فتحت اهدن، عروس المصايف في القسم الشمالي من لبنان، قلبها وأبوابها وفنادقها وبيوت الضيافة فيها للزوار والسياح، وللمصطافين وغالبيتهم من زغرتا الساحلية التي تشكل بلدية واحدة مع اهدن الجبلية، وهؤلاء يقصدون منازلهم تزامنا مع نهاية السنة الدراسية، ويستهلون الموسم بالكلام عن حملات تنظيف للبيوت التي تقفل في فصول الخريف والشتاء والربيع.
كذلك بدأ الزوار يقصدون اهدن من بيروت والمناطق، ويتحلقون حول ساحة «الميدان» الشهيرة التي تضم عددا من المقاهي، حيث رفعت الشاشات العملاقة لتمكين روادها من متابعة مباريات بطولة الأمم الأوروبية التي تستضيفها المانيا.
وبين المقاهي، واحد يفتح أبوابه في فصل الشتاء، ويعرف العاملون فيه المقيمين في البلدة على مدار الفصول الأربعة، وفي طليعتهم لاعب نادي السلام زغرتا ومنتخب لبنان في كرة القدم سابقا انطونيو معوض الشهير باسم «ابو علي»، والذي لم ينم خارج اهدن ولو ليلة واحدة منذ 26 سنة بالتمام والكمال. يكتب «أبو علي» الشعر والروايات، من دون أن يهتم بتوزيعها، ويستمر في مزاولة كرة القدم رغم تخطيه العقد الخامس.
وتحدثت إحدى مالكات بيت للضيافة، يعود تأسيسه إلى أكثر من 200 سنة، لـ«الأنباء» قائلة: «الأوضاع هادئة حاليا بعيدا عن الصخب المتوقع اعتبارا من الأسبوع المقبل، بإطلاق عيد الموسيقى، وصدح الموسيقى من الميدان وأمكنة أخرى. يقتصر الضجيج حاليا على أصوات رواد المقاهي، وتباعا يتبدل وجه الحياة في اهدن التي لا تعود تعرف النوم بعد فترة وجيزة».
تدير السيدة بيتا للضيافة سمته «كرز»، ومجهزا لكل الفصول عدا «شلهوبات» الحر الشديد، إذ لا أجهزة تبريد في البيت التراثي. إلا أن الغرف مجهزة بتدفئة مركزية، وتشهد حركة لا بأس بها في بقية الفصول خصوصا في عطلة نهاية الأسبوع في فصل الشتاء، فيما الحجوزات شبه كاملة لفصل الصيف.
في الأسبوع السياحي الأول عمليا غصت مقاهي الميدان بسواح أجانب أصروا على الجلوس في تلك التي تعتمد المطبخ العربي. ورددوا الكثير عن النهوض في ساحات الصباح الأولى للسير في محمية حرج اهدن الطبيعية على المدخل الرئيسي للبلدة لجهة الطريق السريع الذي يربطها بقرى أقضية زغرتا وبشري والكورة.
لم تتبدل شوارع البلدة عما كانت عليه منذ أعوام كثيرة، ولم تختلف على قاصديها الذين غابوا عنها أعواما عدة بسبب جائحة كورونا وأمور أخرى: أزقة ضيقة، ومسار للسير في اتجاه واحد تفاديا للازدحام في طرق داخلية بالكاد تتسع لمرور سيارتين، فيما يركن الأهالي سياراتهم على جانبيها، والبعض يجلسون على شرفات منازلهم التي تقع عمليا في حرم الطرقات الاسفلتية شأن غالبية القرى اللبنانية.
في اهدن أنشطة كبرى على مدار فصل الصيف، بينها مهرجانات تحمل اسمها وتشهد إقبالا منقطع النظير من كل المناطق، وبين الفنانات الحاضرات في القسم الثاني من يوليو المقبل، «مطربة الجيل» ميادة الحناوي.
كما تشهد ساحة الميدان معرضا للكتاب، أقرب إلى «بازار» تعرض فيه كتب مستعملة بعضها نادر، للبيع أو المبادلة.
ولاهدن البعيدة في شمال لبنان طابعها الخاص الذي يستقطب الزوار والمصطافين، وهي تبقى واحدة من الجواهر السياحية في لبنان، بتنوعها الطبيعي والتاريخي، وما توفره من تجارب مميزة لزوارها.
من جبالها الشامخة وأوديتها الخضراء إلى تراثها الثقافي العريق ومطبخها اللذيذ المرتكز على «الكبة الزغرتاوية» و«سحلب الميدان»، تبقى إهدن وجهة لا تنسى. ومع الاهتمام بتعزيز الخدمات المقدمة، فإن السياحة في إهدن تبدو واعدة لهذا الصيف، مما يعزز مكانتها كواحدة من أبرز المحطات السياحية في لبنان والمنطقة.