وما يغيب عن العالم، أو يغيِّبه العالم، يحضر بقوةٍ في لبنان من قِبَل معظم الأطياف اللبنانية ولا سيما منهم أبناء الموحِّدين الدروز الذين يربطهم بأبناء السويداء أكثر من الرابط المذهبي، بل هناك روابط عائلية ومصاهرات، والأهم من كل ذلك روابط تاريخية تجلّت أكثر مما تجلّت منذ أيام سلطان باشا الأطرش.
لعل أبرز المتابعين في لبنان لِما يجري في السويداء، هو الحزب التقدمي الاشتراكي، فمن باب الرد على وصف أبناء السويداء بالمرتزقة، شنَّ هجوماً عنيفاً على «المُسمّاة مستشارة النظام السوري» لونا الشبل التي وصفت أهلها وأبناء شعبها «بالمرتزقة».
استهدف الاشتراكي «المستشارة» ليصل إلى «نظامٍ هجّر وقتل شعبَه ودمّر بلاده، إلا أنه يؤكّد طبيعة هذا النظام المجرم، وهي حقيقةٌ يدركها الشعب السوري الذي لا بد أن تنتصر إرادته مهما طال الزمن».
بهذا الموقف الشديد اللهجة، الذي صوّبت فيه المختارة مباشرةً على رأس النظام، يظهر جلياً، أن الزعيم الدرزي الأول في لبنان والعالم العربي، وليد جنبلاط، قرّر الانخراط السياسي والاعلامي مباشرة في «معركة السويداء»، ومن هذا الباب يؤكد جنبلاط، بما لا يقبل الشك، أنه ما زال ينتظر على ضفة النهر، مرور الجثة، كما قال يوماً. الوجدان الدرزي في لبنان مع أبناء السويداء قلباً وقالباً، وهو يعتبر أن المعركة معركته، ولو كان في السياسة والإعلام فقط، من دون اللجوء إلى وسيلة ثالثة، فبالنسبة إليه، أبناء محافظة السويداء، مشهودٌ لهم في المواجهة، وما أثار حفيظة القيادة الاشتراكية في لبنان، ان إعلام النظام السوري ومَن يدور في فلكه، وجّه تهمة «العمالة والخيانة» إلى الذين يقومون بالحراك في السويداء.
ما يُقلق النظام السوري في أحداث السويداء، الموقف الموحّد لأبنائها، سواء من المدنيين أو من رجال الدين، وتوِّجت هذه المواقف بما أعلنه شيخ عقل الطائفة الشيخ حكمت الهجري. ولمن يعتقد بأنّ المطالب محض معيشية، فإنّ ما أعلنته بعض المنتديات والمنصات، يثبت أنّ الأهداف سياسية بامتياز، ولو تمّ في المرحلة الاولى التركيز على الشعارات المعيشية، ومن الأهداف الموضوعة، تطبيق قرار الأمم المتحدة الرقم 2254 الذي ينص على الانتقال السياسي في سوريا من خلال هيئة حكم انتقالية، كما ينص القرار على دعم عملية سياسية بقيادةٍ سورية تيسرها الأمم المتحدة .
مؤشرات عدم استقرار الوضع السوري تُرجِمَت في تأجيل اطلاق الدوري السوري لكرة القدم الذي كان مقرراً الأسبوع الفائت، والإرجاء جاء بسبب الخشية من تجمعات تتحول إلى تظاهرات. اليوم هو الثاني من الأسبوع الثاني على انتفاضة السويداء المفتوحة على كل الاحتمالات، فهل تتصاعد؟ وهل يقمعها النظام بالقوة؟ ما هي كلفة تمددها؟ ما هي كلفة إخمادها؟ كأن سوريا في آذار 2011.