ذكرت صحيفة “واشنطن بوست”، أن الجيش الإسرائيلي كان في حالة تأهب قصوى، الخميس، بينما تستعد البلاد لـ”رد إيراني محتمل” بعد غارة إسرائيلية في دمشق، بداية الأسبوع، أسفرت عن مقتل قيادات إيرانية رفيعة المستوى، وأثارت مخاوف من اتساع نطاق الحرب عبر المنطقة.
وأعلن الجيش الإسرائيلي عن تعزيز منظومة دفاعاته الجوية واستدعاء قوات احتياط مع إيقاف منح الإجازات لجميع الوحدات القتالية، بالإضافة إلى حجب إشارات نظام تحديد المواقع “جي بي إس” في بعض المناطق.
ونقلت تقارير إعلامية إسرائيلية، بينها “تايمز أوف إسرائيل”، أن القرارات الأخيرة، جاءت بعد “تقييم للتهديدات”، إثر استهداف مبنى ملحقا بالسفارة الإيرانية في دمشق في قصف جوي، خلّف 16 قتيلا من بينهم، 7 أفراد من الحرس الثوري.
الاستعداد لكل السيناريوهات
وصرح وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، الأربعاء، أن بلاده “تزيد من استعدادها” في مواجهة التهديدات من جميع أنحاء الشرق الأوسط، مشيرا إلى غالانت، أن المؤسسة الدفاعية في البلاد “تقوم بتوسيع عملياتها ضد حزب الله، وضد الهيئات الأخرى التي تهددنا”، مؤكدا أن إسرائيل “تضرب أعداءنا في جميع أنحاء الشرق الأوسط”.
وقال غالانت: “علينا أن نكون مستعدين لكل سيناريو وكل تهديد” ضد الأعداء القريبين والأعداء البعيدين، وتعهد بأننا “سنعرف كيفية حماية مواطني إسرائيل وسنعرف كيفية مهاجمة أعدائنا”.
وأكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري، أن التشويش على إشارات نظام تحديد المواقع، في خطوة دفاعية في مواجهة أسلحة معينة مثل الصواريخ والطائرات المسيّرة.
وأضاف “قمنا بتعزيز تأهب وحداتنا القتالية حيث تدعو الحاجة… عززنا الأنظمة الدفاعية ولدينا طائرات جاهزة للدفاع وجاهزة للهجوم في سيناريوهات مختلفة”.
وذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”، أن إسرائيل سحبت بعض سفرائها وأخلت سفاراتها في مواقع متعددة، وطُلب من بعض دبلوماسييها عدم الظهور في المناسبات العامة، بحسب شخص مطلع على الأمر.
ومع تزايد حالة الذعر، أصدرت عدة بلديات إسرائيلية بالقرب من تل أبيب إعلانات لتهدئة السكان وتحديث التوجيهات الخاصة بحالات الطوارئ.
وقالت مدينة حولون، إنها ستفتح ملاجئ عامة، وإذا لزم الأمر، مواقف للسيارات تحت الأرض لمن ليس لديهم مأوى في منازلهم.
وأشار تقرير إخباري لـ”القناة 12″، يعكس تكهنات إسرائيلية بشأن انتقام إيراني، إلى احتمال أن ترد طهران بإطلاق صواريخ مباشرة من أراضيها، وليس عبر أي من وكلائها، وبينهم ميليشيات في لبنان والعراق واليمن.
وفي حين ذكر التقرير أن إسرائيل يمكن أن تكتفي بالسماح لجولة من الأعمال العدائية بالمرور دون تصعيد في حالة ردت إيران عبر أحد وكلائها، فمن المرجح، وفقا المصدر ذاته، أن يدفع أي هجوم ينطلق مباشرة من الأراضي الإيرانية، القوات الإسرائيلية إلى شن عملية كبيرة تفاقم التوترات في المنطقة.
وقال رئيس المخابرات العسكرية السابق، عاموس يادلين، للشبكة: “لن أتفاجأ إذا أطلقت إيران النار مباشرة على إسرائيل”، موضحا أن الهجوم الصاروخي الذي نفذته إيران في شهر يناير على باكستان المجاورة يشكل سابقة.
تعهد بالثأر
ويأتي “تأهب الإسرائيليين” بعد تهديدات الانتقام التي صدرت عن قادة طهران. وقال المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي في بيان، الثلاثاء، في اليوم التالي للهجوم: “سنجعلهم يندمون على هذه الجريمة وغيرها من الجرائم المماثلة بعون الله”.
ومع تعهد الزعيم الأعلى الإيراني بالثأر، تنطوي تبعات الهجوم على السفارة على مخاطر زيادة التصعيد في الصراع الذي يتمدد بالفعل في الشرق الأوسط منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة في أكتوبر.
لكن مسؤولين إيرانيين أشارا لرويترز، إلى أن طهران لن تحيد عن النهج الذي تبنته منذ أكتوبر وهو تجنب الصراع المباشر مع إسرائيل والولايات المتحدة في الوقت الذي تساند فيه الجماعات الحليفة لها التي تضرب إسرائيل والقوات الأمريكية وسفن الشحن في البحر الأحمر في هجمات تقول تلك الجماعات إنها تشنها دعما للفلسطينيين في قطاع غزة.
وقال مصدر إيراني ثالث للوكالة، وهو مسؤول بارز، إن طهران “مضطرة لاتخاذ رد فعل جدي لردع إسرائيل عن تكرار مثل تلك الهجمات أو التصعيد”. لكنه أضاف، أن مستوى الرد سيكون محدودا ويهدف للردع دون أن يدلي بمزيد من التفاصيل.
