“أريد حلاً”
لا يتوقف اللبناني عن الشكوى من أزمة السكن وصعوبة العثور على شقة، وأصبح الأمر مؤرقاً بالنسبة إلى كثير من اللبنانيين، خصوصاً المقبلين على الزواج، إذ يعجز هؤلاء عن تملك شقة متواضعة أو حتى استئجارها، كونهم لا يحصلون على الدخل الشهري الكافي، فعلى سبيل المثال تشير تقديرات متخصصين إلى تراوح سعر الشقة ذات مساحة 100 متر في حي شعبي، بين 50 و60 ألف دولار، وهذا المبلغ الذي كان في متناول كثر أصبح في حكم الخيالي في عرف عامة الناس اليوم، بعد أن ارتفع صرف الدولار من 1507 ليرات إلى 90 ألف ليرة لبنانية، أي بمعدل 60 ضعفاً، فيما تراجعت بالمثل أجور القطاع العام، وأصبح الموظف العمومي أو العسكري تراوح أجورهم الشهرية ما بين 80 و150 دولاراً، عاجزين بذلك عن الادخار لشراء شقة المستقبل.
يروي حسن الموظف في أحد الأسلاك العسكرية تجربته فهو مرتبط ويخطط للزواج، في حين لا يتجاوز دخله 100 دولار، وبحسب قوله “يعادل سعر الشقة 50 عاماً في الخدمة”. ويضيف “قبل 2019 كان أمام موظف الدولة خيارات كثيرة، ومن ضمنها القروض السكنية، أما اليوم فقد لا يكون لديه من خيار إلا السكن بغرفة في منزل أهله، أو انتظار نافذة الفرج”، إذ يعجز عن استئجار شقة في المدينة بسبب الدولرة التي طغت على كل المظاهر الاقتصادية، وكان يعتقد أن عليه بذل مزيد من الجهد لعله يجد شقة صغيرة في أحد الأحياء الشعبية، لكنه “اصطدم بندرة المعروض”.
لا أحد يرغب في تأجير شقته
تنسحب معضلة التملك على عقود الإيجار، إذ تراوح ما بين 150 و250 دولاراً في الأحياء الشعبية ومناطق الأطراف، لتزداد وتصل إلى 700 دولار في قلب المدن والمركز.
ويجزم المهندس وئام زود مالك شركة عقارية أن “هناك مشكلة كبيرة في السوق العقارية، ولا يقبل أصحاب الشقق على تأجيرها، لأن ذلك يوقع المالك بخسارة كبيرة، لأن مبلغ 2000 دولار هو كلفة أصغر من عملية تصليح، بالتالي لن يخاطر ويؤجر منزله بالخسارة”.
إلى ذلك شاع بين المالكين أسلوب إرسال الإنذارات للمستأجرين من أجل الإخلاء، وإعلان عدم الرغبة باستمرار العقود أو تمديدها، وهذا الأمر، وإن كان مخالفاً للقانون إلا أنه يعكس حالة من السخط لدى المالكين، إذ يقضم التضخم وانهيار سعر صرف العملة أية زيادة للبدلات، فيما ينصح الوكلاء القانونيون المستأجرين بعدم ترك الشقق، والمبادرة إلى معاملة “العرض والإيداع” من أجل تسديد بدلات الإيجار للمالك من خلال دائرة كاتب العدل في حال تمنع المالك عن تسلمها، وإصراره على عدم التمديد.
الاغتراب روح السوق
وصل اللبناني المقيم إلى طريق مسدود في رحلة البحث عن شقة، ولكن ما الذي يفسر “عودة الانتعاش إلى القطاع العقاري”، وتحديداً في المناطق الراقية؟
يلفت المهندس وئام زود إلى أنه “عند التعاطي مع السوق العقارية لا بد من تأكيد ارتفاع كلفة البناء بفعل غلاء المواد الأولية من جهة، ومن جهة أخرى الاختلاف في حركة السوق لضرورة التمييز بين المناطق الشعبية، وتلك الغنية والراقية”، مشيراً “في المناطق الشعبية ما زال هناك عرض بأقل من الكلفة الحقيقية للبناء، إذ يمكن أن نجد المتر بـ500 إلى 600 دولار، ولكن هذا الأمر يصطدم بعدم القدرة المادية لقاطني هذه المناطق، والراغبين بالسكن فيها”.
