فيما يستمرّ «طوفان الأقصى» بالانفلاش على ضفتيْ غزة التي «تُذبح بدم بارد» وتحوّلت مقابر مفتوحة، والأراضي الفلسطينية المحتلة التي لم تَسْتَعِدْ بعد تَوازُنها عقب العملية الكاسرة لكل التوازنات والخطوط الحمر التي أخرجت معها «حماس» إسرائيل عن طورها، تَعزّز الاقتناعُ في بيروت بأن لبنان، بات عالقاً «بين ناريْن»: التهديد الأميركي لإيران و«حزب الله» بـ «لا تجرّبونا»، وإعلان الحزب «حاملات طائراتكم لا تخيفنا».
وعلى وقع «ديبلوسية الطوارئ» التي وصلتْ عبر الهواتف الحمر زعماء دوليين وإقليميين بقادة عرب وخليجيين في الساعات الماضية، بالتوازي مع «ديبلوماسية الميدان» التي حملتْ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى اسرائيل لإعلان وقوف بلاده مع حليفتها وتأكيد «الدعم الكاسح لها، ونحن نحمي ظهركم»، ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان في جولةٍ على العراق وسورية ولبنان لتأكيد وقوف «محور المقاومة» مع «حماس»، بدت بيروت تحت تأثير عمليةِ «ترسيمٍ» تَجْري بمكبرات الصوت لـ «توازنِ ردعٍ» يُراد إرساؤه: من واشنطن لضمان عدم توسيع نطاق الحرب وانضمام حلفاء «حماس» الإقليميين لـ «نجدتها» بوجه حملةِ «سنمحوكم عن وجه الأرض» التي تمْضي بها إسرائيل في غزة، ومن طهران وأذرعها العسكرية لعدم كشْف «ظَهْر» الحركة، وإظهار «الجهوزية» لإسنادها بحال انتقلتْ تل أبيب إلى اجتياحٍ بري واسع سيعني توغّل الحرب في متاهاتٍ يمكن أن تخرج عن سيطرة الجميع.
ولم يكن عادياً، على وهج التقاطع الأميركي – الاسرائيلي على وسْم «حماس» بـ «داعش غزة»، أن تكمل واشنطن «مثلث» إزالة أي التباسٍ حول المغزى من وصول حاملة الطائرات «جيرالد فورد» إلى شرق البحر المتوسط بوصْفه «بطاقة صفراء» بوجه إيران و«حزب الله»، وفق ما عبّر بدايةً الرئيس جو بايدن، مروراً بمستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان بقوله «دعوني أكون واضحاً، لم نحرّك الحاملة لحماس بل لتوجيه رسالة ردْع واضحة إلى الدول الأخرى أو الجهات الفاعلة غير الحكومية التي قد تسعى لتوسيع نطاق هذه الحرب»، قبل أن يحذّر بلينكن أمس في مؤتمره الصحافي مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو «كل مَن يفكر في مهاجمة إسرائيل من دول والأطراف الأخرى، لا تفعلوا ذلك لأن أميركا تقف وراءها».
وإذا كان «حزب الله» ردّ بالموقف وفي الميدان على وصول حاملة الطائرات بتأكيد «هذا لن يخيف شعوب أمتنا ولا فصائل المقاومة المستعدة للمواجهة» بعدما كان سدّد ضربة موجعة لإسرائيل باستهداف موقع لجيشها بصواريخ موجهة رداً على مقتل 3 من عناصره، فإنّ تل أبيب انتقلتْ أمس، في مواجهتها «المضبوطة» حتى الساعة مع «محور المقاومة» إلى مرحلةٍ جديدة من الاشتباك في الشكل والمضمون، حيث عمدتْ إلى استهداف مطاريْ حلب ودمشق وتبنّت علناً قصفهما في ما بدا رداً على الصواريخ التي أطلقت من سورية في اتجاه الجولان المحتل، من دون أن يردع تل أبيب واقعُ أن طائرةَ عبداللهيان كانت تستعدّ للوصول إلى العاصمة السورية من بغداد، وسط تضارُب المعلومات حول هل غيّرتْ وجهتَها في ضوء هذا التطور وعادت إلى طهران أم لا.
