مع انهيار المصارف وتوقّفها عن أداء وظيفتها، تحوّل جزء كبير من الخدمات المالية التي كانت تقدّمها، الى شركات مالية كانت أعمالها قبل الأزمة، منحصرة بتحويل الأموال داخل البلاد وخارجها أو بخدمة تسديد بعض رسوم وضرائب الدولة.
أما اليوم ومع انعدام الثقة بالمصارف وعدم إمكانية استخدام المودعين أموالهم المهدورة وانحصار خدماتها بكلّ ما هو fresh accounts، باتت غالبية الزبائن تفضل اللجوء الى شركات تحويل الأموال لإتمام التحويلات المالية في الداخل بحد أقصى يبلغ 5000 دولار أو 50 مليون ليرة، وفي الخارج بحد أقصى يبلغ 7500 دولار، أو تسديد الرسوم والضرائب الحكومية والفواتير على كافة أنواعها أو التسوّق عبر الإنترنت وصولاً الى إصدار بطاقات مسبقة الدفع بالـfresh!
بالإضافة الى خدماتها الأساسية المتمثلة بتحويل الأموال من لبنان والخارج، توسّعت مروحة الخدمات المالية التي تقدّمها شركات تحويل الأموال البالغ عددها 14 حالياً، بدءاً بالدور الذي منحها إيّاه مصرف لبنان لإتمام عمليات الصيرفة أواخر 2021، لتصبح وكيلاً معتمداً له لجباية الدولارات عبر شرائها من السوق وبيعها له، وصولاً الى إصدار بطاقات مسبقة الدفع بالتعاون مع المصارف، هي عبارة عن بطاقات دفع مزدوجة العملة قابلة لإعادة التعبئة بحد أقصى 10 آلاف دولار و150 مليون ليرة، يمكن استخدامها في الداخل والخارج لسحب الأموال عبر ماكينات الصرف الآلي التابعة للمصارف أو لتسديد الفواتير عبر الإنترنت أو التسوّق، علماً أنه من أجل إتمام عملية إصدار تلك البطاقات تتعاون الشركات مع المصارف التجارية مثل blom bank الذي يصدر بطاقة visa لصالح شركة OMT، وبنك بيروت الذي يصدر بطاقة فيزا لصالح شركة BOB finance برسم سنوي يبلغ 15 دولاراً سنوياً ويتمّ تقاضي 0,5 دولار على كلّ رسالة نصية تصل الى المستهلك لدى استخدامه البطاقة بالإضافة الى مبلغ دولارين لإعادة تعبئة البطاقة وعمولة 2% على كل عملية transaction. وبالتالي فإن مخاطر التعامل مع المصارف هي نوعاً ما نفسها لدى الحصول على بطاقات مسبقة الدفع من قبل شركات تحويل الأموال.
قائمة طويلة جدّاً من الخدمات
ومع تفاقم الأزمة المصرفية وتدهور وضع المصارف وتراجع عدد فروعها من حوالي 1050 الى حوالي 700 فرع، ازدهرت في المقابل أعمال شركات تحويل الأموال التي أصبح عدد فروعها يتخطى الـ2500 فرع منتشرة على كافة الأراضي اللبنانية، وباتت خدماتها المالية متعدّدة ومتنوّعة لتشمل أيضاً:
– تسديد التحاويل التي تقوم بها المنظّمات الدولية للمستفيدين من مساعداتها المالية.
– دفع المستحقات للإتحاد الدولي للنقل الجوي IATA وشراء تذاكر السفر.
– تسديد أقساط المدارس والجامعات.
– تسديد أقساط شركات التأمين.
– إيداع الأموال مباشرة في الحسابات المصرفية بالخارج أو في المحافظ الرقمية بحدّ أقصى يبلغ 7500 دولار وبعمولة مقطوعة تبلغ 20 دولاراً.
– تسديد رسوم الاشتراكات السنوية لأعضاء النقابات.
– تسديد الرسوم والضرائب السنوية والدورية لصالح وزارة المالية.
– تسديد فواتير أوجيرو، ألفا وتاتش.
– تسديد رسوم البلدية.
– التسوّق عبر الإنترنت.
– خدمات رقمية متكاملة للشركات تتيح لها إدارة النقد وتحصيل ودفع المستحقات وإصدار الفواتير بشكل إلكتروني، بالإضافة الى تسديد رواتب موظفي القطاع الخاص.
– شراء البطاقات الترفيهية وبطاقات تشريج الإنترنت المسبقة الدفع.
– تسديد رسوم تسجيل طلاب المعهد الوطني العالي للموسيقى (الكونسرفتوار).
– تسديد رسوم الميكانيك.
– إجراء سحوبات نقدية لحاملي البطاقات الائتمانية الدولية بحد أقصى يبلغ 5 آلاف دولار لكل عملية وعمولة تبلغ 4,5%.
– تسديد مستحقّات المودعين في بعض المصارف.
– خدمة لائحة الأعراس أو Liste de Mariage التي توفّر إمكانية إيداع هدايا الأعراس النقديّة بعمولة سحب منخفضة.
