكبر للنازحين بسبب قربها من الحدود مع سوريا، كما منطقة عكار شمالاً، من تعقيدات أمنية وسياسية واقتصادية وديموغرافية. ووصل عدد النازحين في لبنان إلى نحو مليونين و100 ألف، بحسب الإحصاء الرسمي للأمن العام، في حين تقول بعض المراجع غير الرسمية إنهم بلغوا نحو مليونين ونصف المليون. وكان قائد الجيش العماد جوزيف عون قد حذر بدوره في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، من أن الجيش وبما يمتلكه من قدرات، تمكن من وقف نحو 85 في المئة من الشباب السوريين الذين يحاولون عبور الحدود بطريقة غير شرعية. وقال إن الجيش “يبذل قصارى جهده لمنع التهريب والنزوح غير الشرعي من الحدود السورية”، مشيراً إلى أن الوضع على الحدود مع سوريا “ينذر بالأسوأ قريباً”.
خلال شهر سبتمبر أيضاً، نظمت قيادة الجيش جولة إعلامية على الحدود الشمالية للبنان، عرضت خلالها كيفية تسلل النازحين السوريين إلى لبنان عبر المعابر غير الشرعية والأساليب المبتكرة في التهريب، إضافة إلى المشكلات والصعوبات التي تعترض عمل فوج الحدود البري. وشرح مسؤول العمليات في قيادة الفوج الرائد محمد صلاح للإعلاميين عن انتشار النازحين وتوزعهم في المخيمات التي يبلغ عددها 15 في نطاق عمل الفوج. وقال إن “عدد السوريين يبلغ 80 ألف نسمة مقابل 95 ألف نسمة من اللبنانيين، وانتشارهم عشوائي وغير منظم مما يخلق أعباءً كبيرة على الجيش اللبناني لأن الموضوع يتطلب جهداً استعلامياً إضافياً لتحديد أماكن وجودهم ولكي نتعامل مع أي عمل مشبوه يخل بالأمن”، موضحاً أن “فوج عسكري عديده 1200 عنصر يستطيع تغطية قطاع من 8 إلى 10 كيلومترات، في حين أن الفوج يعمل على 110 كيلومترات ونحتاج إلى 10 أفواج لتغطية الحدود”.
والحقيقة أن حركة النزوح بدأت مع بدء الحرب في سوريا عام 2011، لكن ازدادت وارتفعت وتيرتها خلال الأشهر الماضية، ولا يمر أسبوع من دون صدور بيانات عن الجيش والقوى الأمنية اللبنانية في شأن إحباط مئات عمليات التسلل عبر المعابر التي تربط الحدود اللبنانية – السورية، والتي تحاول جاهدة التصدي لها، من دون معرفة الأعداد الحقيقية للمتمكنين من العبور إلى الداخل اللبناني، والذين يدخلون لأسباب مختلفة. من هنا تتخوف الأوساط الأمنية والسياسية من أن يكون أحد الأهداف عملاً أمنياً يحضر له.
“بدء تنظيم النازحين في مجموعات مسلحة”
في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أعلنت المديرية العامة لأمن الدولة عن مداهمة خيمة في مخيم للاجئين السوريين في سهل مدينة زحلة بالبقاع، مشيرة إلى أنها صادرت أسلحة وألبسة عسكرية ومعدات أخرى. وقال البيان إنه عثر “على كمية من الأسلحة الحربية وأسلحة الصيد، إضافة إلى ألبسة عسكرية وهواتف خلوية عدة وكاميرات”، مشيراً إلى أنه “بعد أخذ إشارة القضاء، تم توقيف السوريين بجرم حيازة أسلحة حربية وأسلحة صيد بطريقة غير شرعية، وتبين دخولهما خلسة إلى لبنان، فتم تسليمهما إلى الجهات المتخصصة لإجراء المقتضى القانوني في حقهما، والعمل جارٍ حالياً لتوقيف باقي المتورطين”.