وفي حين اتّجهت الأنظار إلى كيف سيردّ «محور الممانعة» على هذا الاستهداف الاسرائيلي الذي جاء مدجّجاً بالرسائل إلى دمشق وطهران، فإن بيروت استعدّت لوصول وزير الخارجية الإيراني إليها فجراً على أن يعقد اليوم، لقاءات مع كبار المسؤولين، على وقع رفْع تل أبيب سقف تهديداتها للبنان من مغبة أي انخراط لـ «حزب الله» في المعركة وفتْح جبهة الجنوب حيث هدّد رئيس حزب «أزرق أبيض» والمُعارِض الإسرائيلي بيني غانتس «سنزلزل لبنان إذا لزم الأمر».
وفيما نجحتْ إسرائيل تحت وطأة ما اعتبرته «خطراً وجودياً» في تشكيل حكومة طوارئ حربية لمواجهة «طوفان الأقصى»، فإن ذلك لم يُسْقِط حالَ الإرباك الكبير الذي ما زالت تتخبط فيه على الأرض حيث عمّ جبهتها الشمالية ليل الأربعاء ما يشبه «الهستيريا» مع «أخبار عاجلة» عن اختراق بالمسيَّرات وطائرات شراعية من جنوب لبنان استُتبع بإدخال أكثر من مليون إسرائيلي إلى الملاجئ استجابةً لِما قيل لاحقاً إنه «خطأ بشري» تَرافق مع تقارير عن «عملية نفسية» لـ «حزب الله» عززتْها تقارير نُسبت إلى إعلام إسرائيلي ولم يتم التأكد منها عن أن ما جرى الاشتباه به هو طيور بجع ربط «حزب الله» بأقدامها أضواء.
وعلى عكس تل أبيب، لم يرْقَ الأداء الرسمي في لبنان إلى مستوى اللحظة المفصلية البالغة الخطورة التي تقف البلاد على أعتابها، حيث بقيت حكومة تصريف الأعمال التي عقدت «اجتماعاً طارئاً» أمس، أي بتأخير 4 أيام على الأقل، على انقسامها على خلفية الأزمة الرئاسية التي جعلت وزراء «التيار الوطني الحر» يقاطعون جلساتها رفضاً لالتئامها في كنف الشغور الرئاسي، في حين كان الارتباك يلفّ كيفية صوغها موقفاً يراعي بين أمريْن:
– إبلاغ عواصم القرار التي تحدث قادتُها مع الرئيس نجيب ميقاتي سابقاً حرص لبنان على التمسك بالقرار 1701 الذي تعرّض للخرق «في وضح النهار» ومرّتين بـ «توقيع» حركتي «الجهاد الإسلامي» و”حماس»، وثلاثة من «حزب الله» واحدة تحت سقف مزارع شبعا المحتلة واثنتان خارجها وإن في سياق «ردّ التحية بمثلها» لإسرائيل على كسْر قواعد اشتباك كانت مكرّسة قبل «طوفان الأقصى».
– وملاقاة ما كان ميقاتي قال إنه «حرص أكدت عليه الدول الصديقة والشقيقة على بقاء لبنان في منأى عن تداعيات الوضع المتفجر في الأراضي الفلسطينية» وما أعلنه وزير الخارجية عبدالله بوحبيب عن «أننا لا نريد أن يدخل بلدنا الحرب»، من دون أن يبدو لبنان، الذي لا يملك أصلاً قرار الحرب والسلم، وكأنه يضيق هامش الخيارات أمام «حزب الله» الذي يتعاطى في مقاربته هذه اللحظة على أن كل الاحتمالات على الطاولة ويرفض إعطاء تطمينات لأحد.
