وحرص الموفد الفرنسي على رسم الإطار العام لمهمته بقوله، بعد اجتماعه بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، إنه لا يحمل معه أي طرح، ويريد الاستماع إلى الجميع وسيعود لاحقاً إلى لبنان، وهذا ما دفع معظم قوى المعارضة التي تقاطعت مع «التيار الوطني الحر» على دعم ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور إلى الاعتقاد بأن صفحة ترشّح زعيم تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية قد طُويت، بذريعة أن لودريان لم يتطرق إلى المبادرة الفرنسية التي كانت رشّحت فرنجية كونه أسهل الطرق لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، رغم أن مثل هذا الاعتقاد ليس دقيقاً حتى الساعة.
لكن بقاء فرنجية في عداد المرشحين لم يمنع لودريان، في ردّه على الذين انتقدوا المبادرة الفرنسية وعدوها محاولة لفرض الرئيس على الآخرين، ومن بينهم النواب المنتمون إلى «قوى التغيير»، بقوله أمامهم إنه لم يحمل معه مبادرة ولا اسم أي مرشح.
انقسام البرلمان
وفي هذا السياق، تقول مصادر سياسية إن لودريان توقف أمام الفرز الذي انتهت إليه الجلسة النيابية الأخيرة بحصول أزعور على 59 صوتاً في مقابل 51 صوتاً لفرنجية و6 أصوات للوزير السابق زياد بارود، كان حاضراً بامتياز في اجتماعاته لجهة تأكيده أن الانقسام الحاصل بداخل البرلمان أظهر أنه ليس لدى أي فريق القدرة لإيصال مرشحه إلى رئاسة الجمهورية.
وتؤكد المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الفرز كان وراء إلحاح لودريان بسؤاله الذين التقاهم «ما العمل للتخلص من انسداد الأفق أمام انتخاب رئيس للجمهورية، ما دام أن المواقف ما زالت على حالها، وما دام أن أحداً لم يبدّل في خياراته الرئاسية؟». وتقول إنه لم يسألهم ما إذا كان لديهم خيار ثالث، وإن كان يهدف من وراء طرحه السؤال إلى استدراجهم للكشف عن البدائل، وهذا ما حصل من دون دخولهم في الأسماء، باستثناء ذكر عبد الرحمن البزري الدوافع التي أملت على زملائه في الكتلة ترشيح الوزير السابق زياد بارود.
وتلفت إلى أن لودريان أعد بإتقان، من خلال مهمته الاستطلاعية، الإطار العام لخريطة الطريق التي سيرفعها إلى ماكرون، الذي سيبادر من خلال فريقه المولج بالملف اللبناني إلى التواصل مع أعضاء اللجنة الخماسية من أجل لبنان بالتلازم مع انفتاحه على إيران لما لديها من تأثير على «حزب الله» الذي يتمسك وحليفه رئيس المجلس النيابي بترشيح فرنجية، في مقابل تمسك قوى المعارضة بتقاطعها مع «التيار الوطني» بدعم ترشيح أزعور.
وتقول إن عودة لودريان إلى بيروت، كما أبلغ الذين التقاهم، مرتبطة بما سيتوصل إليه مع أعضاء اللجنة الخماسية من جهة، ومع القيادة الإيرانية من جهة ثانية، ليكون في وسع ماكرون بأن يبني على الشيء مقتضاه لبلورة الأفكار التي سيحملها معه موفده إلى بيروت، وإن كان الشغور الرئاسي يدخل الآن في فترة مديدة يمكن أن تمتد إلى ما بعد سبتمبر (أيلول) المقبل، إلا إذا حصلت تطورات أدت إلى تقصير أمد الفراغ في رئاسة الجمهورية.
وتكشف المصادر نفسها أن لودريان وجّه طوال فترة إقامته في بيروت مجموعة من الرسائل أبرزها إلى البطريركية المارونية، ومن خلالها إلى الفاتيكان، بقوله إنه لا يحمل معه مبادرة، ما يعني أن باريس ليست في وارد فرض رئيس للجمهورية على اللبنانيين، ويعود للنواب انتخابه، وبذلك يكون قد حيّد المبادرة الفرنسية عن جدول لقاءاته رغبة منه بعدم الدخول في سجال لا يمت بصلة إلى مهمته الاستطلاعية.
