بهدف ملاحقة تجارة المخدرات، وتحديداً تصنيع وتصدير الكبتاغون، بين سوريا ولبنان والتي تصل تبعاتها إلى دول عربية عدة والعالم، أقر مجلس النواب الأميركي بغالبية 410 أصوات مقابل 13 مشروع قانون “كبتاغون 2″، بعد قرابة عام ونصف العام على مصادقة الرئيس الأميركي جو بايدن على قانون “كبتاغون 1”.
القانون الجديد، الذي يؤيده الحزبان الجمهوري والديمقراطي، سيسلك طريقه من مجلس النواب إلى مجلس الشيوخ قبل أن يصادق عليه الرئيس الأميركي ليصبح نافذاً، بعدما أجازته لجنة العلاقات الخارجية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 بإجماع 44 صوتاً مؤيداً مقابل صفر صوت معترض.
بالنتيجة العملية، فرضت واشنطن بموجب القانون الأول عقوبات على كيانات وأشخاص من النظام السوري أو مرتبطين به، على خلفية تورطهم بتجارة المخدرات، فيما يعطي القانون الثاني الحكومة الأميركية صلاحيات أوسع لمحاسبة النظام السوري و”حزب الله” اللبناني وشبكاتهما وجميع من يعمل الاتجار بالكبتاغون من أي جنسية كان وفي أي دولة كان.
وبعد أن يصبح القانون سارياً بمراحله الأخيرة، والذي ضغطت منظمات الجالية السورية الأميركية بالعمل عليه، سيكون على الإدارة الأميركية وخلال ستة أشهر، أن تنظر وتبت في فرض عقوبات على مسؤولين سوريين رفيعي المستوى متورطين بتصنيع المخدرات وتهريبها من سوريا، وعلى رأسهم ماهر الأسد شقيق بشار الأسد.
كذلك يتطرق مشروع القانون الجديد بشكل مباشر إلى دور “حزب الله” بتقديم الدعم اللوجيستي والفني لهذه التجارة.
تجارة الكبتاغون تدر المليارات
عضو الكونغرس الجمهوري عن ولاية أركنساس فرينش هيل، الذي عمل على القانون بشكل مباشر وحشد الدعم له، قال بعد إقراره إن “تجارة الكبتاغون تدر المليارات من التمويل غير القانوني على نظام الأسد وتدمر العائلات في المنطقة”، مضيفاً أن استراتيجية الحكومة لمحاربة إنتاج وتهريب الكبتاغون في سوريا لا تزال في مراحلها الأولى، وقال “يجب على حكومة الولايات المتحدة وشركائنا في المنطقة وفي أوروبا ممارسة ضغوط كبيرة لوقف انتشار هذه المادة الخطيرة”.
المسؤول عن التخطيط السياسي في التحالف الأميركي لأجل سوريا والمجلس السوري الأميركي، محمد علاء غانم، قال في حديث لـ “اندبندنت عربية” إن إقرار هذا القانون يعني نجاح جهود منظمات الجالية السورية في ترسيخ ملف مكافحة تجارة المخدرات في سوريا واستمرارها داخل أروقة الإدارة الأميركية، موضحاً أن القانون الجديد، المتمم للقانون النافذ مسبقاً، سيعمل على توسيع صلاحيات الإدارة الأميركية عبر أدوات أضخم وأكبر لملاحقة جميع من لهم دور في هذه التجارة ولا سيما الكبتاغون.
المخدرات ورقة ضغط
ويضيف غانم أن نظام الأسد يستخدم ورقة المخدرات أولاً لأنها تدر عليه مبالغ مالية ضخمة جداً وثانياً لأنها تشكل عامل ضغط على الدول العربية لا سيما تلك التي يعتبر أنها وقفت ضده خلال أحداث السنوات الماضية.
