لم يتوقف حسن نصرالله في كل إطلالة منذ أن خرج عن صمته الذي آثره بداية طوفان الأقصى، عن شرح وتبرير أسباب دخوله في سيول هذا الطوفان الذي قسّم اللبنانيين وأشعل جبهة الجنوب اللبناني وكاد أن يشعل لبنان بكامل ملفاته.
فخطاب اليوم يمكن قراءته من حيث الشكل أنه لم يتضمن أي جديد لجهة اعتماده لغة «العين بالعين» التي ينتهجها في خوض كل معاركه في الداخل والخارج، فكرر عبارته الشهيرة أنه «إن استكملت الحرب في غزة سيستكملها هو في الجنوب». أما في المضمون، فحملت إطلالته الرسالة المنتظرة إلى من يعنيهم الأمر، بأن هناك قبولا واضحا وصريحا بالتسوية التي يتم الإعداد لها في الإقليم وذلك بعد الضوء الأخضر الذي حصل عليه بعد زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان والتي تزامنت بدورها مع حركة إقليمية نشطة إلى لبنان وإسرائيل والتي تهدف إلى أمر واحد وهو أمن إسرائيل المأزومة في حربها بغزة.
فكيف سيقرأ من يعنيهم الأمر رسالة نصرالله الذي سارع لإطلاق موقفه مع انطلاق السباق المحموم بين الحرب الشاملة والحل الدبلوماسي، خصوصاً أن لبنان أمام أسبوعين مفصليين وفق التسريبات الدبلوماسية الفرنسية والأمريكية والبريطانية التي أكدت في الساعات القليلة الماضية وجود سيناريوهين، إما اجتياح إسرائيلي من الحدود الشمالية حتى شمال الليطاني أو من معبر رفح أو عبر الجولان، وهذه المحاور الثلاثة هي المدخل للحرب الشاملة، وأما الحل الدبلوماسي الذي سيفرض، فإن التسوية لم تنضج بعد.
وبالعودة إلى خطاب نصرالله، الذي اعتبره البعض تصعيديا، إلا أنه جاء مطابقاً ومتمماً للموقف الذي أعلنه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في الوقت نفسه بأن الوضع في الجنوب لا يخلو من الحذر، ولكن الأمور تتجه إلى نوع من الاستقرار طويل الأمد، لافتاً إلى أن الاتصالات مستمرة في هذا الصدد وسيعقد سلسلة من اللقاءات والاجتماعات مع العديد من المسؤولين الدوليين خلال مشاركته في مؤتمر ميونيخ يومي الخميس والجمعة القادمين، من بينها مع المبعوث الأمريكي اموس هوكشتين، لمعرفة أين أصبحنا في مسار التهدئة وإعادة الاستقرار، فقال نصرالله من جهته إنه يقف وحزبه خلف الحكومة اللبنانية ورئيس مجلس النواب والجهات السياسية المعنية، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الشروط التي رفضها ورفع السقف من أجلها وغير قادر على قبولها، فتقبل بها الحكومة اللبنانية. فهل هذا يعني أنه قد يوافق على الانسحاب من جنوب الليطاني أو إلى منطقة عازلة يجري تحديدها شمال «الخط الأزرق» مقابل استعادة لبنان كامل حقوقه البرية بما فيها مزارع شبعا، ووضعها مؤقتا تحت حماية دولية؟