فبعد أن بدأت الأحداث الأمنية والعسكرية جنوبي البلاد تتخذ منحى تصعيديا، مع تكرار عمليات القصف والاستهداف بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله، ارتفعت المخاوف من اندلاع حرب جديدة في لبنان بالتوازي مع التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة.
وتجمع مصادر اقتصادية ومالية، على التأكيد أن “الاقتصاد اللبناني لا يحتمل تداعيات أي حرب جديدة تندلع في الجنوب، وتمتد على مساحة البلاد”.
ماذا تقول الأرقام؟
يعلق الخبير في الشؤون الاقتصادية منير يونس لموقع “سكاي نيوز عربية”، على التداعيات والعواقب الاقتصادية في حال وقوع حرب في لبنان، وسط الأزمات الاقتصادية الصعبة التي يعيشها، فيقول: “بالطبع ليس بمقدور لبنان احتمال نشوب حرب في هذا الوقت، بسب الأزمة التي يعانيها”.
ويضيف يونس: “لن يحتمل لبنان الحرب لأن الناتج المحلي تراجع بنسبة 60 بالمئة وعاد إلى مستوى عام 2000، وهذا يعني أننا فقدنا 23 عاما من النمو بسبب الأزمات الاقتصادية”.
ويتابع الخبر الاقتصادي: “إذا نشبت الحرب فمن المتوقع أن يتراجع المستوى إلى ما كان عليه عامي 1989 و1990، وبذلك سيكون اقتصاد لبنان قريبا من مستواه عند نهاية الحرب الأهلية، وهذا يعني أنه سيكون منهكا وضعيفا مع إنتاجية شبه معدومة”.
ويستطرد يونس: “على الصعيد الصحي ليس لدى لبنان مناعة ضد الحرب، لأن الخدمات الصحية في أسوأ أوضاعها، ولا تتجاوز ميزانية وزارة الصحة 35 مليون دولار حاليا بعدما كانت تقارب 400 مليون دولار قبل الأزمة (التي بدأت عام 2019)”.
ويتابع: “لا يملك لبنان بالإجمال شبكة حماية اجتماعية، وحوالي نصف مواطنيه ليس لديهم تغطية صحية”.
المشهد يختلف عن 2006
ويرى يونس أن “المشهد حاليا يختلف تماما عن الحرب التي اندلعت عام 2006 في لبنان، حيث كان يحوز تعاطفا عربيا ودوليا، بينما الحال اليوم ستكون عكس ذلك، ولم تعد تتوفر للبنان الأموال لإعادة الإعمار أو حتى لتوفير الاحتياجات الإنسانية”.
ويشير يونس إلى أن “دخول لبنان في الحرب سيواجه بإجراءات عقابية، خصوصا من الدول الغربية”.
ويختم: “يعتبر اقتصاد لبنان فاقدا للمناعة خصوصا إذا تم ضرب المطار أو المرافئ، وفي حال حدث ذلك سيحصل شح في الغذاء والدواء والمحروقات، وبالتالي لن تكون عند لبنان وشعبه القدرة على الصمود”.
الخوف من الحرب
وفي السياق ذاته، يقول الخبير في المخاطر المصرفية محمد فحيلي لموقع “سكاي نيوز عربية”: “لا شك أن الخوف من الحرب يرخي بظلاله على حال الاقتصاد الوطني، والاقتصاد يتأثر عادة بتداعيات الحرب”.
ويتابع فحيلي: “تؤثر الحرب سلبا في حال وقعت على مشاريع الاستثمار وتدفق رؤوس الأموال إلى السوق اللبناني، ورأس المال يبتعد تلقائيا عن مناطق الاضطرابات”.
ويضيف: “ستؤثر الحرب كذلك على رغبة الفرد في الاستهلاك، خاصة أن لبنان ليس بلدا منتجا للسلع ولا حتى للسلاح لتسويقه، ومن الصعب أن يستفيد اقتصاديا من الحرب إذا نشبت على حدوده أو داخله”.
ويرى أن “الحرب تشل الدورة الاقتصادية وقدرة الدولة على العمل، وعلى جمع الضرائب”.
ويوضح فحيلي أن “الخوف من الحرب ينسحب على كل اللبنانيين، حتى لو كانت جغرافيا محصورة في منطقة معينة وبشريحة معينة من اللبنانيين، كما هي الحال في بيئة حزب الله ومنطقته في جنوب لبنان، إذ ليس هناك إجماع بين اللبنانيين على الدخول في حرب مع إسرائيل”.
ويتابع الخبير في المخاطر المصرفية: “مر لبنان بمحطات عديدة منذ اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري عام 2005 إلى حرب عام 2006، وكل هذه الاضطرابات كانت تؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد، لكن مصرف لبنان كان يتدخل لدعم النقد اللبناني ومنعه من الانهيار، بينما اليوم صار الاقتصاد اللبناني مدولرا (أي يتم التعامل في لبنان بالدولار بدلا من الليرة)”.
ويختم فحيلي: “لكني لا أتوقع أن يتأثر سعر صرف العملة الوطنية نحو المزيد من الانهيار، لأن عمل المضاربين عليها سيكون محدودا”.