ونقلت “الوكالة الوطنية للإعلام” أن معظم الكتل النيابية التي حضرت الجلسة صادقت على اقتراح القانون، وكان من أبرز الغائبين كتلة “لبنان القوي” التي يرأسها، رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، وكتلة “الوفاء للمقاومة” أي كتلة “حزب الله” البرلمانية، إضافة إلى بعض النواب المستقلين. وصرح رئيس البرلمان نبيه بري عقب التصديق على القانون، قائلاً إن “كل اللبنانيين من دون استثناء هم مع الجيش اللبناني ولا يزايد أحد على الآخر، نعم الصلاحية كانت للحكومة أولاً وثانياً وثالثاً ورابعاً”، مضيفاً “نحن مقبلون على فترة أعياد وعطل قد تمتد لـ15 يوماً وإذا لم نقم بهذا العمل اليوم نخشى أن ندخل في الفراغ”. وكان مجلس الوزراء فشل في عقد جلسة حكومية جراء عدم اكتمال نصاب بعد غياب أربعة وزراء، إذ كان من المفترض البت خارج جدول الأعمال بتأجيل تسريح قائد الجيش لمدة ستة أشهر.
معارضة التمديد
وكما بات معلوماً أن جبران باسيل يعد من أبرز رافضي التمديد لقائد الجيش، بل وخاض معركة سياسية ضده. وقال مراقبون إن ذلك هدفه قطع الطريق أمام حظوظ جوزيف عون الرئاسية، إذ كان اسم قائد الجيش قد تصدر المشهد السياسي اللبناني، مرشحاً لرئاسة الجمهورية. وكان عون عين قائداً في الثامن من مارس (آذار) 2017، أي خلال ولاية الرئيس السابق ميشال عون الذي سماه لهذا المنصب، وكان محسوباً عليه خلال فترة خدمته العسكرية. وشن مسؤولون في “التيار” حملة ضد التمديد لقائد الجيش، ووصل الأمر أن الرئيس السابق قال لمقربين منه، “على جثتي لا يمدد لجوزيف عون”، وفقاً لما نقلت وسائل إعلام لبنانية. وفي هذا الإطار كان وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار، التابع للتيار، قد أشار إلى أنه “على قائد الجيش أن يعلن بشكل واضح أنه مع الدستور ومع تطبيقه، وأن يكون الدستور هو السقف للجميع مهما كانت الأوضاع وعدم تدوير الزوايا. وعلى الشخص المعني أن يعلن للرأي العام أنه مع تطبيق القانون، فلا نستطيع تعديل القانون من أجل استفادة فرد، لأن هذه ستكون سابقة خطيرة، وفي الماضي أخطأنا بمواقع عدة واليوم نعيد الخطأ ذاته”. وكان باسيل استبق قرار التمديد بالإعلان أنه سيطعن بالقرار أمام المجلس الدستوري سواء صدر عن الحكومة أم مجلس النواب. وفور صدور القرار أعلن باسيل عبر حسابه على منصة “إكس”، “ما حصل البارحة من تمديد في المجلس النيابي هو في إطار استمرار المؤامرة، التي لم يتصدى لها السياسيون اللبنانيون والحكومات منذ تكلمنا عنها عام 2011، والتي خضعوا لها مجدداً البارحة بتمديدهم للسياسات الأمنية المعتمدة على الحدود البرية والبحرية للبنان. الله يستر مما يحضر لاحقاً في الداخل، في ظل غض النظر أو التقصير أو السكوت أو إخفاء للمعلومات مما يمكن أن يكون… و17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 هي مثال صارخ في هذا المجال”.
وتأزمت الأمور بين الرئيس السابق وصهره (باسيل) وقائد الجيش، إلى أن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه من ترد في العلاقة وعداوة معلنة.
ويقول الكاتب السياسي أسعد بشارة إن “الخلاف بين جبران باسيل وقائد الجيش يعود إلى بداية تسلم الأخير مهماته، حين حاول باسيل أن يتدخل في المؤسسة العسكرية، أي في التعيينات والحصص، وهذا ما تصدى له جوزيف عون، ووضعه عند حد معين، وأفهمه أن هذه المؤسسة ممنوع أن تتدخل فيها السياسة والمحاصصات. ومن محطات الخلاف أيضاً، أنه عندما اندلعت ثورة 17 أكتوبر 2019، أراد ميشال عون وباسيل من قائد الجيش أن يقمع هذه الثورة بالقوة، لكن الجيش بقي على الحياد، وحافظ على أمن اللبنانيين، كما على مؤسسة الجيش. لذا هم يتهمونه بعدم الوفاء لهم كأشخاص، على خلفية تعيين قائد الجيش خلال عهد عون. أما السبب الأكبر فهو أن باسيل يرى في عون منافساً رئاسياً، لأن قائد الجيش بحكم ممارسته مهماته بطريقة متوازنة بات يحظى بثقة داخلية وعربية ودولية، ومن ثم بات من أبرز المرشحين لرئاسة الجمهورية، وجبران يريد حرق هذا الترشيح وأن يمنع التمديد، لإبعاده عن الحلبة الرئاسية”. ويضيف الكاتب أسعد بشارة أنه “من زاوية باسيل والتيار العوني هناك ثأر وانتقام في حق القائد، وهذا ما اعتادت عليه المدرسة العونية منذ عام 1988 وحتى اليوم”.
