وعليه فإن القلق كبير بأن تمر الأشهر السبعة المتبقية من عهد العماد جوزف عون، ولا تحصل انتخابات لرئاسة الجمهورية، فيصبح الفراغ معمماً على المواقع المسيحية الأولى، الرئاسة وحاكمية مصرف لبنان وقيادة الجيش. وهناك من يتخوف من قطبة مخفية وراء دفع الأمور إلى هذه النقطة، ويتحدث سياسيون في لبنان عن قرار إيراني بإطالة أمد الشغور الرئاسي بهدف تفريغ المؤسسات الدستورية، لوضع اليد من خلال “حزب الله” حليفه في لبنان، على المواقع الأساسية للدولة، خصوصاً تلك التي تعد مفصلية في المرحلة المقبلة وأبرزها حاكمية مصرف لبنان وقيادة الجيش.
ويقرأ كثيرون في ذلك تحضيراً لتغيير النظام في لبنان. وللمفارقة فإن “التيار الوطني الحر” المختلف مع “حزب الله” على اسم المرشح لرئاسة الجمهورية، والمتفق معه على كل النقاط الاستراتيجية، والممسك حالياً بوزارة الدفاع من خلال الوزير المحسوب عليه، يتناغم أيضاً مع الحزب في شأن مطلب تغيير النظام انطلاقاً من قناعته بأن “اتفاق الطائف” وضع المسيحيين في المرتبة الثالثة لجهة الصلاحيات المعطاة لرئيس الجمهورية الماروني.
فهل هذه الهواجس هي التي دفعت بقائد الجيش إلى التذكير منذ أيام، خلال حفل تقليد الضباط المترقين إلى رتبة عميد، بمضمون قانون الدفاع الذي ينص على انتقال مهمات قيادة الجيش إلى رئيس الأركان، في رسالة ضمنية بأن لا صلاحية لوزير الدفاع في هذا الموضوع، باستثناء تحريك التعيينات المتعلقة بالمراكز الشاغرة في المجلس العسكري وأهمها رئيس الأركان؟
الأسماء جاهزة ولكن…
يعاني المجلس العسكري منذ ستة أشهر من تعطيل وفقدان للنصاب القانوني، سببه إحالة ثلاثة أعضاء إلى التقاعد من أصل ستة، وهم رئيس الأركان (درزي)، والمدير العام للإدارة (شيعي)، والمفتش العام (أرثوذكسي)، ولأن المجلس العسكري أساسي وحيوي للمؤسسة العسكرية، فقد منحت حكومة تصريف الأعمال لقائد الجيش الذي يرأس المجلس العسكري، صلاحيات استثنائية لتسيير أمور الجيش.
وعلى رغم ذلك لم يتوقف العماد عون، المتوجس من احتمال الاستمرار في الشغور الرئاسي، عن التذكير بأهمية ملء الشغور في المجلس العسكري، وخصوصاً في رئاسة الأركان، حرصاً على انتظام عمل المؤسسة العسكرية، ولأن النص القانوني لا يشير إلى الجهة التي يمكن أن تتسلم مقاليد القيادة في غياب رئيس الأركان.
وتكشف مصادر عسكرية أن التعيينات لا تزال عالقة لدى وزير الدفاع، علماً أن الأسماء المقترحة من قيادة الجيش، ومن بينها العقيد حسان عودة لرئاسة الأركان، لم يعترض عليها أحد بحسب ما علمت “اندبندنت عربية”، ونال الاسم المقترح للمركز الشيعي موافقة “حزب الله”. لكن للمفارقة بقي موقف الحزب من التعيينات ملتبس، وأعلن الأمين العام للحزب حسن نصرالله في إحدى إطلالاته الأخيرة أن حكومة تصريف الأعمال لا يمكن أن تعيّن.
وبرزت شكوك حول الخلفيات التي تدفع وزير الدفاع المحسوب على “التيار الوطني الحر” إلى عدم تسهيل التعيينات، وهو لم يرضخ أخيراً إلى محاولة ربط ملف التعيينات بتمرير ملف الترقيات لضباط دورة العام 1994 العالق منذ سنوات طويلة، على اعتبار أن لا تلازم بين الموضوعين كما تقول مصادر مطلعة على موقفه.
