استبقت الخارجية الفرنسية وصول الموفد الرئاسي جان ايف لودريان الى بيروت امس، ببيان متحفظ حددت فيه مهمته بـ«تحضير الظروف» المؤاتية لبروز حل توافقي لانتخاب رئيس للجمهورية، وهي خطوة اساسية في اعادة تنشيط المؤسسات السياسية التي يحتاجها لبنان، بشكل عاجل، للدخول في طريق الانتعاش.
ومعنى ذلك، عمليا، التراجع عن الحوار الذي يطالب به «الثنائي الشيعي» وفريق «الممانعة»، والالتزام بحدود بيان «اللقاء الخماسي» الذي انعقد في الدوحة، وبالتالي طي صفحة «المبادرة الفرنسية» الاحادية القديمة القائمة على ركيزة تبني مرشح «الثنائي»، ومن وراء «الثنائي»، من دول اقليمية او مجموعات مالية سليمان فرنجية، والتقدم نحو اسم ثالث لا يكون نتاج اي من الممانعة او المعارضة.
وفي السياق، أعلن النائب هاني قبيسي عضو كتلة «التنمية والتحرير» التي يرأسها رئيس المجلس النيابي نبيه بري أمس، عدم قبول فريقه بالقرارات الصادرة «لا عن الخماسي ولا عن السداسي»، وقال: «لن نقبل بفرض رئيس علينا».
ويتوقع صدور موقف إسلامي سني جامع عن لقاء النواب السنة، ضمن اطار العشاء التكريمي الذي يقيمه السفير السعودي في بيروت وليد بخاري على شرف مفتي لبنان الشيخ عبد اللطيف دريان، في الثامنة والنصف من مساء اليوم الأربعاء، بحضور 22 نائبا من اصل 27 على الأقل. وعلمت «الأنباء» ان الدعوات لم توجه للنواب المرتبطين انتخابيا بفريق «الممانعة».
في هذا الوقت بدأ العد التنازلي لخروج حاكم المصرف المركزي رياض سلامة من الحاكمية التي يشغلها منذ ثلاثة عقود في الحادي والثلاثين من يوليو الجاري، في حين استمهل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي نواب الحاكم الأربعة وهم: وسيم منصوري، بشير يقظان، سليم شاهين والكسندر مراديان، مدة 48 ساعة لدراسة متطلباتهم، قبل حسم موقفهم من الاستقالة التي هددوا بها، عدا أحدهم النائب الثالث سليم شاهين الذي أبلغ «الأنباء»، أمس، انه شخصيا لن يستقيل، أما زملاؤه الثلاثة فقرارهم عند مرجعياتهم السياسية. وكان شاهين التقى مفتي لبنان الشيخ عبد اللطيف دريان واطلعه على الحلول المطروحة. ويطالب نواب الحاكم بخطة نقدية مالية تقوم على إعادة النظر بمشروع الموازنة وإقرار قوانين الكابيتال كونترول وإعادة هيكلة المصارف ومعالجة الفجوة المالية وحماية الودائع، إضافة إلى التعاون بين مصرف لبنان والبرلمان والحكومة في ضبط سوق الدولار. جواب ميقاتي سيبلغ الى انواب الحاكم اليوم، خلال الاجتماع الثاني بين الجانبين، وقد نقلوا عن الرئيس ميقاتي اعتباره مطلبهم محقا، وبأن ما يقترحونه وارد في خطة الحكومة للنهوض الاقتصادي.
وكان ميقاتي زار بري، ظهر أمس في عين التينة، وعرض معه ملف المصرف المركزي المعقد، فما كان من بري الذي يعارض تسلم النائب الأول للحاكم وسام منصوري مهام الحاكمية، إلا أن دعا ميقاتي الى عقد جلسة لمجلس الوزراء وتعيين حاكم جديد، كحل امثل.
في غضون ذلك، قرر قاضي الأمور المستعجلة في بيروت إلزام وزير المال يوسف خليل تنفيذ قرار مجلس شورى الدولة، بدعوى رئيس حزب «الكتائب»، سامي الجميل، المطالب بفك حجز وزير المال لتقرير «الفاريز اند مارشال» حول التدقيق الجنائي بحسابات مصرف لبنان.
وهكذا بات وزير المال المدعوم من الرئيس بري أمام اختبار تنفيذ هذا القرار القضائي الحاسم؟ فهو ان نفذ القرار القضائي يمكن ان يحرق أسماء كبيرة متورطة في التلاعب والفساد، وان لم يفعل يصبح مستقبله السياسي على المحك.
ويبدو ان نواب الحاكم يتجهون الى التخلي منصة «صيرفة»، خلافا لرؤيته، ومن هنا التراجع الكبير في عمل المنصة، خلال الأيام القليلة الماضية، وابلغ بعض المصارف زبائنهم بأن مصرف لبنان توقف عن استقبال الطلبات في «صيرفة»، ويحاول الحاكم، المقترب من نهاية الولاية، اقناع نوابه بعدم التفكير بالتحول الى المنصات الدولية مثل «بلومبيرغ» و«روجرز».