وأفادت تقارير أمنية نقلتها وسائل إعلام لبنانية عن وجود آلاف قطع السلاح، كما عن بدء تنظيم النازحين في مجموعات مسلحة وحملها لأجهزة اتصال، وعندما يقع أي حادثة في بلدة أو حي ويكون فردياً أحياناً، يجتمع عشرات السوريين المسلحين بالسكاكين ومسدسات، ويهاجمون من يقف ضد الوجود السوري. ونقل الإعلام اللبناني أنه خلال مداهمة في شهر سبتمبر الماضي لأحد مخيمات النازحين في منطقة قب الياس (البقاع)، عثر على طائرات مسيرة “درونز” للتصوير وأجهزة إلكترونية وحواسيب وحافظات ذاكرة وغيرها. وقال مسؤولون أمنيون حينها إن بعض الموقوفين اعترفوا في التحقيقات الأولية بأنهم كانوا في صدد إنشاء مجموعات تهدف إلى تأمين الأمن الذاتي للمخيم، فيما أقرت مجموعة أوقفها لواء المشاة الثالث في الجيش في البقاع الغربي أنها تتخذ من أحد المخيمات مركزاً لها للقيام بعمليات منظمة في السلب والخطف، علماً أنه يحصل أحياناً أن يتعرض الجيش لإطلاق نار عند مداهمته لأحد المخيمات بحثاً عن مطلوبين.
يقول مصدر أمني متابع لـ”اندبندنت عربية”، إن البعض يستغل النازحين ويقوم بتسليحهم لاستغلالهم كأدوات، لكن هذا التسليح ليس منظماً أو ممنهجاً بقصد التهيئة لعمل أمني ما. ويشرح أن “التسليح يأتي من قبل فريقين، فريق له علاقة بعصبية متصلة بتنظيمات متطرفة مثل (داعش) و(جبهة النصرة)، وغيرهما، وآخر يحصل بصورة غير مباشرة من خلال (حزب الله) عبر ما يسمى (سرايا المقاومة)، لكن هؤلاء ليسوا منتمين للسرايا، بل يكونوا متأهبين في حال حصول أي تحرك داخلي، تنظم المجموعات المسلحة للتصدي من داخل المخيمات”. ويشير المصدر الذي تمنى عدم ذكر اسمه في هذا الملف الحساس، إلى أن “حزب الله” متنبه تماماً لاحتمالات قد تحصل مستقبلاً، فيلجأ حينها إلى الاعتماد على تلك المجموعات كخطوط دفاع أولى من داخل المخيمات. ويستدرك المصدر قائلاً، “إن ذلك التسليح ليس مركزاً”، وغالب السلاح هو سلاح رشاش خفيف إلى متوسط من نوع “كلاشنيكوف” و”بي7″ و”بي كي سي”، وغيرها.
النازح السوري قد يصبح “خطراً”
ويؤكد المصدر أن “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، أو ما يعرف بجماعة أحمد جبريل، تعمل كوسيط بين مخيمات النازحين و”حزب الله”، حيث إن الحزب لا يتدخل مباشرة، بل له عيون في الداخل، لكن بالنسبة إلى المصدر لا خطر حالياً، لكن يبدأ القلق عندما يحصل احتكاك لبناني – سوري، مما يعني أنه من الممكن أن يصبح النازح السوري خطراً في لحظة اشتباك معينة”. ويردف المصدر قائلاً إن “الكلام لا ينفع عن هذا السلاح الخفيف فيما يعج البلد بأكثر من 100 ألف صاروخ تحدث عنهم أمين عام (حزب الله) حسن نصرالله. ولا ينفع عندما يقوم الحزب بإرسال قوات الفجر إلى الجنوب، وغيرها من المظاهر المسلحة والتي نشاهدها خلال كل تشييع لأحد عناصر الحزب أو قياديين فلسطينيين، وتلك المظاهر المسلحة تظهر للعلن وأمام عدسات الكاميرات”.
في المقابل يرى الإعلامي المقرب من “حزب الله” فادي بو دية أن “الحزب رد مرات عديدة على اتهامه بتسليح النازحين”، مؤكداً أنه “لا يسلح أو يدعم أحد في لبنان يهدد السلم الأهلي والأمني، والمسألة تتعلق الآن بالجبهة ضد العدو الإسرائيلي، وأي كلام خارج هذا الإطار هو لذر الرماد في العيون، وحرف الأنظار عن الجبهة الحقيقية”. ويتابع بو دية أن “الدولة تتحمل مسؤولية الدخول إلى المخيمات والكشف عن السلاح، وهذا ما قامت به المؤسسات الأمنية من استخبارات الجيش وفرع المعلومات وأمن الدولة والأمن العام، الذين قاموا بمهامهم داخل المخيمات لنزع السلاح، لأنه لا يجوز لهذه المخيمات أن تحمل السلاح”.
وعن ربط التسليح بـ”سرايا المقاومة”، يؤكد بو دية أن “السرايا جزء من بنية المقاومة وطبيعي أن تكون مسلحة”.
