تأتي هذه اللغة المستجدّة في خطاب هؤلاء في سياق السياسة العربية الجديدة بعد التفاهم مع إيران ، هذا التفاهم الذي و في الظاهر ربما يدلّ على أن العرب سلموا لبنان فيه لإيران و تخلوا عنه كلياً و يعملون اليوم على إيجاد المخارج المناسبة لفك ارتباطهم بحلفائهم السابقين بعد ان استعملوهم في صراعهم مع المحور عند حاجتهم لهم .
أما الذين يُحسبون تقليدياً على خيار هؤلاء العرب فقد بدأوا انعطافتهم منذ توقيع التفاهم الإيراني – السعودي و هم يجهدون لإيجاد التبريرات و المخارج اللازمة لذلك لاعتقادهم بصحّة ما ذكرنا .
ما يحزن و يثير الإشمئزاز في حالة هؤلاء هو التالي :
عندما يستسلم أحد لقوة أخرى يستسلم بخجل و خفر لا كما يفعلون هم ، انهم يستسلمون لحزب الله و إيران و بنفس الوقت يسدون النصائح للذين ما زالوا في الخيار المناقض و يحاولون توجيههم نحو خيار الرضوخ لا المقاومة ، تماماً كما فعلوا زمن الوصاية عندما ارتموا بأحضانها و تعاونوا معها لضرب إخوتهم في الوطن .
المؤسف أن هؤلاء لا يخجلون من أنفسهم و لا من ماضيهم البعيد الذي غلّبوا فيه دائماً مصلحة القوى الإقليمية على مصلحة ما يفترض أن يكون وطنهم ، فبعد ان كنا اعتقدنا ان ثورة الأرز غيّرتهم عدنا لنرى اننا كنا مخطئين و أن هؤلاء متساوون مع جماعة المحور في التصرف و التبعية العمياء للخارج .
لهؤلاء بعض النصائح :
العرب و على رأسهم السعودية دول لديها مصالح كبرى و لا يهمها لبنان بشيء ، و ليس مستغرباً أن يسلموه اليوم لإيران فهم سلموه سابقا للأسد و قبلها لمنظمة التحرير ، هم دول لا مصالح لهم عندنا ، و لديهم الكثير من المشاكل مع هذا الوطن الصغير لما سببه لهم من صداع و للخسائر المادية التي تكبدوها فيه دون جدوى و لرهاناتهم الخاطئة أيضاً داخله .
المملكة اليوم متفقة مع إيران و لكنها غداً ستختلف معها ربما ، و هذا هو المرجّح فماذا ستفعلون حينها ؟ هل ستظلون أدوات يحركهم الخارج في صراعاته الكبرى التي لا تأخذ مصالحكم أصلاً بعين الإعتبار و لا يهمها أمركم بشيء ؟ و أين ستصطفون عندما يعود هذا الصراع ؟ هل ستعودون الى خياراتكم التي تتخلون عنها اليوم ؟
بعض العرب صالحوا بشار الأسد رغم كل ما فعله و تخلّوا عن الشعب السوري بغفلة من الزمن رغم كل مآسيه و آلامه عندما اقتضت مصلحتهم ذلك ، فما الذي سيمنعهم من التخلي عنكم أيضاً عندما تقتضي مصالحهم العليا هذا الأمر ؟
انتم لستم أكثر من بيادق بالنسبة اليهم و وقود في صراعاتهم الكبرى و عليكم أن تعوا ذلك جيّداً ، فاحترموا انفسكم قليلاً و كفّوا عن الإنبطاح أمام من لا وجود لكم في مفكرته و عقله ، ربما بعض قياداتكم مدينة لهم بوجودها السياسي و لكن ليس مجتمعكم كلّه ، انتم مدينون لوطنكم بوجودكم و لا أحد سواه .
بدل تعيير الوطنيين الثابتين على خياراتهم منذ عشرات السنين و المقاومين في سبيل بقاء لبنان وطناً حراً آمناً لكل أبناءه عليكم الخجل من أنفسكم و العمل لتحسِّنوا صورة مستقبلكم بالثبات على موقف وطني واضح علّ التاريخ عندما يروي قصة الأحرار في لبنان يشفع بكم و يصنِّفكم بين هؤلاء بدل وصمكم بصفات تخجل بها كتب التاريخ و كل أجيالكم الآتية .
إن أردتم الإنقلاب على خياراتم فهذا شأنكم و لا دخل لأحد به و لكن لا تحاولوا التهجم على الإخرين و نكىء بعض الجراح لتحييد الانظار عما تفعلونه اليوم .. و إن اعتقدتم أن كل الناس أغبياء و لم ينتبهوا الى ” تكويعتكم” المفضوحة فأنتم الطبع مخطئين لأن أغلب اللبنانيين لم يخدعوا بكم أصلا” و هم توقعوا منذ زمن أن تفعلوا ما تفعلونه اليوم و بالتالي حضّروا أنفسهم لهذه اللحظة ليكملوا الدرب بمعزل عنكم .
لقد أصبح واضحا اليوم من دمّر ثورة الأرز و من استغلها أصلا لتصفيات حسابات خاصة مع بشار الأسد لا لتحرير لبنان , و ما كان خافيا بالأمس صار جليا” هذه الأيام و أعطى الحق لمن توجّسوا منكم طويلا” و لم يصدقوا بأي شكل تبنيكم الخيارات السيادية التي ناضل من أجلها الآخرون في لبنان لسنوات .طوال و أتيتم انتم في غفلة من الزمن لتنسبوها الى أنفسكم
كلنا يعرف أنكم انقلبتم على الأسد و محوره عندما ضعف و ستعودون لبيت طاعته عندما يستعيد عافيته , فلا شيء جديد و ما التاريخ سوى البوصلة التي توجه من يريد أن يرى المستقبل بعين واضحة و تاريخكم معروف وواضح وضوح الشمس .
لن نستفيض أكثر فكل واحد في هذا الوطن المتعب و بالعمق يعرف نفسه جيداً و الجميع يدركون الحقيقة حتى لو رفضوا الإعتراف بها ، سنقول لهذا البعض شيئاً واحداً : حتى لو طالت الأيام لن ينصف التاريخ الا آباء الكيان الذين لم يتلونوا يوماً و لم يبدلوا ولاءهم لوطنهم بشيء رغم كل ما تعرضوا له و هم حتماً لن يفعلوا ذلك اليوم لمجرد أن بعض العرب ربما سامحوا مجرمي الحروب و قتلة الشعوب .
أخيراً لبعض مدّعي المعرفة و المتشدقين نقول : أصمتوا ووفروا نصائحكم لأنفسكم ، فالعار هو ما فعلتموه في الماضي و ما تستمرون بفعله اليوم و حتماً لستم المرجع الصالح لإسداء النصح للوطنيين الأنقياء الثابتين في مواقفهم عبر التاريخ ، نصائحكم مردودة لكم لسبب بسيط و هو انكم انتم من تحتاجون للنصح لا العكس !!!