ولم يكن عادياً أمس أن ينكشف أكثر الانقسامُ اللبناني حول الموقف من «حزب الله» في ضوء الخشية من اقتياد لبنان إلى «فم التنين»، وفق ما عبرّه عنه بيان لأكثر من 30 نائباً من أحزاب ومستقلّين في المعارضة، أكدوا «أن استخدام الأراضي اللبنانية وربطها بمصالح استراتيجية إيرانية مرفوض، وأي مغامرة يقوم بها حزب الله أو اي فصيل مسلح آخر، لبناني أو غير لبناني، بفتح جبهة الجنوب تحت شعار وحدة الساحات الذي يرفعه محور الممانعة بقيادة إيران مرفوضة رفضاً باتاً».
وأكد النواب «لا يمكن أن يتحكم حزب الله، أو أي من الفصائل الفلسطينية بقرار السلم والحرب في لبنان، وحدها الدولة اللبنانية بمؤسساتها الدستورية تملك الحق في هذا القرار السيادي وعلى رأس واجباتها أن تقوم بحماية لبنان فوراً من خلال اتخاذ الاجراءات اللازمة لتغطية وتمكين الجيش اللبناني ومعه قوات الطوارئ الدولية لاستكمال تطبيق القرار 1701 بشكل ناجز».
وشددوا على أن «لبنان كان ولا يزال من أكبر الداعمين لقضية الشعب الفلسطيني، ولطالما دفع الاثمان لأجلها. ولكن لا يعني ذلك أبداً القبول باستباحة قرار لبنان وسيادته كي يحقق محور الممانعة، الذي يتاجر بالقضية الفلسطينية من الأراضي العربية وبدماء الشباب العربي، مآربه في بسط نفوذه على المنطقة»، مؤكدين«على ضرورة تحصين الداخل عبر المسارعة الى انتخاب رئيس للجمهورية يجمع اللبنانيين حول مشروع الدولة، ويمنع زج لبنان في حروب من قبل قوى خارجة عن الشرعية».
ولفتوا الى أن «لا إمكان لسلام ولاستقرار مستدام في الشرق الاوسط من دون حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية، وعلى المجتمع الدولي التسليم بهذه الحقيقة، ووضع حد لتقاعسه، وفرْض تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة، ووقف مسلسل العنف والظلم التي لطالما مارسته اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، والذي يتأجج اليوم ويطول المدنيين الابرياء»، معلنين أن «إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة وفق حل الدولتين، ومبدأ الأرض مقابل السلام، واعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة بالعيش والأمن والكرامة، هو المدخل الوحيد للاستقرار ولانتصار الاعتدال على التطرف والسلام والتطور على العنف والدم».
في موازاة ذلك، بدأت الحرب بين حماس واسرائيل ترخي بثقلها على الواقع اللبناني وسط خشيةٍ من ارتداداتها الأمنية والاقتصادية.
وفي حين يشهد مطار رفيق الحريري الدولي حركة مغادرةٍ غير اعتيادية في هذا الوقت من السنة تم ربْطُها بخروجِ أجانب أو لبنانيين يحملون جنسيات أخرى بناء على نصائح سفر لسفارات غربية تم تحديثها على قاعدة التحذير من «الوضع غير قابل للتنبؤ» أو «عدم التوجه الى لبنان الا للضرورة، ومحاذرة التوجه الى مناطق جنوب الليطاني وصور»، ناهيك عن تحبيذ لبنانيين السفر إلى حيث لديهم أبناء أو أقرباء أو منازل، أكد نقيب الأدلاء السياحيين السابق وصاحب إحدى وكالات السفر في لبنان هيثم فواز لـ«لبنان 24» ان «موسم سياحة الخريف (طار) وأُلغيت كل الحجوز من السياح الأجانب إلى لبنان الذي يقع في قلب منطقة متوترة جداً، ما يؤثر على السياحة فيه وهذا سبب إلغاء الحجوز بشكل كبير لمجموعات سياحية كانت قادمة في هذه الفترة».
واعتبر ان «هذا الأمر لن يؤثر فقط على موسم الخريف بل على موسم أعياد نهاية السنة أيضاً في حال استمرت الأوضاع على ما هي عليه اليوم من ضبابية وعدم معرفة ما سيحصل في المنطقة ككل»، مؤكداً ان «الخسائر ستكون كارثية بالنسبة للقطاع السياحي».