ا تنفكّ واشنطن تفعّل «ديبلوماسيةَ الردع» على الجبهة اللبنانية – الإسرائيلية، عبر حضّها المعنيين في بيروت على ضمانِ عدم جرّ «بلاد الأرز» إلى الحرب المستعرة في غزة وسكْبها مياهاً باردة على «الرؤوس الحامية» في تل أبيب لمنْع نقْل «كرة النار» إلى لبنان.
وفيما كانت سَحُب الدخان تتصاعد على طول الجبهة الجنوبية، حيث رَفَعَ «حزب الله» منسوب القوة التفجيرية في استهدافاته الصاروخية للمواقع العسكرية الإسرائيلية التي دمّر إحداها (ثكنة برانيت) بـ «بركان» النصف طنّ من المتفجرات، بالتوازي مع زيادة تل أبيب وتيرة القصف للقرى الحدودية وعدم توفيرها المنازل السكنية، لم يكن عابراً أن يتحرّك المبعوثُ الأميركي لشؤون الطاقة أموس هوكشتاين في اتجاه إسرائيل، هو الذي كان زار بيروت قبل أسبوعين في سياق السعي إلى توفير ضوابط للمواجهات المستعرة تُبْقيها تحت السيطرة وتحول دون إشعال «الحريق المميت».
هوكشتاين
وحرص هوكشتاين، مهندسُ اتفاق الترسيم البحري الذي وُقّع بين لبنان وإسرائيل (في اكتوبر 2022) وصاحب «الوصاية» على تنفيذه، خلال مشاركته في فاعليات منتدى حوار المنامة 2023، قمة الأمن الإقليمي 19 على تأكيد المؤكّد في الموقف الأميركي الذي لا يرغب في رؤية «المياه التي تغلي» تفيضُ خارج حدود غزة ومحيطها في الغلاف الإسرائيلي، والذي يحرص على أن يُترك «خطّ رجعة» لِما بعد الحرب بحدودها الحالية يُبنى عليه لتوسيع مفاعيل الاتفاق البحري، الصامد رغم «تحليق الصواريخ» التي مازالت تحيّد المياه على المقلبيْن، ومع اعتبار هذا الأمر أحد مؤشرات الانضباط تحت سقف قواعد لا تنسف الخطوط الحمر.
وقد أعلن هوكشتاين من المنامة أن «محادثاتي في لبنان تعكس المحادثات التي نُجْريها في إسرائيل أيضاً، والأهمّ ضمان ألّا تنتقل حرب غزة إلى لبنان»، معتبراً «أن الشعب اللبناني لا يحتاج لأن يكون عرضة لخطر الذهاب إلى حرب».
وإذ أكد أنه «ينبغي للشعب الإسرائيلي أن يعيش بأمانٍ في مدنه الشمالية على جانبه من الحدود، كما يحق للبنانيين الأمر نفسه»، أعرب عن اعتقاده «أن الشعب اللبناني غير مهتمّ بالذهاب إلى الحرب، وأظنّ أن الأمور يجب أن تبقى على هذا النحو، وسنقوم بكل ما في وسعنا لذلك».
وتطرق إلى اتفاق الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل، معتبراً أنه «سمح للمرة الأولى بإنشاء حدودٍ معترَف بها من الأمم المتحدة بين دولتين لا تربطهما علاقات ديبلوماسية، وإحداهما لا تعترف تقريباً بوجود الأخرى، وخاضتا حروباً أكثر من أي بلدين آخَرين في الشرق الأوسط»، وقال: «كان هذا الإنجاز هو الذي سمح لشركة دولية كبيرة مثل توتال باستثمار مبلغ كبير من المال عبر إرسال منصة استكشاف وحفر إلى المياه.
ويعلم الجميع في هذا المجال أن الأمر يستغرق وقتاً وتطويراً، وهناك 10 في المئة فقط من عمليات الحفر تؤدي إلى النجاح. ولذا سيكون هناك المزيد من الاستكشاف، فمنصة الحفر مازالت موجودة بينما تحلّق الصواريخ. ولم يتم إطلاق صواريخ في اتجاه المياه من لبنان إلى إسرائيل، والعكس صحيح، خلال هذه الفترة الزمنية التي جرى فيها إطلاق مئات الصواريخ».