انتفاضة 17 أكتوبر
وكانت صحيفة “الشرق الأوسط” قد تحدثت ومنذ شهر مارس الماضي عن بوادر اندلاع اشتباك سياسي بين وزير الدفاع الوطني في حكومة تصريف الأعمال موريس سليم، وقائد الجيش اللبناني، بعد تباين حول تعيين الضابط الذي سيكلَّف بتدبير أمور المفتشية العامة في الجيش خلفاً للواء ميلاد إسحاق حينها. ونقلت الصحيفة عن مصادر سياسية “أن المشكلة ليست شخصية بين العماد عون والوزير سليم، وإنما تتجاوزه إلى شن حرب مفتوحة بتحريض من الرئيس عون وباسيل، وأن التركيز على الشق المالي المتعلق بالمؤسسة العسكرية يراد منه ضرب صورة قائد الجيش لدى المجتمع الدولي لدفعه إلى تغيير رأيه فيه، مع أن خصومه يدركون أن هناك استحالة لتشويه سمعته في الداخل أو الخارج”. وتابعت الصحيفة ودائماً وفقاً للمصدر عينه “أن الود بين رئيس الجمهورية السابق والعماد عون بدأ يتراجع ويفقد وهجه منذ ذاك التاريخ، خصوصاً أن الأخير رفض اللجوء إلى استخدام القوة ضد المتظاهرين ورسم لهم خريطة الطريق للحفاظ على السلم الأهلي وحماية الممتلكات العامة والخاصة من جهة، ولتأمين حرية العبور والتنقل للمواطنين من منطقة إلى أخرى، وهذا ما دفع وحدات الجيش الموجودة في معظم المناطق إلى التدخل في الوقت المناسب لمنع الإخلال بالأمن وإقفال الطرقات الدولية والتعامل أحياناً بشدة مع المحتجين تحت سقف الحفاظ على الاستقرار كشرط للتعبير عن حرية الرأي”.
وقال القيادي السابق في “التيار الوطني الحر” المحامي أنطوان نصرالله في حديث إعلامي إن “عوامل عدة تؤدي إلى اختيار شخصية معينة لقيادة الجيش، أبرزها الموقف الأميركي، كما موقف (حزب الله)، وكان واضحاً أن الطرفين لم يمانعا الاسم الذي اقترحه ميشال عون”. وتابع نصرالله أن “عون وقبل تعيينه قائداً للجيش تعرض خلال مسيرته العسكرية للاضطهاد كغيره من الضباط الذين كانوا محسوبين على ميشال عون، وأتى اختياره للانتقال إلى اليرزة (مقر قيادة الجيش) بمثابة مكافأة له على تضحياته، كما لأن الرئيس عون كان يحبه ويثق به”. وأشار القيادي السابق في التيار إلى أن استياء باسيل من عون “أخذ يتنامى لرفض الأخير إطاعة أوامره”. وشدد على أن “مشكلة باسيل لم تكن مع جوزيف عون وحده، إنما مع كل شخصية مقربة من ميشال عون كانت ترفض الامتثال لأوامره أو لطريقة التعاطي الفوقية معها”. ويؤكد نصرالله أن “الجرة انكسرت بين جوزيف عون وميشال عون بعدما عمل باسيل ومقربون من الرئيس عون وقتها على إقناعه بأن قائد الجيش نفذ انقلاباً عليه لمحاصرة العهد وإضعافه وإسقاطه، علماً بأن الجيش كان يقوم بواجباته على أكمل وجه”.
الاتهام بـ”قلة الوفاء”
في سياق متصل، لفت الكاتب السياسي سمير سكاف إلى “أن للمشكلة أربعة جوانب، أولاً الخلاف الذي حصل بين وزير الدفاع المحسوب على التيار وقائد الجيش. ثانياً، أن جوزيف عون مثل كل قائد للجيش مرشح دائم للرئاسة، وهذا بدوره يثير أزمة لدى التيار الذي يريد إيصال رئيسه جبران باسيل. ثالثاً المناقلات والتعيينات داخل الجيش التي تجري تبعاً لمحاصصات معينة، إذ إن لكل فريق من الفرقاء السياسيين أسماء معينة من الضباط ويفضلها على غيرها. ورابعاً كانت إرادة الرئيس السابق وجبران باسيل هي سحق الثورة (انتفاضة 17 أكتوبر)، ومع أن جوزيف عون استعمل القسوة في بعض الأحيان، إلا أنه لم يستجب لمطلبهما بسحقها”. ويضيف سكاف أنه “من الواضح أن الرئيس السابق وباسيل كانا يريدان من قائد الجيش أن يكون طوع أوامرهما، وأن يتصرف وفقاً لرغباتهما، وهذا ما لم يفعله عون إذ نجح في قيادة الجيش، وكان يمتلك هامشاً كبيراً من الاستقلالية، الأمر الذي اعتبراه يقع ضمن خانة قلة الوفاء”.