تزدهر هذه الخدمات وغيرها وتتطوّر مع كلّ مراوحة وتأخير في بدء عملية إصلاح النظام المصرفي وإعادة هيكلته. ومع انعدام الثقة بشكل أكبر في القطاع المصرفي، تزيد الثقة أكثر بشركات تحويل الأموال التي أصبحت البديل الجزئي عن المصارف في السوق. فهل يمكن أن تؤدّي دور المصارف بالكامل في المستقبل وتبدأ بإقراض الأفراد والشركات أو تلقّي الودائع؟
وهل يمكن أن يتحوّل زبائن تلك الشركات الى مودعين؟ وهل يمكن أن تتحوّل العمولات التي تتقاضاها الى فوائد تجنيها منهم أو تدفعها لهم؟
معوض: لغط شائع حول دور هذه الشركات
في هذا الإطار، أوضح رئيس مجلس إدارة شركة OMT توفيق معوّض لـ»نداء الوطن» أن «ثمّة لغطاً شائعاً حول الدور الذي تؤدّيه شركات تحويل الأموال اليوم في ظلّ الأزمة المالية. تاريخياً، كان ولا يزال لشركات تحويل الأموال دور أساسي في الدورة الاقتصادية وفي حياة اللبنانيين اليومية، إلا أنّه من غير الممكن أن تكون بديلاً عن المصارف. إنّ الترخيص الصادر عن مصرف لبنان لشركات تحويل الأموال لا يسمح بإقراض الأموال أو فتح الاعتمادات أو غيرها من الخدمات الأساسية التي تقدّمها المصارف».
وأكد معوّض أنّ شركات تحويل الأموال مرخّصة من مصرف لبنان، وعليه تخضع لجميع قراراته وتعاميمه وتلتزم تطبيقها. كما تخضع الشركات للجنة الرقابة على المصارف وهيئة التحقيق الخاصّة في مصرف لبنان.
وفيما أشار الى أن OMT على سبيل المثال تقدّم خدمات تحويل الأموال من وإلى الخارج عبر ويسترن يونيون وداخل لبنان عبر OMT Intra، وأكثر من 150 خدمة، اعتبر أنه «نظراً للوضع الحالي للقطاع المصرفي، ومع ازدياد الطلب على الخدمات المالية عبر شركات تحويل الأموال، ازداد الاهتمام في إنشاء شركات تحويل أموال جديدة، إلا أنّه تبقى للزبون حرية اختيار الشركة التي تناسبه وفقاً لمعايير مختلفة على سبيل المثال لا الحصر: الثقة بالشركة، التوزيع الجغرافي لمراكزها، توفّر السيولة النقدية، دوامات العمل الطويلة، وغيرها… وتبقى المنافسة في أي مجال كان، عنصراً مهمّاً يساهم في تطوير الخدمات لتقديم الأفضل للزبائن».
بدارو: المستقبل هو لشركات الإتصالات
من جهته، اعتبر الخبير الاقتصادي روي بدارو انه عندما يواكب لبنان التطوّر التكنولوجي وتصبح كافة العمليات المالية تتمّ افتراضياً virtual transaction عبر الهواتف الذكية وغيرها، أي تحويل الأموال إلكترونياً عبر الإنترنت لمحافظ إلكترونية e-wallets، لن يعود هناك دور للمصارف أو شركات تحويل الأموال، بل ستكون شركات الاتصالات هي اللاعب الأساسي. موضحاً لـ»نداء الوطن» أن المصارف وشركات تحويل الأموال قد تصبح وسيطاً للعمليات النقدية البسيطة، «أما التحويلات المالية الكبرى فستنحصر بالـtransaction virtual.
أما في الوقت الراهن، فرأى بدارو أن شركات تحويل الأموال لا يمكن أن تتوسّع بخدماتها لتشمل الإقراض ولن تحصل على رخصة مصرفية جديدة، بل قد تصبح شركات فرعية للمصارف إما عبر التعاون الرسمي في ما بينهما حيث يمكن أن تصبح خدماتها متاحة أيضاً في المصارف، أو عبر استحواذها على رخصة أحد المصارف. مشدداً على أنها مجبرة في مرحلة لاحقة قد تطول لمدة 10 سنوات، على التعاون مع شركات الاتصالات لمواكبة التطوّر التكنولوجي على صعيد التحويلات المالية.
وعمّا إذا كانت التحويلات المالية عبر تلك الشركات تساهم أو تخدم عمليات تبييض الأموال، اعتبر بدارو أن تفعيل عمل لجنة الرقابة على المصارف واعتمادها نظاماً ذا فعالية عالية بموازاة بدء عمل منصة بلومبيرغ من دون إشراك الصيارفة فيها، سيؤدي الى ضبط عمليات تبييض الأموال أكثر.
أبو سليمان: إمكانية تبييض الأموال قائمة
بدوره، قال الخبير المالي وليد أبو سليمان إن المصارف نتيجة انعدام الثقة بها، تخلّت عن دورها لصالح شركات تحويل الأموال التي أخذت حيّزاً كبيراً من الخدمات المصرفية بدليل انتشار فروعها بشكل لافت على كافة الأراضي اللبنانية، وهو مؤشر على زيادة الإقبال على خدماتها. إلا أن تلك الشركات لا يمكن أن تمارس عمل المصارف لجهة منح القروض الشخصية أو التجارية، «وهو الأمر الذي تحجم عنه المصارف كذلك حالياً».
وأكد لـ»نداء الوطن» أن لا مانع أمام تلك الشركات من منح بطاقات ائتمانية، علماً أن هذا النوع من الشركات أصبح يسمّى في الخارج شركات رقمية أو digital banks وهي تنافس المصارف التقليدية رغم انها لا تمنح بعد قروضاً مالية إلا أنها تدفع فوائد على الودائع.
وفيما أشار أبو سليمان الى أن تلك الشركات لا تخضع لرقابة مماثلة للمصارف حيث إنها لا تملك دوائر امتثال compliance departments أو موظفين لمكافحة تبييض الأموال AML officers، لفت الى أن ذلك قد يصبّ في صالح عمليات تبييض أموال على الرغم من أن المبالغ المتداولة عبر تلك الشركات ضئيلة.