يبقى الوضع الميداني محتلا مكان الصدارة في كل ما يتصل بحياة اللبنانيين القلقين على المستقبل في ظل تراكم أزماتهم وغياب أي أفق للحلول المرتجاة. حالة اللبنانيين، الآن، كمن يجهد لبلوغ هدف ضائع، سواء بالنسبة لانتخاب رئيس للجمهورية أو حكومة تستطيع أن تقرر ما يجب، ولا يجدون أمامهم سوى حرب وخلافات لا تنتهي، وحراك دولي على أرض ملتهبة. موفدون دوليون يغادرون وآخرون يصلون لإجراء مفاوضات تلتقي مع مصالح دولهم، أما مصلحة لبنان فهي خاضعة لنقاش معقد لما لذلك من امتدادات عميقة.
غادر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لإدارة عمليات حفظ السلام جان بيار لاكروا لبنان ووصلت وزير الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، بعد زيارتها لمصر، على توقيت لقاء وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وقبله مع المسؤولين الإسرائيليين، وأمس الخميس حل في لبنان المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين.
كل لديه ما هو مكلف لتبليغه إلى المسؤولين اللبنانيين، أفكار لحلول، منها المشروطة ومنها المرفوضة ومنها ما هي قيد البحث، لكن في الخلاصة أن هذا الحراك الغربي الدولي يجتمع على فكرة إبعاد «حزب الله» إلى شمال نهر الليطاني يقابله اشتراط الحزب إنهاء الحرب قبل البحث في هذا الأمر.
الوضع في جنوب لبنان نار ودخان، ومهمة هوكشتاين، هذه المرة، لها وقع آخر تبعا لظروفها المستجدة، إذ من الطبيعي أن تكون هناك أفكار فرضها الميدان من غزة الى لبنان فالعراق وسورية واليمن.
رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عقد مع هوكشتاين امس، خلوة، اعقبها اجتماع موسع شارك فيه وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب، والقائمة بأعمال السفارة الأميركية في لبنان أماندا بيلز، والوفد الاميركي المرافق لهوكشتاين.
وفي خلال الاجتماع شدد الموفد الأميركي على «ضرورة العمل على تهدئة الوضع في جنوب لبنان، ولو لم يكن ممكنا التوصل الى اتفاق نهائي في الوقت الراهن». ودعا «إلى العمل على حل وسط مؤقت لعدم تطور الأمور نحو الأسوأ».
بدوره، رئيس الحكومة شدد «على أن الأولوية يجب أن تكون لوقف إطلاق النار في غزة ووقف الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان والخروقات المتكررة للسيادة اللبنانية». كذلك حثّ على ضرورة «إيجاد حل ديبلوماسي» ينهي التصعيد على جانبي الحدود بين لبنان وإسرائيل.
وقال الموفد الأميركي في تصريح بعد لقائه رئيس البرلمان نبيه بري «علينا أن نجد حلا ديبلوماسيا يسمح للمواطنين اللبنانيين بالعودة إلى منازلهم في جنوب لبنان»، ويمكّن كذلك الإسرائيليين «من العودة إلى منازلهم» في الشمال.
وأضاف هوكشتاين «نعيش في لحظة أزمة، حيث نود أن نرى حلا ديبلوماسيا، وأعتقد أن كلا الجانبين يفضلان الحل الديبلوماسي، ومن واجبنا التوصل إلى حل».
وضمن هذا السياق يمكن وضع ما قاله النائب مروان حمادة، في حديث الى «صوت كل لبنان»، إن زيارات هوكشتاين «هي زيارات تخديرية لتبريد الجبهة الجنوبية».
بموازاة هذه التطورات، يجمع اللبنانيون على رفض تطور الوضع الجنوبي إلى حرب شاملة، فيما قال رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، خلال مقابلة مع قناة «أو تي في»، مساء اول من أمس، بضرورة «تحييد لبنان عن الصراعات».
بدوره، دعا عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب غياث يزبك إلى تطبيق القرار 1701، وبقاء المنطقة الحدودية خالية من السلاح إلا من سلاح الجيش اللبناني، سائلا: «لماذا لا يريد حزب الله تطبيق القرار 1701 في حين أنه يسعى الى احترام قواعد الاشتباك، ولا يجاهر بأنه بحالة حرب مع إسرائيل كما أنه لا يريد الدخول بحرب موسعة؟».
وكتب رئيس حركة «النهج» النائب السابق حسن يعقوب على منصة «X»: «المبعوث هوكشتاين الذي ينتظره المسؤولون هو إسرائيلي الجنسية ويحمل مقترحات إسرائيلية، الذين سيلتقيهم لا يملكون أي قرار في مواضيع البحث والموقف الواضح المعلن من أصحاب القرار أنه لا تفاوض قبل وقف العدوان، اذن لماذا استقباله ولماذا وصمة العار في هذا التوقيت؟».
ووسط الاستنفار الأمني السائد، كشف أمس، أيضا، عن توقيف الأجهزة الأمنية المعنية، لبنانيا مشتبها في تعامله مع العدو، وقد نقلت صحيفة «الأخبار»، القريبة من «حزب الله»، أن (م. س. ح) يخضع للتحقيق لدى فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي منذ نحو أسبوعين، بعدما أوقفته عناصر من سرية حرس رئيس مجلس النواب الذين ارتابوا فيه أثناء تصويره شوارع محيطة بمقر الرئيس نبيه بري في عين التينة في بيروت، وعثر في حوزته على جهاز إلكتروني «شديد التطور»، وفي هاتفه عشرات الفيديوهات بما يشكل مسحا لكامل المنطقة.
ولدى استجوابه أمام حرس المجلس، قال الموقوف إنه يعمل لمصلحة شركة أميركية بموجب عقد رسمي. وبعد تسليمه لفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، أفاد المشتبه فيه بأنه يملك شركة اتصالات وتكنولوجيا تعمل مع شركة «غوغل». غير أن معلومات أمنية أفادت بأن الشركة التي يملكها الموقوف وقعت عقدا مع شركة أجنبية تقدم خدمات لمحرك «غوغل» لإجراء مسح للطرقات في مناطق مختلفة في لبنان، وتبين بعد البحث أن للشركة علاقات بإسرائيل.
ميدانيا، شن الطيران المعادي غارة على أطراف عيتا الشعب، واستهدفت 7 قذائف منطقة سردا وسقطت بين تلة حمامص والبساتين، سبقتها رشقة صاروخية من لبنان على مستعمرة المطلة حيث تصدت القبة الحديدية للبعض منهم في أجواء الوزاني، وسقطت قذيقة فوسفورية في وسط الخيام بالحي الشرقي.
في غضون ذلك، اقتحم أحد مودعي مصرف «فرنسبنك» في المشرفية (الضاحية الجنوبية) المصرف مطالبا بوديعة قريب له، وقد صب مادة البنزين على جسده مهددا بإحراق نفسه، ما استدعى تدخل عناصر من الجيش والقوى الأمنية.