وتُقّدم الوثيقة المؤلفة من 80 صفحة، لمحة عامة عن سياسة برلين الخارجية، التي تحولت نحو إعطاء الأولوية للأمن أكثر من المصالح الاقتصادية منذ اندلاع الحرب، في الوقت الذي اعتبر مراقبون وتقارير غربية، أن الاستراتيجية جاءت في وقت تشعر فيه ألمانيا بأنها باتت أكثر عرضة للتهديدات العسكرية والاقتصادية والجيوسياسية الجديدة.

 وقال المستشار الألماني، أولاف شولتز خلال عرضه ووزراء في حكومته، لتلك الاستراتيجية، إنها “إسهام مهم لضمان أمن الألمان في ظل بيئة متغيرة(…) وألمانيا دولة قوية ويمكنها أن تعالج التحديات التي تواجهها”.

3 ركائز أساسية
بشكل عام، تركز الاستراتيجية الجديدة على 3 ركائز للأمن القومي الألماني، تشمل:

  • دفاع نشط: بما في ذلك الالتزام بالإنفاق العسكري المرتفع، ويشمل ذلك الوصول إلى الهدف الذي حدده حلف الناتو بأن ينفق أعضاؤه 2 بالمئة المائة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع، والتركيز على الردع.
  • المرونة: يستهدف ذلك قدرة ألمانيا وحلفائها على حماية قيمهم، والحد من التبعية الاقتصادية، وردع وهزيمة الهجمات الإلكترونية والدفاع عن ميثاق الأمم المتحدة وسيادة القانون.
  • الاستدامة: وهي ركيزة تشمل قضايا مثل تغير المناخ وأزمتي الطاقة والغذاء.

خطر روسيا.. وطموحات الصين

إنضموا الى قناتنا على يوتيوب

  • اعتبرتاستراتيجية الأمن القومي الألماني الجديدة، روسيا بأنها “الخطر الأكبر” على السلام في أوروبا والمحيط الأطلسي، حيث نصت أنه على برلين “أن تعمل مع المجتمع الدولي لمواجهة التهديدات الهجينة”.
  •  استنكرت الحكومة الألمانية في استراتيجيتها “أفعال الصين”، التي قالت إنها “تتعارض مع مصالحنا وقيمنا”.
  • قالت إنّ “الصين تحاول بطرق مختلفة إعادة تشكيل النظام الدولي القائم على القواعد، وتدّعي بشكل عدواني أكثر فأكثر السيادة الإقليمية وتتصرف باستمرار بشكل يتعارض مع مصالحنا وقيَمنا”.
  • تهدف الاستراتيجية أيضا إلى ضمان نهج أكثر تماسكا للأمن بين الوزارات الألمانية، على الرغم من أن الحكومة لم تتمكن من الاتفاق على إنشاء مجلس أمن قومي بسبب الخلافات داخل ائتلاف شولز.
  • بيد أن أحد التعهدات المحددة القليلة الواردة في الاستراتيجية يشير إلى “التأهب العسكري”.

الإنفاق الدفاعي

  • تتضمن الاستراتيجية تعهدا بأن تنفق ألمانيا 2 بالمئة من ناتجها الإجمالي، على الدفاع، على أن تكون البداية باستخدام صندوق خاص بقيمة 100 مليار يورو تم إنشاؤه العام الماضي.
  • قال وزير المالية الألماني، كريستيان ليندنر إن برلين تهدف إلى تحقيق هدف الإنفاق الدفاعي بنسبة 2 بالمئة اعتبارا من العام المقبل، بما يعني أن مشاورات الميزانية للسنوات حتى عام 2029 ستحتاج إلى مراجعة، وسيتم تأجيل بعض المشروعات، إذ ستكون الأولوية للمشروعات التي لها اعتبارات أمنية.
  • تشمل الإجراءات الأخرى في نظام الأمن القومي تقليل الاعتماد على الدول الأخرى لاستيراد السلع، وتحفيز الشركات على الاحتفاظ باحتياطيات استراتيجية بعد أن تسبب اعتماد ألمانيا المفرط على روسيا في أزمة طاقة العام الماضي.

دور ألماني بأوروبا

من جانبه، قال خبير العلاقات الدولية المقيم في برلين، عبد المسيح الشامي، في تصريحات لـ”سكاي نيوز عربية”، إن استراتيجية الأمن القومي في ألمانيا، تعتبر الأولى بالبلاد من بعد الحرب العالمية الثانية، حيث سعت الدولة لتحديد استراتيجيتها بعد التحول العميق في الدور الألماني منذ الحرب الأوكرانية.

وحدد “الشامي” دلالة إصدار تلك الاستراتيجية في عدد من النقاط، قائلًا إنها:

  • ألمانيا بهذه الاستراتيجية تنتقل من مرحلة الدفاع إلى حق الهجوم، وتحديد الأخطار التي تواجهها خارجياً والدفاع عن نفسها، وربما شن حروب بشكل مستقل بناء على الأولوية الألمانية.
  • الاستراتيجية بها عدّة نقاط مهمة، على رأسها تحديد الأعداء المباشرين حيث اعتبرت أن “روسيا والصين” هما أعداء، ويشكلون خطرا على الأمن القومي الألماني والأوروبي.
  • اللافت بتلك الاستراتيجية أنها تتحدث على أساس أمن قومي أوروبي وليس فقط ألماني، يعني تتعدى دور ألمانيا كدولة وتعطيها دورًا لحماية أوروبا، وهناك نصوص وتركز بكثير من النصوص على سياسة أوروبا ككل، وبالتالي تقدم نفسها كقائد للاتحاد الأوروبي.
  • اعتبار روسيا تشكل خطرًا حقيقياً على أمن أوروبا، وكذلك الصين، يعني فتح حدود المواجهة مع روسيا والصين بالفضاء والمحيط الآسيوي، حيث لم تقتصر على التهديدات أو الأزمة الأوكرانية، بل تتحدث عن “الدور العدائي” كما وصفته للصين في المحيط الهندي والمحيط الأطلسي على سبيل المثال.
  • هناك تركيز على قضية النظام الدولي القائم، الذي تستهدف الاستراتيجية الحفاظ عليه، ورفض أي تغيير بهذا النظام، وعدم التحول إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب، وهذا واضح من معنى نصوص الاستراتيجية.
  • الاستراتيجية بها تحول جذري بدور وسياسات ألمانيا، ولا شك أنها تؤسس لتغيرات وربما صدامات كبرى مع روسيا والصين.