وكانت صحف لبنانية نقلت عن مطلعين أمنيين قولهم إن كميات السلاح التي صادرتها استخبارات الجيش اللبناني، لا تشكل أخطاراً حالياً، لكن خطرها يكمن إذا استمرت ظواهرها في المستقبل البعيد.
هل للنظام السوري صلة؟
يشير الباحث في شؤون الأمن والدفاع رياض قهوجي في مقال نشر في صحيفة “النهار” في سبتمبر الماضي إلى أنه “لوصف حجم الخطر بطريقة يفهمها المواطن العادي – وربما السياسي – وكيف تقاربها المؤسسة العسكرية، يجب طرح سيناريوهات يمكن أن تواجهها الساحة اللبنانية، فقد يعمد النظام السوري أو قوى من داخل هذا النظام إلى تعزيز نفوذها على الساحة اللبنانية لزيادة قدرتها على ابتزاز المجتمع الدولي وإعادة جزء من وصايتها على الداخل اللبناني”. ويوضح قهوجي أن قسماً كبيراً من الشباب السوريين النازحين قد أتموا خدمتهم العسكرية في سوريا ويرجح أنهم لا يزالون على تواصل مع قادتهم العسكريين في دمشق، مما يعني أنهم قد يكونون جاهزين لأي تحرك في جميع المخيمات وعلى كافة الأراضي اللبنانية عند حلول “ساعة الصفر”. ويتساءل قهوجي عن مصدر الأموال التي يدفعها السوريون بالدولار الأميركي للمهربين للدخول بصورة غير شرعية إلى لبنان فيما هم ينزحون بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة في سوريا والمستمرة منذ فترة طويلة، ويضيف “فلماذا الآن نشهد هذه الموجة الكبيرة (للنزوح)؟ هل يشعر النظام السوري أن عودته إلى الجامعة العربية وتقارب بعض الدول مع إيران، سيسمحان له باستعادة نشاطه العسكري داخل لبنان، لتعزيز نفوذه فيه والاستفادة اقتصادياً من الوضع؟”. ويتابع قهوجي، “أن هذه المخيمات تشكل ملاذاً آمناً لخلايا استخباراتية مهمتها تنفيذ عمليات اغتيال أو تفجير، من أجل إثارة النعرات الطائفية وإشعال الساحة الداخلية اللبنانية. وقد تكون هناك قيادات لبنانية قريبة من النظام السوري ساذجة لحد رفضها إمكان إقدام هذا النظام على مغامرات أمنية كهذه. فكثيراً ما برع نظام الأسد في إيجاد المشكلات الأمنية من أجل أن يقدم نفسه كطرف وحيد قادر على حلها. وهذا ما قد يقدم عليه عبر زرع آلاف المسلحين داخل مخيمات النازحين”.
“قنبلة موقوتة”
عضو “الجبهة السيادية من أجل لبنان” بسام خضر آغا، يرى أنه “وفقاً للإعلام وبيانات الجيش يظهر أن هناك تسليحاً داخل المخيمات، لكن من يتسلح؟ هل هم تابعون للنظام السوري أو المعارضة؟ في كلتا الحالتين فإن هذا يشكل خطراً على لبنان والأمن القومي اللبناني، كما يخالف قانون النزوح وكل القوانين المحلية والدولية”. ويشير إلى أنه “قبل الحديث عن السلاح، إن الوجود السوري في حد ذاته أصبح قنبلة موقوتة، بسبب كثافة النازحين الكبيرة، حيث إن البنى التحتية في البلد انهارت كلها”، ويؤكد خضر آغا أن الأعداد التي تصدر عن المنظمات الأممية غير صحيحة، إذ إن الجيش اللبناني يوقف وبصورة يومية أكثر من 600 إلى 700 شخص يتسللون إلى داخل الأراضي اللبنانية”. ويشير إلى أنه “على الدولة أن تفاوض الأمم المتحدة حول فترة زمنية محددة لإخراجهم من البلد، أو نفتح لهم طريق البحر”.
ويعطي خضر آغا مدينة طرابلس التي يأتي منها مثالاً، “حيث الازدحام والكثافة السكانية مرتفعة جداً، المدينة التي لا تستوعب 500 ألف إنسان، تضم الآن مليوني شخص”. ويردف قائلاً إنه “بموضوع التسليح كما يردد ويشاع، على القوى الأمنية أن تحقق بالأمر وبصورة جدية”.