وأضاف: «لذلك أود القول إنه حتى الآن تم التزام هذا الجزء من الاتفاق (البحري). ولكن أريد أن أتوجّه لمَن يقولون: لقد قمتم بترسيم الحدود البحرية وقلتم إن هذا سيؤدي إلى السلام، وانظُروا الآن هناك عنف. وجوابي، أن أحداً لم يَقُلْ قبل عام إن اتفاقاً بحرياً بين إسرائيل ولبنان سيحل السلام الأبدي.
ويجب عدم إغفال أن الحدود البرية لاتزال غير مستقرة ومحل نزاع، لكن ما قدّمه لنا الترسيم البحري هو خريطة طريقٍ لِما يمكن القيام به في المستقبل للوصول إلى مكان، ليس اليوم ولكن بعد هذه الحرب، ربما تكون معه اللحظة المناسبة للبدء بالتفكير في رؤية لهذه المنطقة، ليس من دون صراع، بل بصراع أقلّ».
صواريخ «بركان»
ولم تحجب مواقف هوكشتاين وحركته الأنظارَ عن الارتقاء اليومي النوعي والكمي في عمليات «حزب الله» العابرة للحدود، حيث استهدف صباح أمس وعلى دفعتين مركز قيادة الفرقة 91 للجيش الإسرائيلي في ثكنة برانيت بـ 4 صواريخ «بركان» من العيار الثقيل.
ومع التداول بفيديوات التقطها جنود لحجم الدمار في الثكنة، انطلقت التحريات حول سرّ «ترويج» إسرائيل لمَشاهد الخراب في هذه النقطة المهمة، وسط مخاوف من أن يكون الأمر في سياق «بناء إعلامي» تمهيداً وتبريراً لعمل «خارج الصحن اليومي» من الردود التي لا تحرق قواعد الاشتباك وإن التي تتمدّد تباعاً.
وكان إعلامٌ إسرائيلي تحدث عن أن ضربة «حزب الله» في ثكنة برانيت «تَجاوُز للخط الأحمر وعلى الجيش التحرك بعنف»، فيما أعلن الناطق العسكري أنّ الصواريخ باتجاه الثكنة أسفرت عن اندلاع حريقٍ كبير داخلها.
ولم يكتف «حزب الله» بهذه العملية، بل أعلن عن سلسلة استهدافات أكد أنه حقق فيها إصابات مباشرة: لثكنة زبدين الإسرائيلية في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، و«تجمع مشاة إسرائيلي في مثلث الطيحات ولمستوطنة برعام في الجليل الأعلى» و«قوة مشاة إسرائيلية في تلة الكرنتينا قرب موقع حدب يارون» و«تجمع مشاة إسرائيلي في محيط موقع الضهيرة بالقذائف المدفعية».
وبعد الظهر أعلن «حزب الله» أنه هاجم «بواسطة ثلاث مسيرات هجومية مراكز تجمع جنود الاحتلال الإسرائيلي غرب كريات شمونة وحققنا فيها إصابات مباشرة»، وذلك بعدما كانت وسائل إعلامٍ إسرائيليّة أفادت عن حدوث توترٍ كبير في كريات شمونة، متحدّثة عن سماع دويّ انفجارات عنيفة في المستعمرة من دون تحديد طبيعتها، في حين قالت القناة الـ12 الإسرائيلية إنّ قذائف هاون سقطت في منطقة حُرجية قرب المنطقة المذكورة.
وفيما دوّت إثر ذلك صافرات الإنذار في كريات شمونة ومستعمرة مرغليوت المحاذية لها، كشفت وسائل إعلامٍ إسرائيلية عن رصد تسلل طائرات مُسيّرة انطلقت من لبنان باتجاه منطقة الجليل، مشيرة إلى أنهُ جرى تفعيل الدفاعات الجوية التي اعترضت المُسيَّرات الآتية من لبنان.
وبحسب البيانات الإسرائيلية، فإن العمل كان جارياً للتحقق من إمكان سقوط طائرة انتحارية قرب كريات شمونة وسط الطلب من سكان المنطقة البقاء في الملاجئ حتى إشعارٍ آخر.
