علّقت صحيفة “نيويورك تايمز” على عودة سوريا إلى الجامعة العربية، بأن الظروف التي قادت لتعليق عضويتها لا تزال قائمة.
وأشارت فيفيان يي، في تقرير لها، إلى أن قرار وزراء الخارجية العرب، يوم الأحد، بعودة سوريا إلى المشاركة في اجتماعات ومؤتمر الجامعة في هذا الشهر، وربما مشاركة رأس النظام بشار الاسد، خطوة مهمة لنهاية النبذ الدولي، الذي عاشه البلد منذ 12 عاماً.
فعندما قرر جيران وزملاء سوريا تعليق عضويتها في المؤسسة، التي تضم 22 دولة، في تشرين الثاني/نوفمبر 2011، وبعد أشهر من اندلاع انتفاضة الربيع العربي، جرى النظر للخطوة على أنها شجب للحكومة التي قصفت واستخدمت الغاز وعذّبت المحتجين وغيرهم، في النزاع الذي تحور إلى حرب أهلية. والآن، فقد طبعت المنطقة علاقاتها معه، حيث اقتنعت الدول العربية أنها لم تكسب الكثير من عزل سوريا، وبناء على طلب أمريكي.
فرفضُ التعامل مع سوريا هو إنكار للواقع، وهو أن الحكومة كسبت الحرب تقريباً، وهو ما يقدمه دعاة التطبيع. ما يفتح الباب لعودة منتصرة لسوريا في مؤتمر القمة العربية، هذا الشهر، في الرياض، وربما بقيادة الأسد، الزعيم السوري المتهم بارتكاب جرائم حرب ضد شعبه.
وربما أدى تأهيل سوريا إلى فتح المجال أمام مشاريع إعادة الإعمار بمليارات الدولارات والاستثمارات الأخرى دعماً للاقتصاد المترنح بشكل يدعم الأسد.
وتضيف الصحيفة أن الظروف التي قادت لتعليق عضوية سوريا لم تتغير، وإذا كان هناك من جديد فقد زاد العنف أثناء الحرب الأهلية التي استمرت 12 عاماً واستنفدت البلاد، بشكل ترك الأسد في السلطة، لكنه كان منبوذاً في كل مكان.
ومات مئات الآلاف من السوريين منذ اندلاع القتال، وهُجّر ونزح أكثر من 14 مليون البلاد إلى أجزاء أخرى من سوريا ودول الجوار والدول الأوروبية، حسب تقديرات الأمم المتحدة.
وقالت ليلى الكيك، مديرة حملة سوريا، المنظمة غير الربحية التي تقدم الدعم لمنظمات المجتمع المدني في سوريا “اليوم، قررت الدول العربية وضع مصالحها الذاتية من الواقعية السياسية وأجندتها الدبلوماسية وقدمتها على أبسط الحاجيات الإنسانية”. وأضافت أنه “باختيار إعادة عضو النظام السوري إلى الجامعة العربية، فقد خانت الدول الأعضاء عشرات الآلاف من ضحايا النظام، ومنحت الأسد الضوء الأخضر لارتكاب الجرائم الفظيعة من دون خوف من العقاب”. لم يترك الاشمئزاز من تصرفات الأسد، إلى جانب الضغوط من الولايات المتحدة، مجالاً للدول العربية للتواصل مع النظام على مدى عقد. وقد دعم عدد قليل من الدول المعارضة التي كانت تقاتل للإطاحة بنظام الأسد، وهناك عدد من الدول العربية تمقت الترحيب به مرة أخرى.
إلا أن الحسابات الإقليمية قد تغيّرت، فمع استعادة النظام السوري معظم مناطق البلاد من قوى المعارضة، كان من الواضح أن الأسد موجود ليبقى. وكانت الدول الجارة لسوريا، مثل لبنان والأردن راغبة بالعمل مع سوريا لإعادة اللاجئين الذين فروا من الحرب، فيما رغبت أخرى بالتعاون في جهود وقف التجارة غير المشروعة في مجال الكبتاغون، المنشط الذي يؤدي للإدمان، الذي ينتجه النظام السوري لتخفيف حدة العقوبات التي فرضت عليه وضربت الاقتصاد.
