الهجمات التي يشنها بعض وكلاء إيران في الشرق الأوسط على إسرائيل والمصالح الأميركية، قد لا تضر بإسرائيل بطريقة مباشرة، لكنها قد ترسل رسالة واضحة لكل من الرياض وواشنطن، كما يشير تحليل نشرته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية وخبراء ومحللون.
التحليل قال إن تلك الهجمات التي تضاعفت منذ اندلاع الحرب بين حماس وإسرائيل “يمكن أن يكون لها تبعات على جبهات أخرى، أهمها، التطبيع واتفاقية الدفاع السعودية مع الولايات المتحدة”.
وعلى عكس ما ذهب إليه بعض المحللين من أن الحرب الجديدة بين إسرائيل وغزة، يمكن أن تكبح مساعي التطبيع مع الرياض، يرى التحليل بأن الوضع الحالي قد يؤكد على السعودية ضرورة دعم علاقاتها مع الولايات المتحدة من جهة والحفاظ على مسار التطبيع من ناحية ثانية.
فالضربات التي وجهها وكلاء إيران في المنطقة، خاصة تلك الآتية من الحوثي -الذي اعترضت صواريخه الرياض قبل أيام- يمكن أن تعجل بمسار التطبيع بين السعودية وإسرائيل، من جهة، وتسرع وتيرة تقوية التعاون الأمني مع واشنطن، بعقد اتفاقية دفاع معها.
في السياق شدد الباحث السياسي السعودي، مبارك آل عاتي، على أن الهجمات المتقطعة التي تشنها منظمات وميليشيات قريبة من إيران على إسرائيل، خصوصا الحوثي، لن يكون لها تأثير كبير على مسار الحرب.
وقال في حديث لموقع الحرة “تلك المنظمات تعلم جيدا أنها غير قادرة على ضرب إسرائيل ناهيك عن الغرب والولايات المتحدة”.
من ناحية أخرى، أكد آل عاتي على رغبة الرياض في الحفاظ على علاقتها الجيدة مع واشنطن، مؤكدا على أنها، سبق وأن عبرت على ذلك في عدة مناسبات.
يذكر أن موقع “أكسيوس” الأميركي قال، الثلاثاء، إن “السعودية لا تزال مهتمة” بمحاولة التوصل لاتفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لافتا إلى أن وفدا من الكونغرس الأميركي زار المملكة بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس.
وقال “أكسيوس” إن “وفدا من الكونغرس زار السعودية في زمن الحرب، حيث التقى ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، وتحديدا قبل 10 أيام”.
وقال مصدر مطلع على المحادثات في السعودية للموقع الأميركي، إن “الرسالة التي سمعها وفد الكونغرس الذي يترأسه السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، من المسؤولين السعوديين، هي أنهم ما زالوا مهتمين بمحاولة التوصل إلى اتفاق تطبيع مع إسرائيل”.
والثلاثاء، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، للصحفيين، إن “السعودية أكدت لإدارة بايدن أن المملكة لا تزال مهتمة بالسعي للتوصل إلى اتفاق من شأنه تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بعد انتهاء الحرب في غزة”.
ولم ترد السفارة السعودية لدى واشنطن على أسئلة موقع “أكسيوس” المتعلقة بتصريحات كيربي.
كما حاول موقع “الحرة” الحصول على تعليق من الخارجية السعودية، ولم يتسن له ذلك.
وبالعودة إلى تحليل الصحيفة الإسرائيلية، أبدى آل عاتي موافقته على جزء مما جاء فيه، بالقول إن السعودية “حريصة بالفعل على تطوير علاقتها مع الولايات المتحدة، وإعادتها إلى إطارها الذي تستحقه” مضيفا من جهة أخرى أن “السعودية معنية بتحقيق السلام في المنطقة”.
وقال “يجب على السلام أن يكون مبنيا على قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية” تبعا لمطالبات المبادرة العربية.
ومضى يقول إن “ما يجري الآن، يؤكد رجاحة وعمق وجهة النظر السعودية التي عبرت عنها خلال المفاوضات بين السعودية من جهة، وبين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل من جهة ثانية”.
وتدفع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن منذ أشهر لوضع السعودية على مسار التطبيع في إطار اتفاقات إبراهيم.
وقدمت السعودية بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مطالبها بضمانات أمنية من الولايات المتحدة والمساعدة على تطوير برنامج نووي مدني مقابل التطبيع مع إسرائيل.
وقبل هجوم حماس بأيام، أبلغ ولي العهد محطة “فوكس نيوز” أنّ التطبيع بين السعودية وإسرائيل “يقترب كلّ يوم أكثر فأكثر”.
وأعرب عن أمله في أن تؤدي المفاوضات مع إسرائيل “إلى نتيجة تجعل الحياة أسهل للفلسطينيين”.
من جانبه، أكّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو آنذاك من على منبر الأمم المتحدة أنّ بلاده على “عتبة” إقامة علاقات مع السعودية.
ومنذ شنّت حماس هجومها في 7 أكتوبر الماضي، ندّدت السعودية في عدة بيانات بالسياسة الإسرائيلية التي أدت لاندلاع المواجهة.
كما أعربت عن قلقها حيال وضع المدنيين مع شنّ الدولة العبرية آلاف الغارات الجوية وتوجيه إنذار إلى السكان يدعوهم إلى مغادرة شمال غزة ما دفع بآلاف منهم للنزوح في اتجاه الجنوب في غياب ممر آمن.
