وفي وقت تشير وزارة المالية إلى أنه في حالة الاستقالة سيصدر الوزير يوسف خليل قراراً بتكليف النواب الأربعة بتصريف الأعمال، يصر رئيس “التيار الوطني الحر” على حق القضاء في تعيين حارس قضائي يصرف الأعمال موقتاً لحين تعيين حاكم جديد.
وتتضمن “الخطة” التي قدمت إلى لجنة الإدارة والعدل، اقتراح قوانين للتحكم في تحركات رأس المال (كابيتال كونترول)، وإعادة هيكلة المصارف، ومعالجة الفجوة المالية، بالإضافة إلى حماية الودائع، وإقرار موازنة للعام 2024 مبنية على الإصلاحات التي أشار إليها صندوق النقد الدولي، ولا سيما تعويم سعر صرف الليرة مقابل الدولار، وذلك بجدول زمني مدته ستة أشهر لتنفيذ الخطة.
أسرار المجلس المركزي
وفي السياق يؤكد رئيس لجنة الإدارة والعدل النيابية النائب جورج عدوان، أنه ناقش مع نواب الحاكم الأربعة الأسباب التي دفعتهم للتلويح بالاستقالة، حيث أوضحوا أن هدفهم الضغط على السلطة التنفيذية والتشريعية لوضع خطة مشتركة وليس بهدف التخلي عن مسؤولياتهم.
ولفت إلى أن لديهم هواجس وتساؤلات حول موقف النواب من القرارات التي صدرت خلال مرحلة ما بعد الانهيار منذ عام 2019، حيث اعتمدت السياسة النقدية على دعم الوقود والأدوية ومجموعة من السلع، وأدت إلى هدر 20 مليار دولار من احتياط الأموال الأجنبية، كاشفاً أنهم أرسلوا إلى الحكومة ووزير المال يوسف الخليل كتباً عدة، نبّهوا فيها إلى مخاطر السياسة النقدية المتبعة ومحاذيرها، ومن الهدر الذي حصل بسبب الدعم والتهريب وغيرهما.
وأكد عدوان أنه سيتقدم باقتراح قانون لرفع السرية عن كل محاضر المجلس المركزي، حتى تكون الأمور والمواقف أكثر وضوحاً وشفافية، ويبنى على أساسه الموقف بما يتعلق بالقرارات التي اتخذت طيلة هذه المرحلة.
استقالة معنوية
في المقابل اعتبرت مصادر في المجلس النيابي أن تلويح نواب الحاكم بالاستقالة ومن ثم “رمي خطة إصلاحات وإنقاذ اقتصادي بشكل مفاجئ على النواب ليس سوى حراك شكلي للتنصل عن مرحلة السنوات الأربعة الماضية، والإيحاء بأن سلامة لم يكن يشاركهم القرارات وأن كل التعاميم الصادرة عنه تعكس سياسته النقدية”، مشيراً إلى أن نواب الحاكم هم جزء من المجلس المركزي في مصرف لبنان، وأنهم شركاء مع سلامة في جميع القرارات والتعاميم.
وكشف أنه على رغم صدور بيان موحد من النواب الأربعة للحاكم، “إلا أنهم ليسوا جميعاً بنفس الحماسة للاستقالة، ولا سيما النائب الثالث سليم شاهين الذي يعتبرها هروباً من المسؤولية”، مشدداً على أنه في جميع الأحوال سواء قدموا استقالاتهم بشكل جماعي أو فردي أو بقوا في مواقعهم، فإن “النتيجة هي نفسها كون الحكومة في مرحلة تصريف أعمال غير قادرة على قبول الاستقالة”، معتبراً أن الخطوة هي معنوية لوضع فاصل مع مرحلة سلامة.
وراثة “صيرفة”
وفي هذا الإطار تؤكد المعلومات أن من أبرز النقاط التي تثير مخاوف نواب الحاكم هي وراثة منصة “صيرفة” التي أنشأها سلامة للتدخل في السوق بهدف لجم انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية، إذ يعتبر هؤلاء أنها تخالف المعايير الدولية للتدخل في السوق، لناحية ارتكازها على شراء النقد الأجنبي المتداول في السوق عبر صرافين كبار لتعود وتضخه في السوق بفارق يتراوح بين 7 إلى 10 آلاف ليرة لكل دولار، ليغطيها عبر ضخ أموال بالليرة اللبنانية.
