رفضت روسيا، الاثنين، تمديد اتفاق يسمح بتصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، ما يثير مخاوف دول عدة تعاني من أزمات اقتصادية، حيث يخشى السكان ارتفاع أسعار المواد الغذائية المرتفعة أصلا.
الاتفاق الذي يسمح لأوكرانيا بتصدير الحبوب إلى الأسواق الدولية عبر البحر الأسود توسطت به الأمم المتحدة وتركيا، في يوليو 2022، وانتهى موعد العمل به، الاثنين، بعدما جرى تمديده آخر مرة لمدة شهرين، في مايو الماضي.
وتوالت ردود الفعل الدولية الرافضة للقرار الروسي باعتبار أنه “عمل غير إنساني”، بينما حذرت العديد من الدول موسكو من تبعات هذا الإجراء على الأمن الغذائي العالمي، وفقا لوكالة “رويترز”.
الشرق الأوسط ستتأثر سلبا
وقالت مديرة البرنامج العالمي للأمن الغذائي والمائي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، يتلين ويلش، لموقع “الحرة” إن القرار الروسي بإنهاء العمل باتفاقية الحبوب في ظل استمرار حرب أوكرانيا ستؤدي إلى أزمة غذاء عالمية حادة بسبب اضطرابات الإمدادات المعقدة وزيادة أسعار المدخلات الزراعية.
وأضافت أن دول الشرق الأوسط ستتأثر بشكل مباشر بهذا القرار بسبب اعتمادها الكبير على الواردات الغذائية، وتحديدا الحبوب وعلى رأسها القمح، من روسيا وأوكرانيا. علاوة على ذلك، تأتي أزمة الغذاء هذه في وقت لا تزال فيه العديد من الدول تعاني من الآثار المركبة لـ”كوفيد-19″ وما نتج عنها من صعوبات سياسية واقتصادية.
وأشارت ويلش إلى أن اتفاقية حبوب البحر الأسود، الموقعة في يوليو 2022، خففت من خلال السماح ببعض صادرات الحبوب من أوكرانيا بعضا من آثار الحرب على الأمن الغذائي، ولا سيما تخفيف الضغوط على أسواق الحبوب.
وتابعت أن المؤشرات الاقتصادية الحالية تُظهر أزمة مقلقة ومتفاقمة في حالة البلدان الفقيرة والهشة سياسيا ذات القطاعات الغذائية الضعيفة، ومنها على سبيل المثال، لبنان والسودان واليمن، حيث سيؤدي عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، ومحدودية الزراعة المحلية، والافتقار إلى احتياطيات موثوقة من الحبوب إلى تفاقم أزمة الغذاء الحالية في بعض البلدان.
الاعتماد على الحبوب الروسية-الأوكرانية
ووفقا لتقرير منظمة الأغذية والزراعة “فاو” التابعة للأمم المتحدة، الصادر في يونيو ٢٠٢٢، كانت أوكرانيا وروسيا من بين أكبر ثلاثة منتجين عالميين للقمح والذرة وبذور اللفت وبذور عباد الشمس وزيت عباد الشمس، وبالتالي فإن توفر كميات أقل من الحبوب والأسمدة بسبب الحرب أثر بشكل سلبي واضح على مناطق بعينها مثل أميركا اللاتينية وأفريقيا من خلال تضخم أسعار السلع الأساسية والتقلبات المالية.
وفي الفترة بين عامي 2016 و 2021، أنتجت أوكرانيا وروسيا أكثر من 50 في المئة من إمدادات العالم من بذور عباد الشمس، و 19 في المئة من الشعير في العالم، و 14 في المئة من القمح، و30 في المئة من صادرات القمح العالمية، مع اعتماد ما لا يقل عن 50 دولة على روسيا وأوكرانيا للحصول على 30 في المئة أو أكثر من إمدادات القمح، بحسب تقرير مجلة “ناشيونال جيوغرافيك”، في مارس ٢٠٢٢.
وتشير الأرقام المنشورة على موقع الأمم المتحدة إلى أن مصر تأتي في مقدمة دول الشرق الأوسط التي تعتمد على استيراد الحبوب من روسيا وأوكرانيا، بما يساوي 23 مليار دولار في الفترة بين عامي 2016 و2020، وتليها السعودية بمبلغ 17 مليار دولار في الفترة نفسها، وبعدها تركيا بحوالي 12.5 مليار دولار، ثم المغرب بمبلغ 8.7 مليار دولار، والإمارات بـ6.1 مليار دولار، والجزائر بمبلغ 5.5 مليار دولار في الفترة بين عامي 2016 و2017، ثم تونس والسودان والأردن واليمن وليبيا وفلسطين والكويت وقطر وعمان.