في المقابل يتطرق إلى عودة المشاريع إلى الأحياء الحديثة، إذ دبت الحياة وعاد الازدهار مجدداً إلى سوق البناء الجديدة في المناطق الغنية، وعاود سعر المتر الارتفاع ليقارب ما كان عليه قبل الأزمة، بين 1000 و1100 دولار كحد وسطي، علماً أن السعر عرضة للارتفاع في الأحياء المطلة على الطرق العامة أو المنشآت المهمة، وفق ما يقول.
العقار ملاذ آمن
يقر زود أنه “لم يعد بمقدور المواطن اللبناني العادي شراء أو تقسيط شقة بسبب الانهيار المالي، وتراجع قيمة الأجور. فمن كان يعادل دخله ثلاثة أو أربعة آلاف دولار كالأستاذ الجامعي أو القاضي أو الضابط أصبح لا يتجاوز 500 دولار في أحسن الأحوال، ويحتاج إلى هذه المبالغ لضرورات المعيشة”.
لذلك هو يجزم أن “القطاع أصبح يقوم على فئتين، الفئة الأولى هي الاغتراب اللبناني، الذي ينتشر في الخليج العربي وأستراليا وكندا، حيث من يمتلكون الدخل العالي الذي يسمح لهم بتملك شقة كبيرة وحديثة. أما الفئة الثانية فهم التجار وأصحاب المصالح، الذين فقدوا الثقة بالقطاع المصرفي ويبحثون عن استثمار آمن وقليل الأخطار”.
ويعتقد زود أن “قروض السكن قد تكون مخرجاً لتملك المواطنين، شرط أن تكون ذات شروط ميسرة، وأن تترافق مع تصحيح حقيقي للأجور”.
عودة قروض الإسكان
في سياق متصل أعلن المدير العام لمصرف الإسكان أنطوان حبيب الاتفاق مع الصندوق العربي لإعادة جدولة القرض الموقع بين الطرفين لتأمين قروض سكنية، وتغيير عملة القرض من الليرة اللبنانية إلى الدولار الأميركي. ويوضح حبيب في تصريح لـ”اندبندنت عربية” أنه “في عام 2019 توصل مصرف الإسكان وهو مؤسسة خاصة إلى اتفاق مع الصندوق العربي لمدة خمس سنوات، ولكن حالت الظروف التي مرت بها البلاد دون تنفيذ الاتفاق، وجرت محادثات لعدم سقوط القرض وتمديد العمل به، وهذا ما كان”.
يشير حبيب إلى أن القرض سيكون في حدود 50 ألف دولار أميركي للأسر ذات الدخل المتوسط، و40 ألف دولار لأصحاب الدخل المحدود، موضحاً “يجب أن يكون الدخل للأسرة وأفرادها والكفيل نحو 1000 دولار شهرياً من أجل ضمان سداد القرض على 20 عاماً”.
ويلفت حبيب إلى أن التقديم يكون عبر المنصة الرقمية للمصرف، شرط أن يتمتع المقترض بأربعة شروط، كأن يكون مواطناً لبنانياً ولا يستفيد من قرض مدعوم ولا يمتلك شقة أخرى في البلاد وأن تكون الشقة بحدود 150 متراً مربعاً وأن يسمح دخله الشهري باقتطاع ثلث القيمة لتسديد السند الشهري.
المستأجر وأولوية القروض
لاقت الشروط الموضوعة من مصرف الإسكان انتقادات لأنها “لا تتلاءم ومداخيل اللبنانيين، ولا يمكن لأحد الاستفادة منها إلا المتمولين” بحسب المحامي ورئيس “تجمع الحقوقيين للطعن وتعديل قانون الإيجارات” أديب زخور، الذي طالب بأن تتلاءم الشروط مع الحد الأدنى للأجور، وأن تكون الأفضلية للمستأجرين بموجب المادة 37 من قانون الإيجارات 2/2017، إضافة إلى فئة الشباب لتمكينهم من تأسيس عائلة.
ويوضح زخور أن “قانون الإيجارات أشار إلى تخصيص القروض والمساعدة، ومنح الأولوية لمن لا دخل لهم، أو أن دخلهم الجماعي العائلي لا يتجاوز ثلاثة أضعاف الحد الأدنى للأجور، وأعطى مساعدة جزئية لمن دخله بين ثلاثة وخمسة أضعاف”، فيما قروض الإسكان الحالية لا تراعي الانهيار المالي الحاصل، متخوفاً من أن “يصبح آلاف المستأجرين خارج منازلهم من دون أي بديل سكني، في ظل الثغرات في قانون الإيجارات وتحرير العقود، ولا حل في الأفق ولا أمل سوى اللجوء إلى القروض السكنية بشكل طارئ وعاجل”.