أطراف متنازعة
وتضيف أنه كان صريحاً لأقصى الحدود بقوله للذين التقاهم إن لبنان ليس مدرجاً على خريطة الاهتمام الدولي، لأن معظم الدول المعنية باستقراره باتت على ثقة بعدم تدخلها لوجود صعوبة في التوفيق بين أطرافه المتنازعة التي ترفض الدخول في حوار جدي لوقف تدحرجه نحو الانهيار القاتل بانتخاب رئيس للجمهورية يعيد الانتظام لمؤسساته الدستورية، وأن باريس لن تتوانى عن مساعدتها لإخراجه من التأزّم.
وتؤكد أن لودريان صارح الجميع بأن عامل الوقت ضد مصلحة لبنان وأنه سيلحق الأذى به، وتنقل عنه قوله إنه يخشى أكثر من أي وقت مضى على مستقبله، ولا تنتظروا مَنْ يساعدكم إذا لم تساعدوا أنفسكم لوقف تشويه صورته لدى المجتمع الدولي، وإن أي طرف يراهن على قدرته في الصمود أمام هذا الوضع المأسوي سيكتشف أن صموده لن يدوم طويلاً.
وتوقفت المصادر المواكبة أمام تجدد الدعوات للحوار التي كانت مدار مكاشفة بين لودريان والذين التقاهم، وقالت إن هناك مجموعة لا تحبذ الحوار انطلاقاً من الجلسات الحوارية السابقة التي اتخذت جملة من القرارات لم تطبّق وبقيت حبراً على ورق بامتناع «حزب الله» عن تطبيقها، وترى أن المطلوب حالياً الالتزام بتطبيق الدستور في الإبقاء على الجلسات مفتوحة إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية بدلاً من أن يراد منه أن نبصم على انتخاب فرنجية رئيساً وأن الحوار يدور حول البحث في مرحلة ما بعد انتخابه.
وتقول إن هذا الموقف يعبّر عنه حزبا «القوات» و«الكتائب» وكتلة «التجدد» والنواب التغييريون الذين اقترعوا بغالبيتهم لأزعور كمرشح وسطي لقطع الطريق على فرنجية، إضافة إلى آخرين أيدوا بارود بالتوافق مع كتلة نواب صيدا-جزين التي أبلغت لودريان بلسان النائب عبد الرحمن البزري أنها ضد الاصطفاف السياسي وأن تأييدها لبارود كونه لا ينتمي للمنظومة السياسية.
وفي المقابل بحسب المصادر نفسها فإن كتلتي «اللقاء الديمقراطي» و«الاعتدال الوطني» وتكتل «لبنان القوي» برئاسة النائب جبران باسيل أجمعت على جدية الحوار بما يسمح بانتخاب رئيس من خارج الاصطفافات السياسية ولديه رؤية إصلاحية ولا يشكل تحدياً لأي فريق، فيما يؤيد الثنائي الشيعي الحوار بلا شروط ولا يريد التخلي مسبقاً عن فرنجية الذي لم يسمع من لودريان، كما تقول أوساطه، ما يوحي بتخلي باريس عن مبادرتها بخلاف خصومه الذين يتصرفون على أن صفحته الرئاسية قد طويت، فيما رأى النواب التغييريون أن لا مانع من الحوار بعد انتخاب الرئيس.
ويبقى السؤال: هل يمكن مع عودة لودريان إلى بيروت فتح الباب أمام البحث عن خيار ثالث من خارج المنافسة بين أزعور وفرنجية؟ خصوصاً أنه سجل تقدماً من خلال ما سمعه من غالبية الكتل النيابية التي التقاها، في ضوء سؤاله عن إمكانية تعويم الدعوة للحوار، في ظل إصرار بري على رفض الشروط المسبقة لانعقاده، تاركاً للنواب تحديد اسم المرشح للرئاسة؟ وما إذا كان يأتي قبل انتخاب الرئيس أو بعده.