وتتحدث أوساط سياسية أن وزير الدفاع يدفع في اتجاه تسليم قيادة الجيش، إذا حصل الشغور، إلى الضابط الأعلى رتبة في المجلس العسكري، استناداً إلى اجتهادات سابقة، ويبرز اسم اللواء بيار صعب المقرب من النائب جبران باسيل لتولي هذه المهمة. علماً أن مصادر عسكرية تؤكد أن هذه الاجتهادات لا نص قانوني لها وأن اللواء صعب تابع لوزارة الدفاع ولا يمكنه تسلم القيادة.
وزير الدفاع لا يتسلح إلا بالقانون
يرفض وزير الدفاع التعليق على الاتهامات المساقة ضده، وتوضح مصادر مطلعة على موقفه أن أحداً لم يفاتحه في شأن التعيينات في المجلس العسكري. وتستغرب المصادر إثارة الملف بعد مرور ستة أشهر على الشغور وقبل سبعة أشهر على انتهاء ولاية قائد الجيش، وتسأل المصادر لماذا فتح معركة الآن والمهلة لا تزال طويلة قبل مغادرة قائد الجيش، وقد يُنتخب رئيس للجمهورية قبل ذلك. وتضيف المصادر ما الذي تغير الآن خصوصاً أن الحكومة لا تزال حكومة تصريف أعمال، ولا يمكنها إجراء التعيينات، وإلا فلماذا لم تعين هذه الحكومة مديراً عاماً للأمن العام؟
والمعلوم أن وزير الدفاع يقاطع جلسات الحكومة انسجاماً مع موقف “التيار الوطني الحر” الرافض لعقد جلسات الضرورة وتحويل صلاحيات رئيس الجمهورية إلى رئيس الحكومة والوزراء، في ظل الشغور الرئاسي. وتؤكد المصادر المطلعة على موقفه أنه لا ينطلق بقراراته إلا من القانون، ولن ينفذ أي قرار إرضاءً للسياسة، وأكثر ما يستفزه هو اتهامه بتنفيذ سياسة فريق معين، فيما هو لا يرضخ إلا لنص القانون.
لا فراغ في الجيش
من جهة أخرى، يؤكد العميد المتقاعد، خليل الحلو أن “لا شيء اسمه فراغ في الجيش اللبناني”. ويوضح الحلو لـ”اندبندنت عربية” أن “قانون الدفاع الوطني يلحظ أنه في غياب قائد الجيش يتسلم مكانه رئيس الأركان”، ويشير في المقابل إلى قرار متخذ من قبل وزير الدفاع سابقاً، وهو “النظام العسكري العام في الجيش”، الذي يحدد كيفية توزيع الأمرة في المؤسسة العسكرية، بحيث يكون صاحب القرار دائماً الأعلى رتبة. ويضيف العميد الحلو “إن الاحتكام إلى النصوص يوجب عدم السماح بحصول فراغ في المؤسسة العسكرية”. ويعتبر الحلو أنه “في غياب رئيس الأركان، يمكن لأحد نوابه الأربعة أن يتسلم القيادة، وهم الأعلى رتبة بعد قائد الجيش ورئيس الأركان”.
بالتالي فإن ملء الفراغ بحسب الحلو ممكن عبر تكليف وزير الدفاع المهمة لنائب رئيس الأركان الأعلى رتبة، مشدداً على أن “القانون ينص على أن يكون الشخص المعيّن من الجيش وليس تابعاً لوزارة الدفاع، وفي المجلس العسكري باستثناء قائد الجيش ورئيس الأركان، الأعضاء الأربعة الآخرين يتبعون لوزارة الدفاع”. والنواب الأربعة لرئيس الأركان، والذين تمت مراعاة التوزيع الطائفي في تسميتهم، هم نائب الرئيس للعديد (سني)، ونائب الرئيس للعمليات (شيعي)، ونائب الرئيس للتخطيط (كاثوليكي)، ونائب رئيس للتجهيز (ماروني)، والأعلى رتبة بينهم هو حالياً نائب رئيس الأركان للتجهيز العميد زياد هيكل، لكن المشكلة تبقى أن تعيينه سيشكل مشكلة، لأنه استناداً إلى النظام العسكري العام، لن يمكنه أن يأمر أعضاء المجلس العسكري لأنهم أعلى رتبة منه.