ويكشف أن القانون الجديد سيسهم وبشكل مباشر في تقديم الدعم المالي والاستخباراتي والتقني لمحاربة هذه التجارة بشكل أوسع، قائلاً “بعد إقرار القانون الأول والسير به واليوم السير كذلك بالقانون الثاني لم يعد بإمكان الإدارة الأميركية أن تهمل ملف المخدرات في سوريا، فيما كان هذا الملف غائباً تماماً عن اهتمام واشنطن قبل سنوات، قبل أن تضغط الجالية السورية الأميركية للعمل عليه”.
الفرق بين القانونين
وحول الفرق بين قانوني “الكبتاغون 1” و”الكبتاغون 2″، أشار إلى أن “القانون الأول كان يفرض على الحكومة الأميركية تشكيل استراتيجيات عامة لمكافحة تجارة المخدرات، فيما يركز الثاني على الإجراءات المالية، بحيث يفرض عقوبات على شركات وكيانات وأفراد مرتبطين بهذا التجارة ويُسهل الإجراءات المالية لها في جميع المراحل، سواء التصنيع، أو الترويج، أو النقل، أو التهريب”.
وعن دورهم في مواجهة النظام السوري من أميركا، قال غانم إنهم كمؤسسات مدنية أهلية أميركية تابعة للجالية الأميركية، لا يمثلون المعارضة، بل هم يسعون للاستفادة من الحكومة الأقوى في العالم أي الحكومة الأميركية، عبر التأثير في سياساتها بما يعني سوريا وبما يساعد السوريين، قائلاً “لا نعول على الإدارة الأميركية بشكل مباشر لحسم هذا الملف برمته، بل هو بحاجة لتكاتف جميع السوريين للانتقال بسوريا إلى ظروف أفضل”.
رسالة سياسية
الصحافي المتخصص في الشؤون الأميركية والعربية طارق الشامي قال من جهته، إن تصويت مجلس النواب الأميركي على القانون بموافقة 410 نواب واعتراض 13 فقط، يعني توافق الحزبين الجمهوري والديمقراطي في معاقبة نظام الرئيس بشار الأسد وتضييق الخناق عليه، فيما تعتقد واشنطن أن النظام السوري أصبح يشكل عبر تجارة الكبتاغون تحدياً خطيراً على الأمن الإقليمي والدولي، كما يظهر مشروع القانون تصميم الإدارة الأميركية والكونغرس على متابعة استراتيجية واشنطن لمكافحة الإيرادات غير القانونية لتجارة مواد الكبتاغون المخدرة والعمل بشكل متسق لتعطيل وتفكيك انتاج الكبتاغون والاتجار به.
أما عن الرسالة السياسية خلف تمرير هذا القانون، فيعتبر الشامي أن الولايات المتحدة ستواصل الضغط على نظام الأسد من خلال فرض عقوبات جديدة، وضرب الشراكة مع إيران و”حزب الله” عبر السعي لتفكيك تجارة بمليارات الدولارات من أجل ضمان استقرار المنطقة.
التأثير الفعلي للقانون
وفي ما يتعلق بتأثير هذا القانون بشكل عملي وفعلي على الأرض بإيقاف تجارة الكبتاغون، اعتبر أن القانون لن يردع نظام الأسد وشركائه الإيرانيين وفي “حزب الله”، لكنه سيسهم في تقييد هذه التجارة التي تضر مصالح الإقليم، وإظهار عزم واشنطن الثابت في عدم التسامح مع النظام السوري.
“ربما تضاءل اهتمام الولايات المتحدة بالملف السوري خلال الأشهر الماضية لأسباب مختلفة”، يقول الشامي مضيفاً “لكن بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي والتوترات العنيفة في المنطقة، يبدو أن الإدارة الأميركية والكونغرس قد يتراجعان عن فكرة تقليص الدور الأميركي في الملف السوري أو سحب قواتها من الشمال الشرقي والجنوب، لأن ذلك سيحقق لإيران هدفها الرئيسي وهو إخراج القوات الأميركية من المنطقة.
وختم بالتأكيد على أن الصورة أكثر تعقيداً في الشرق الأوسط عما كانت عليه، فيما الوضع المتأزم الحالي يستدعي من أميركا تعزيز ثقلها السياسي والعسكري في المنطقة وممارسة ضغوط أكثر على كل الأطراف.