سيّدي البطريرك، المفهـوم النظري الذي نستند إليه في أبحاثنا ونشاطاتنا الفكرية والسياسية العملانية، من أجـل تحليل وفهم ما يحيط بنا من ظواهر وأحداث هو مفهوم الاضطراب على ما يؤشر له “علم السياسة”، وهذا الأمر حاصل في جمهورية العام 1920، ولقد دخلنا عمليًا في مراحل من الإضطراب والتحولات والتقلبات وعدم إنتظام المؤسسات الرسمية وكلها تتضمن سِمات الفوضى والتغيير الغير منضبط، وفعليًا تتمثل هذه الظواهـر في إهتزاز القيم والمعايير التي تحكم سلوك جمهوريتنا وإزدياد ممارساتها المخالفة لقواعد القانون الدولي والمتضمنة ميثاق الأمم المتحدة وللدستور اللبناني .
سيّدي البطريرك، جمهورية العام 1920 قيل لنا لا بل عشناها جمهورية وحدة جغرافية متماسكة متجانسة مزّقتها مسطرة ألاستعمار الخارجي الوافدة إلينا منذ سنوات وبتعاون مع مرجعيات سياسية لبنانية مسيحية ومُسلمة أطلقتم على بعضها لقب “أقطاب”، وكلّما كانت تتقدّم خطورة الأوضاع نُدركْ أننا نعيش حلمًا تهدمه الوقائع وتنسف الظروف السياسية – الأمنية – الإقتصادية – الاجتماعية – الديمغرافية أركان هذه الجمهورية، وباتت حدودها حدود مصطنعة لدرجة بات الدخول إلى أراضينا برًا وبحرًا وجوًا أسهل وأيسر من دخولنا نحن اللبنانيين، وهذه السياسة المنتهجة من قبل ” الأقطاب ” لم تجلِبْ إلينا لا التطوّر ولا التقدُّمْ بل جلبتْ الأطماع والحروب والسلاح اللاشرعي، معطوفة على خطط محكمة الأداء والتنفيذ ومزيدًا من التمزُّقْ، كما تظهر حاليًا طبقية بين أبناء يفترض أنهم ينتسبون إلى الجمهورية التي نتغنّى بها ولكن الواقع يعكس ذلك فالولاء هو للخارج والسطوة لهذا الخارج .
سيّدي البطريرك، صدمات كثيرة متوالية تُظهـر هشاشة هذه الجمهورية وحالتها المحزنة، وتبيّن لنا أنّ هذه الجمهورية يحتّلها أستعمار خطير تحت مُسمّى ” الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني “،وهذه المنظومة لا تمّتْ إلى مصلحة الجمهورية اللبنانية ولا إلى مصلحة الدول العربية ولا إلى مصلحة فلسطين ولا إلى مصلحة الدول الغربية بأية صلة، وإنّ الاستبداد والنموذج التوتاليتاري وما يترّتب على ذلك من فساد وتخلُّف هـو الغالب على جمهوريتنا ولعّل بعض دراساتنا وتحركاتنا السياسية في الداخل اللبناني وعواصم القرار تكون من ضمن صعقات كهربائية تحضرنا من سماء عالم الخيال إلى أرض الحقائق والوقائع المريرة .
سيّدي البطريرك، من خلال تصّدي البعض من الغيارى وأنتم من “أهل الغَيْرَة والنشوة”لما باتَ يُعرف بالأوضاع الهشّة متمسكين بنهج يخلــو من أي جوهــر سياسي ووفقًا لعلم السياسة إنّ نهجكم المتّبع يؤكد وفق هذا العلم على محورين أساسيين وهما:
تفوّق الدلائل الكميّة المستندة إلى إشارات إحصائية على الأيديولوجيا في التأثير على السياسات وتحديد شكلها وقوّة المبادرة والإقدام والإيجابية بدلا من الإلتزام بالوضع الدفاعي والسلبية فقط.
ونتيجة لذلك بدل معالجة الأسباب الجذرية لأوضاع الهشاشة في الجمهورية تتعاملون مع أعراض المشكلة بشكل أساسي وليس مع جوهرها، ومن ثم قد تسببتم بدوركم في إستمرار الوضع الراهن من هشاشة وإدارة للصراع وسلاح غير شرعي وإنتهاكات للدستور ولشرعة حقوق الإنسان والنتيجة مزيد من التكريس لأوضاع الهشاشة واللاشرعية وإخفاق الجمهورية في القيام بوظائفها وغياب بل إنكار لأي عمل سياسي منتج.
سيّدي البطريرك، باستبعاد أي “مجموعة وطنية فكرية سياسية “، نعتقد أننا سنواصل الدوران حـول المشكلة ولن نتصدّى أبدًا لأسبابها الجذرية، ومن الأفضل جيدًا وعلميًا إدراك أنّ أسباب الأوضاع الهّشة هي في أصلها وجوهرها سياسية من صنع ساسة باعـوا ضميرهم وباعـوا وطنهم وباعــوا شعبهم.
سيّدي البطريرك، إنّ الأحداث القائمة رسّختْ واقعًا تحوّلت الجمهورية فيه جمهورية تصريف أعمال حيث سياسة شراء الوقت والترقيع هي السائدة، وانسحب الشغور إلى أعلى مرجع في جمهوريتنا وسيتمدّد إلى مؤسسات وإدارات التي باتت تعمل بالوكالة أو التكليف أو من خلال بدعة التمديد معطوفة على أزمة مالية خطيرة وتطورات أمنية وعسكرية خطيرة مع قرار إتخذته ميليشيا حزب الله “تحويل الجنوب جبهة مساندة ودعم لغزّة “… كما إننا نخشى من خلال تقارير تصلنا تباعًا عبر مراكز أبحاث عربية ودولية بتوسعة الحرب إنْ إستمّرت ميليشيا حزب الله بالحرب وهذا ما يُشكّل خرقًا لمندرجات القرار 1701.
سيّدي البطريرك، أصبح مع طبقة ” الأقطاب ” إنتهاك الدستور والقوانين من عادتهم، وأدائهم شكل سببًا في عرقلة النمو على النحــو السليم، ولكي لا تبقى جمهورية العام 1920 في حالة الخطــر الشديد، ينبغي عليكم وعلينا إعادة سلطة صناعة القرار إلى أطرها الفكرية السليمة على النحو الذي ينص عليه الدستور وبعيدًا عن المحافل الغير منتجة ومع التشديد على ضرورة إحترام وإعلاء شأن المؤسسات الرسمية بدءًا من إعادة تكوين السلطة والتي تستند إلى منظومة سياسية واضحة وقابلة للتطبيق وصولاً إلى الإلتزام بقواعد المساءلة البرلمانية كما إمتلاك الرؤية التي بناءً عليها ستُدار شؤون البلاد، وللبحث صلة .