ولاحقاً أعلن الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي افيخاي ادرعي، «أن جيش الدفاع أغار في وقت سابق الاثنين على خلية مخربين حاولت اطلاق قذائف مضادة للدروع في منطقة قرية مروحين. كما أغار من خلال مقاتلات حربية ومروحية حربية ودبابات على بنى تحتية إرهابية لحزب الله داخل لبنان رداً على اطلاق القذائف من لبنان نحو الأراضي الإسرائيلية. بالإضافة إلى ذلك، تم رصد اطلاق نحو 25 قذيفة صاروخية من لبنان نحو إسرائيل في عدة نقاط على الحدود حيث اعترضت الدفاعات الجوية عدة قذائف بينما سقطت بقية القذائف في مناطق مفتوحة. كما سقطت ثلاث مسيرات متفجرة بالقرب من موقع عسكري دون وقوع إصابات».
وإذ أوضح الجيش الإسرائيلي في بيانٍ أن عمليات القصف من لبنان طالت مناطق عرب العرامشة وبرعم، من دون وقوع إصابات، ردّ بقصف وغارات على عدد كبير من البلدات الحدودية اللبنانية، حيث تم استهداف منزل النائب قبلان قبلان (من كتلة الرئيس نبيه بري) بقذيفتين في بلدة ميس الجبل ما أدى لإصابته بأضرار جسيمة.
وفي حين أشارت تقارير إلى أن مروحيات الجيش الإسرائيلي شاركت في الاعتداء على أطراف مارون الراس، تعرّضت أطراف بلدات يارين، الضهيرة وطيرحرفا ورب الثلاثين ومحيبيب والجبين ويارين ورميش لقصف مدفعي. كما تم استهداف أطراف بلدة حولا ووادي السلوقي وحرش هورة بين ديرميماس وكفركلا، قبل أن يُعلن عن تنفيذ غارتين على أطراف عيتا الشعب وأحراج علما الشعب.
جدول
في موازاة ذلك، أورد إعلام «المقاومة الاسلامية» جدولاً بعدد إصابات الجيش الإسرائيلي في المستعمرات المحاذية للحدود مع لبنان، محصياً 1523 جريحاً، فيما كانت إحصاءات رسمية مرتبطة بالعدوان على جنوب لبنان خلال الأيام الـ44 الماضية تكشف تعرض محافظتيْ الجنوب والنبطية لـ 722 عملية قصف وغارة، وحرق 5.1 مليون متر مربع من المساحات الخضراء، وسقوط 96 شهيداً (بينهم عناصر من «حزب الله» و«كتائب القسام» و«الجهاد الإسلامي» وحركة «أمل» ومدنيين) ونزوح 45.325 شخصاً من منازلهم، وتمت استضافة 2.3 في المئة منهم في مراكز ايواء، فيما انتقل 57 في المئة الى مدن وبلدات في الجنوب والنبطية.
وفي السياق نفسه، أشارت وحدة إدارة الكوارث في اتحاد بلديات قضاء صور في بيان، الى أن «النقص الحاصل في المساعدات المتعلقة بالنازحين من القرى الحدودية، بدأ يؤثر على مجريات الاستجابة لتلبية احتياجات أكثر من 16 ألف نازح موجودين في قضاء صور ومسجلين على لوائح رسمية لدى الوحدة والجمعيات والمنظمات التي تقدم مساعدات عينية للنازحين».
وأوضحت أن «العدد الفعلي لغاية 19 نوفمبر وصل إلى 16276 نازحاً موزعين على قرى القضاء، وأربعة مراكز إيواء تعمل الوحدة بالتعاون مع الجمعيات والمنظمات الدولية على تأمين حاجاتهم ضمن الامكانات المتوافرة لديها، ولا سيما أن عدد النازحين يزداد يومياً، خصوصاً أننا دخلنا في فصل الشتاء ما يرتب أعباء إضافية لناحية تأمين المستلزمات المتعلقة بالتدفئة في مراكز الإيواء».
السفير الروسي: الوضع جنوباً خطير جداً ولا بد من وقفه
وصف السفير الروسي ألكسندر روداكوف، أمس، الوضع في جنوب لبنان، بأنه «خطير جداً ولا بد من وقفه».
وقال روداكوف بعد لقائه وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بوحبيب، «نحن على تواصل دائم حيث نناقش بعض المواضيع والمصالح سواء كانت ثنائية أو دولية».
أضاف «كما تحدثنا عن الوضع في لبنان والجنوب وهو خطير جداً ولا بد من وقفه، والأحداث في المنطقة خصوصاً في غزة، ونحن في كل المحافل الدولية ننادي بالسلام ووقف العمليات الحربية والعسكرية».