وكانت السعودية والإمارات تتطلعان لنهج جديد مع إيران التي تمارس تأثيراً على سوريا، بعدما أرسلت مقاتلين ومساعدات أخرى لنظام الأسد وساعدته على التشبث بالسلطة.
وأدت عزلة سوريا إلى وقوعها في أحضان إيران أكثر، لكن الملكيات في الخليج تأمل بعد إعادة مقعد سوريا أن تبعد الأسد بعيداً عن طهران. وكانت أول إشارة أن الأمور تتجه لهذا المسار، عندما طبعت الإمارات علاقاتها مع دمشق، عام 2018، ولكن الحركة البطيئة لإعادة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع الأسد زاد زخمها في الأشهر الأخيرة، وذلك بعد زلزال ضرب سوريا وتركيا، في شباط/فبراير، ما فتح الباب أمام الدول العربية لكي تتواصل مع نظام الأسد. وبدأت بعد ذلك طائرات محملة بالمواد الإغاثية تصل إلى سوريا، وأرسلت مصر وزير خارجيتها للقاء الأسد، وأعادت تونس في منتصف نيسان/ أبريل علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق. ثم رحبت السعودية بوزير خارجية النظام السوري في جدة للتباحث في استئناف العلاقات الدبلوماسية. وتحركت السعودية بسرعة لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، وبعد سنوات من القطيعة الدبلوماسية. وبدت وكأنها اللاعب الرئيسي في جهود إعادة تأهيل الأسد، والتطبيع مع نظامه، قبل القمة العربية التي ستعقد في جدة بـ 14 أيار/مايو، مع أن عمان والإمارات العربية المتحدة كانتا تدعوان لنفس الشيء ومنذ سنوات.
وجاء التدافع العربي للترحيب بالأسد، رغم الرفض الأمريكي، حيث فرضت الولايات المتحدة عقوبات على نظام الأسد، وتأمل بعزله ومحاسبته على الوحشية التي مارسها ضد المتظاهرين. ولكن جهود الولايات المتحدة للإطاحة بالأسد واستبداله بنظام ديمقراطي لم تحقق نتائجها، ما ترك الولايات المتحدة متفرجة على الجهود العربية. وعبّر وزير الخارجية الأمريكي، في تغريدة، يوم الجمعة، وقبل قرار الجامعة العربية، عن استمرار الموقف الأمريكي ومعارضة التطبيع مع نظام الأسد، وأن الانتقال السياسي الذي سيحل محل الأسد، والانتخابات، يمكن أن تكون الحل الوحيد لوقف النزاع.
ولأن الولايات المتحدة لم تكن قادرة على وقف التدافع العربي، فقد حث المسؤولون الأمريكيون الدول العربية الحصول على مقابل من الأسد مثل ضمان عودة اللاجئين، ووقف تجارة كبتاغون، أو تخفيف الوجود الإيراني في سوريا.
وقال مساعد الأمين العام للجامعة العربية، حسام زكي، يوم الأحد، إن الجامعة شكلت لجنة لمناقشة هذه الظروف. لكن العضوية الجديدة كانت صفقة متفق عليها على الأقل. وقال المحلل السياسي في دمشق بسام عبدالله: “كان قرار تعليق عضوية سوريا في الجامعة غير مفيد للعرب”. وقال إن جهود أمريكا لإخراج الأسد من السلطة فشلت، و”على النخبة السياسية الأمريكية التخلي عن عقلية تغيير النظام”.
ولم تُعِد دولٌ أعضاء في الجامعة العربية علاقاتها بشكل رسمي علاقاتها مع النظام السوري، ووضعت شروطاً على اسئناف العلاقات، وتضم هذه مصر.
لكن عودة سوريا إلى الجامعة العربية تظل بياناً قوياً يفتح المجال أمام الدول الأعضاء لإعادة العلاقات. وقال الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط إن “الدول العربية التي سرعت للأمام بطريقتها، لن يكتمل التطبيع إلا عندما تأتي إلى هذه البناية”، إلى الجامعة العربية.