تهديد الحوثي
في العاشر من أكتوبر الماضي، أي بعد ثلاثة أيام على هجوم حماس الدامي على إسرائيل، ألقى زعيم الحوثيين في اليمن، عبد الملك الحوثي خطابا قال فيه “نحن نراقب بشكل مستمر ما يحدث في غزة، وننسق بانتظام مع إخواننا في محور المقاومة”، في إشارة إلى حزب الله والفصائل الشيعية المسلحة في العراق وحماس والجهاد الإسلامي في غزة.
وتابع “إن شاء الله، سنكون مستعدين للمشاركة في سياق هذا التنسيق، على أساس المستويات المختلفة المخطط لها.. ندين ونلوم كل الدول التي قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل – وهي الأعمال التي أضرت بالشعب الفلسطيني، تفكيك الموقف العربي الموحد”.
“التضامن الإيراني” مع حماس، عبر وكلائها، شمل قصف حزب الله اللبناني لإسرائيل، وهجمات نفذتها ميليشيات شيعية على أهداف أميركية في العراق، وإطلاق صواريخ وطائرات من دون طيار بشكل متقطع من اليمن.
ومنذ نحو عام ونصف، سعت الولايات المتحدة لتحقيق وقف لإطلاق النار بين الحوثي في اليمن والسعودية التي قادت تحالفا ضده منذ عام 2015.
وفي سبتمبر الماضي، زار وفد حوثي رفيع الرياض للمرة الأولى، وتوصل الطرفان بالفعل إلى مسودة اتفاق يتضمن مساعدات سعودية ضخمة للحوثيين وإعادة فتح ميناء الحديدة المحاصر منذ بدء الحرب.
لذلك تعد الحرب في قطاع غزة والتهديد الحوثي لإسرائيل معضلة لكل من الرياض وواشنطن، وفق التحليل ذاته.
وفي اشتباك عنيف بين الحوثيين والقوات السعودية وقع هذا الأسبوع في منطقة جيزان الواقعة على الحدود السعودية اليمنية، قُتل أربعة جنود سعوديين.
واعترضت السعودية خمسة صواريخ أطلقت على إسرائيل عندما عبرت المجال الجوي السعودي.
وأوضحت هذه الأحداث للرياض أن محادثات السلام مع الحوثي قد لا تنهار فحسب، بل قد تضطر إلى اتخاذ موقف صارم وصريح بشأن الحرب في غزة أيضا.
وكما أوضح الحوثي، فإن إسرائيل، من وجهة نظره، ليست الهدف المشروع الوحيد “بل كذلك، الدول العربية التي تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وتلك -مثل السعودية- التي تخطط لتطبيع العلاقات معها.. وبطبيعة الحال، فإن أميركا أيضًا في مرمى الحوثيين” وفق تعبير التحليل.
موقف الرياض
وإذا تم جر السعودية مرة أخرى إلى الحرب مع الحوثيين، فقد يعرض ذلك علاقتها الجديدة مع إيران للخطر، يوضح التحليل.
ولكن، عندما يبرر الحوثيون هذه الهجمات كجزء من “الجبهة الموحدة” لما يعرف بـ”محور المقاومة ضد إسرائيل” ستضطر الرياض إلى اتخاذ موقف مما يحدث في غزة، بينما اكتفت حتى الآن بإدانة إسرائيل ومطالبتها بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية لغزة.
“ستضطر لأن تضع نفسها بشكل واضح إلى جانب أميركا، وبالتالي ضمنيا إلى جانب إسرائيل” يقول التحليل.
واحتلت هذه المعضلات مركز الصدارة في المحادثات التي أجراها وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان، شقيق ولي العهد محمد بن سلمان، في واشنطن.
وفي الوقت الذي تهدد الحرب في غزة بفتح جبهات إضافية، إثر الهجمات التي يشنها حزب الله على إسرائيل من لبنان، تؤكد أيضا أن الوضع يمكن أن يتطور إلى حرب شاملة في المنطقة رغم أن بايدن، أوضح أن أميركا لن تكون جزءا من الحرب إلا إذا قررت إيران الانضمام إلى القتال، في تحدٍ لتحذيرات واشنطن.
اتفاقية دفاع أميركية- سعودية “دون شرط”
التحليل يعود ليقول إن “المفاجأة” يمكن أن تأتي من اليمن حيث قد يتطلب الأمر من واشنطن “ليس فقط اعتراض الصواريخ الموجهة نحو إسرائيل، بل استخدام قوة أكبر في منطقة تجنبت فيها التدخل المباشر” في السابق.
“الأهم من ذلك، قد تقرر واشنطن التوقيع على اتفاقية دفاع مع المملكة العربية السعودية لإظهار التزامها بالدفاع عن المنطقة ضد إيران، دون اشتراط ذلك بالتطبيع بين الرياض وإسرائيل”.
ومثل المنظمات الفرعية الأخرى، بما في ذلك حزب الله والميليشيات الشيعية في العراق، لدى الحوثيين أيضا أهداف استراتيجية منفصلة تمامًا عن الصراع العربي الإسرائيلي أو القضية الفلسطينية.
تخدم هذه المنظمات الثلاث مصالح إيران الإقليمية ويتم تمويلها منها، وتحافظ على مستويات مختلفة من التنسيق العسكري، لكن في الوقت نفسه، يمارسون سياسات مستقلة تهدف إلى ضمان وضعهم الخاص وسيطرتهم على البلدان التي يعملون فيها.
يختم التحليل بالقول إن الحرب بين إسرائيل وغزة ستدفع واشنطن “ليس فقط لحماية إسرائيل، بل وأيضاً لمنع نشوب حرب متعددة.. وقد يصبح اليمن النقطة المحورية التالية في تطور هذه الحرب”.