وبحسب المعلومات، يعتبر نواب الحاكم أن تلك الآلية تحمل في طياتها شبهات فساد، واستفادة غير مشروعة لجهات نافذة تتداول بكميات نقدية كبيرة عبر تلك المنصة، الأمر الذي دفع النائب الثالث سليم شاهين للعمل على إنشاء منصة بديلة بالشراكة مع “بلومبيرغ” تراعي معايير الشفافية، وبإمكان تلك المنصة أن تحدد سعر صرف الليرة اللبنانية في السوق بعد التخلي عن السعر الرسمي المحدد بـ 15 ألف ليرة للدولار، إلا أنه وعلى رغم حماستهم لإطلاقها يطالبون المجلس النيابي بتشريعها عبر قانون خاص.
توقيع “بتحفظ”
إلا أن مصادر مقربة من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، تتخوف من أن يؤدي التخلي عن “صيرفة” إلى انفلات لسعر صرف الدولار بعد أشهر على استقراره، معتبرة أن نجاح المنصة في ضبط تفلت الليرة استغرق حوالى العامين، وذلك لحين استقرارها في السوق وقبول البنوك التعامل بشروطها، مشيرة إلى أن استبدال المنصة بأخرى قد يتطلب وقتاً إضافة إلى إمكانية رفض المصارف التداول عبرها.
ووجهت انتقادات لنواب الحاكم الذين أظهروا عن ضعف وخوف، إذ “اعتادوا كما السياسيين على الاعتماد على قرارات سلامة الذي تحمل وحده إدارة القرارات المالية والنقدية طيلة مرحلة الانهيار في ظل تخلي الحكومة ومجلس النواب عن دورهم”، لافتة إلى أنهم وقعوا على جميع التعاميم الصادرة عن المجلس المركزي مع وضع إشارة “بتحفظ” بهدف الهروب من تحمل أي مسؤولية.
ويعبر نواب الحاكم في لقاءاتهم مع السياسيين، عن استيائهم من قرارات سلامة الذي يعمل خلافاً لرأي المجلس المركزي لا سيما في منصة صيرفة، وسياسة الدعم الذي كان يذهب إلى التهريب والتزوير، إضافة إلى الصرف من الاحتياطي.
تهديدات “مبطنة”
وترجح المصادر نفسها رفض قبول سلامة أي صيغة لتمديد ولايته في المرحلة المقبلة، مشيرة إلى أنه سبق أن أعلن وأبلغ جميع المعنيين رفضه التمديد يوماً واحداً بعد نهاية ولايته، مؤكدة أنه خلال الأشهر الماضية سلم نائبه الأول وسيم منصوري جميع المستندات المطلوبة، كاشفة أن سلامة أخطر البنك الفيدرالي الأميركي والبنوك المراسلة الأميركية والأوروبية بانتقال صلاحياته إلى نائبه الأول وقد تم تزويدهم بصورة مطابقة لتوقيعه الرسمي.
وتلفت إلى أن مع نهاية ولاية سلامة تحرره من القيود والسرية التي يفرضها عليه القانون، وبالتالي بإمكانه الكشف عن كثير من الأسرار والظروف التي دفعته لاتخاذ قرارات يعتبرها البعض غير صائبة، لا سيما قضية “الدعم” التي بددت حوالى 20 مليار دولار من الاحتياطات النقدية.
استطلاع قضائي
وفي وقت سابق اجتمع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع نواب الحاكم للتباحث في مرحلة ما بعد سلامة، ونقاش الخطة التي يقترحونها، وقد أعلن ميقاتي أن تلك الخطة مطابقة لخطة الحكومة ولكن المشكلة في استحالة تطبيقها خلال الوقت المتبقي من ولاية سلامة، ما يستدعي وضع خطة طوارئ للحفاظ على الاستقرار النقدي وتأمين صرف الرواتب وفقاً لسعر منصة صيرفة.
وكشف أنه من المرتقب أن يحسم نواب الحاكم قرار استقالتهم خلال أيام، بعدما طلبوا ضمانات من الحكومة بتوفير الغطاء القانوني لهم، يسمح لهم بإقراض الحكومة من مصرف لبنان في سبيل التمكّن من الإنفاق الضروري، والتدخل في السوق لاستقرار سعر الصرف، الأمر الذي دفع ميقاتي لعرضه أمام مجلس الوزراء والاتفاق على استطلاع رأي الجهات القضائية المختصة ليصار في ضوئه الاجتماع مجدداً مع نواب الحاكم لتقييم الوضع، بما يسمح بتمرير المرحلة ولا سيما أنّه من واجب الحكومة تأمين استمرار سير المرفق العام.
ورجحت مصادر في مجلس الوزراء أن يقدم نواب الحاكم الأربعة على الاستقالة، بعد مهلة يومين أو ثلاثة، على أن يتم تكليفهم بتصريف الأعمال، وذلك كمخرج يرضي الطرفين، إذ يؤمن استمرارية المرفق العام من ناحية، ويخفف المسؤولية التي يتخوف منها نواب الحاكم من ناحية أخرى.