وتعتبر منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق تضررا من انهاء اتفاقية الحبوب، حيث أن العديد من دول المنطقة مدرجة ضمن البلدان الأكثر اعتمادا على السلع الغذائية الزراعية من أوكرانيا وروسيا، مثل تركيا ومصر والسودان وتونس والمغرب والسعودية، بحسب الأمم المتحدة.
وتشير تقارير أخرى إلى أن دولا مثل لبنان واليمن والأردن معرضة للخطر بشكل خاص، كما تسلط التقارير الضوء على أن الخطر يصل في بعض الحالات إلى مرحلة التهديدات الوجودية بالنسبة لبعض الدول، وعلى رأسها مصر، وفق تقرير لمعهد الشرق الأوسط للدراسات، صدر في يونيو 2022.
وأوضحت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، في مارس ٢٠٢٢، أنه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، زاد عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي بشكل كبير بعد “كوفيد-19″، حيث لم يحصل واحد من كل ثلاثة أشخاص في عام 2020 على الغذاء الكافي، بزيادة قدرها 10 ملايين شخص عن عام 2019.
وبالإضافة إلى التأثيرات السلبية لـ”كوفيد-19″ على الأمن الغذائي، حذرت “فاو”، في يونيو ٢٠٢٢، من مخاطر انعدام الأمن الغذائي لدول منطقة الشرق الأوسط، بسبب تفاقم الأوضاع وارتفاع سعر القمح والشعير بنسبة 31 في المئة، وزيت بذور اللفت وزيت عباد الشمس بأكثر من 60 في المئة.
وهذا السيناريو الأسوأ لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أوضح المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية أن اتفاقية الحبوب قد تجنبت حدوثه، حيث تلقت المنطقة كمية كبيرة من صادرات الحبوب بموجب هذه الصفقة، بنحو 42 في المئة من صادرات الحبوب الأوكرانية بين أغسطس وأكتوبر 2022، و 28 في المئة من صادراتها من الذرة للفترة نفسها، على سبيل المثال.
وذكر تقرير المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، في أكتوبر ٢٠٢٢، أنه رغم ذلك، كان مستوى الواردات من أوكرانيا في عام 2022 أقل بكثير من مستوى 2021 بالنسبة لحبوب القمح المهمة. ووفقا للأمم المتحدة، اعتبارا من يناير 2023، تم شحن 17.8 مليون طن من الحبوب من أوكرانيا، منها 46 في المئة ذرة و 28 في المئة قمح، إلى الصين وإسبانيا وتركيا وإيطاليا وهولندا كوجهات رئيسية.
وتشير الأمم المتحدة إلى إنه منذ توقيع اتفاقية الحبوب، تصدرت مصر قائمة الدول العربية المستوردة للحبوب، بحوالي 998 ألف طن من الذرة و418 ألف طن من القمح و131 ألف طن من حبوب الصويا و4.6 ألف طن من حبوب وزيت عباد الشمس.
واستورد لبنان 54 ألف طن من الذرة و34 ألف طن من القمح، وليبيا 111 ألف طن من الشعير و391 ألف طن ذرة و53 ألف طن قمح.
وتلقى المغرب 100 ألف طن وجبة عباد الشمس، و11 ألف طن بذور عباد الشمس. وحصلت تونس على 384 ألف طن ذرة و222 ألف طن قمح و99 ألف طن شعير، واليمن 259 ألف طن قمح.
واستملت السعودية 180 ألف طن من القمح و62 ألف طن من الذرة، والجزائر 212 ألف طن من القمح، ووصل العراق 38 ألف طن من الذرة، والأردن 5 آلاف طن من الشعير.
“الخطر الأكبر”
وأكدت مديرة البرنامج العالمي للأمن الغذائي والمائي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، يتلين ويلش، أن وقف اتفاقية الحبوب سيعيق بشدة التقدم نحو التخفيف من أزمة الغذاء في الشرق الأوسط، وتحديدا في اليمن ومصر وشمال أفريقيا.
وأضافت أنه في ضوء حرب روسيا مع أوكرانيا، يمثل نقص الغذاء بشكل متزايد مصدر قلق في اليمن، حيث تستورد ما يقرب من 40 في المئة من قمحها من روسيا وأوكرانيا، كما أدى استمرار الصراع إلى زيادة معاناة الإمدادات الغذائية الوطنية. وتابعت: “وبالتالي، فإن هذا سيؤثر على الوضع الإنساني المدمر بالفعل الذي يعيشه البلد الذي مزقته الحرب منذ عام 2014. بالإضافة إلى ذلك، فإن الارتفاع المتسارع في أسعار النفط يمثل أزمة أخرى يواجهها اليمن حيث يرفع أسعار السلع والنقل”. وأشارت إلى أنه حتى لو كان الطعام متاحا، لا يستطيع الناس تحمله، نظرا لصعوباتهم الاقتصادية المستمرة.
وأوضحت أن المنظمات الدولية ستعاني بشكل أكبر لمواصلة عملها وستضطر معظم برامج الغذاء إلى التوقف عن عملها أو تقديم خدمات أقل بسبب نقص الغذاء أو ارتفاع الأسعار.
وفي ما يتعلق بالوضع في مصر، قالت أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية بالقاهرة، أميرة عبدالسلام، لموقع “الحرة” إن انهاء اتفاقية الحبوب سيؤثر على أسعار القمح والذرة بالنسبة لمصر، الأمر الذي سيؤثر بلا شك على أسعار اللحوم المحلية.
وأضافت: “ولا شك في أن استمرار هذا الارتفاع سيؤثر سلبا على صافي العجز المالي، ناهيك عن توافر القمح للاستهلاك على المدى المتوسط والطويل، خاصة إذا استمر الصراع لفترة أطول”.
وقال الخبير الاقتصادي التونسي، رضا بالي، لموقع الحرة” إن من المتوقع أن يؤثر ارتفاع أسعار القمح بشدة على تونس من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، فضلا عن تضخم أسعار الغذاء، خاصة أنها تستورد ما يقرب من 70 في المئة من احتياجاتها من الحبوب من روسيا وأوكرانيا.
وأضاف أن المخاوف تتزايد بشأن استدامة أزمة الحبوب على المدى الطويل بسبب الأزمة الاقتصادية القاسية التي تواجهها البلاد.
وتابع أن النظام الغذائي التونسي أصبح هشا بالفعل ويعاني من أزمة واضحة.
وأشار إلى أنه في السنوات الأخيرة تكرر عدم تمكن الحكومة من دفع تكاليف شحنات القمح مع انتظار السفن لأسابيع أمام السواحل التونسية، وتم تسجيل نقص في المنتجات مثل الدقيق والسميد، وتلقي الحكومة باللوم على المضاربين والاختلالات الإدارية.
لكن “السؤال الحقيقي”، وفقا لبالي، “هو ما إذا كانت الحكومة التونسية ستتمكن من مواجهة العبء الاقتصادي لارتفاع الأسعار وعدم ضمان الإمدادات وإذا كانت الأزمة الحالية ستؤدي إلى تفاقم التوترات الاجتماعية القائمة بالفعل”.
وقال الخبير الاقتصادي المغربي، فؤاد الساري، لموقع “الحرة” إن إلغاء اتفاقية الحبوب سيؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وبالتالي زيادة التضخم، موضحا أن المغرب يواجه أزمة كبيرة بسبب الجفاف الذي يدمر القطاع الزراعي المحلي، وهو ما سيدفع المغاربة للتعبير عن غضبهم المتزايد من عجز الحكومة عن تحقيق الأمن الاقتصادي والنمو.
وأضاف أن القطاع الزراعي المغربي، وهو محرك اقتصادي رئيسي، يعتمد بشكل كبير على هطول الأمطار التي غالبا ما تكون محدودة، لذا يرى أن الجفاف وارتفاع تكلفة الواردات الغذائية يضيفان إلى التحديات التي يواجهها المغاربة، بعد أكثر من عامين من الاضطراب الاقتصادي الناجم عن الوباء.
وتابع أن الحكومة تحاول تخفيف بعض الضغوط الحالية من خلال دعم المزارعين والأسواق المحلية لإبقاء الأسعار منخفضة، ومع ذلك، فإن التحدي لا يزال مستمرا ويهدد التقدم الاقتصادي الذي حققه المغرب خلال العقد الماضي.