من جهته، يرجح تقرير لواشنطن بوست، أن تعمد إيران، على الرغم من الخطاب القوي الذي تستخدمه، بمعايرة أي رد بعناية، وذلك بحسب محللين ومسؤولين غربيين وأشخاص مقربين من الجماعات المسلحة المدعومة من إيران.
وقالت مصادر الصحيفة الأميركية، إن البلاد لا تزال تأمل في تجنب الانجرار إلى حرب مكلفة، مع الحفاظ على قدرتها على دعم القوات الوكيلة التي تبادلت إطلاق النار مع إسرائيل وهاجمت حليفتها الرئيسية، الولايات المتحدة، في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وقال متحدث مرتبط بحزب الله، الجماعة المسلحة اللبنانية التي تدعمها إيران، إن الإيرانيين “يعتقدون أن الإسرائيليين يجرونهم عمداً إلى الرد، لإثارة حرب إقليمية أو توسيع الحرب الحالية”.
وقال المتحدث الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الأمر، إن ضربة دمشق كان يُنظر إليها على أنها هجوم على الأراضي الإيرانية، ونتيجة لذلك، فإن أي انتقام من المرجح أن يأتي من إيران نفسها، وليس من حلفائها.
تحذير من “نتائج عكسية”
وكشف تحليل على مجلة “فورين آفيرز”، أن إسرائيل فتحت “خطا جديدا” بالضربة التي وجهتها إلى المجمع الدبلوماسي الإيراني، والذي تعتبره إيران والعديد من الحكومات الأخرى بمثابة ضرب للأراضي الإيرانية نفسها.
وبحسب التحليل، فإن قرار استهداف مسؤولين رفيعي المستوى في ذلك الموقع يعكس اعتقاد الحكومة الإسرائيلية بأن الوقت قد حان للتحرك ضد الأهداف العسكرية الإيرانية أينما كانت.
وأوضح أنه من وجهة نظر إسرائيل، فإن إيران “مقيدة بما فيه الكفاية”، بحيث أن من غير المرجح أن ترد بطرق يمكن أن تؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية خارجة عن السيطرة.
وتابع تحليل المجلة، أن هذا يعني أن إسرائيل قد ترى أن حرب غزة توسّع مجال المناورة ضد إيران وحلفائها بدلا من تقييده.
وإذا كان الأمر كذلك، تقول داليا داسا كاي، هي زميلة أولى في مركز بيركل للعلاقات الدولية بجامعة كاليفورنيا، وباحثة زائرة في برنامج فولبرايت شومان في جامعة لوند بالسويد، في تحليلها،، فمن المحتمل أن الإسرائيليين يستهينون بمدى عدم استقرار الأوضاع في المنطقة حاليا وصعوبة التنبؤ بما قد يحدث.
وأضافت، أنه قد يتضح أن الهجوم كان خطأ فادحا في التقدير، مما يؤدي إلى عواقب وخيمة، ليس لإسرائيل فحسب، بل للمنطقة برمتها.
وفيما عاد التحليل إلى صدام إيران وإسرائيل على أكثر من ساحة وجبهة، من غزة ولبنان وسوريا والعراق وصولا إلى البحر الأحمر، اعتبر أنه في ظل هذه البيئة الخطيرة، هناك “خطر متزايد” من أن تؤدي الضربات الإسرائيلية على أهداف إيرانية إلى “نتائج عكسية”.
واعتبر التقرير، أنه خلال سعي إسرائيل لإضعاف إيران ووكلائها، فإنها تأخذ “مخاطرة كبيرة” إذ أن طهران قد تشعر بالحاجة للرد في مرحلة ما ضد إسرائيل مباشرة، ويبدو أنها تواجه ضغوطا متزايدة في الداخل للقيام بذلك.
وذكر التحليل أن ميليشيات عراقية بدأت بالفعل في مهاجمة إسرائيل، حيث أطلقت هجومًا بطائرة مسيرة على قاعدة بحرية إسرائيلية في إيلات في الليلة السابقة التي سبقت الضربة الإسرائيلية في دمشق. كما وجه الحوثيون في اليمن صواريخ إلى جنوب إسرائيل.
“الموقف الخطير”
وفيما ذكر تحليل ذاته أن إسرائيل قد ترى أن مثل هذه المخاطر يمكن إدارتها، يشير إلى أن ” تنامي الشعور بالإفلات من العقاب”، لا يمثل خطرا على إسرائيل فحسب، بل هو “موقف خطير يمكن أن يعرض المصالح والأرواح الأميركية للخطر بشكل مباشر”.
فبعد هجمات إسرائيلية سابقة على أهداف إيرانية في سوريا قبل حرب غزة، اختارت إيران الانتقام من القوات الأميركية عن طريق ميليشياتها في العراق وسوريا.
وبدءًا من عام 2021، شنت الجماعات المدعومة من إيران أكثر من 80 هجوما على القوات الأميركية حتى تم التوصل إلى اتفاق لتهدئة غير رسمي بين إيران والولايات المتحدة في منتصف عام 2023، وفقا للمصدر ذاته.
وبعد بدء الحرب في غزة، استؤنفت الهجمات على القوات الأميركية وبشدة أكبر. ففي يناير، نفذت ميليشيا مدعومة من إيران في العراق هجومًا بطائرة مسيرة أسفر عن مقتل ثلاثة من أفراد الجيش الأميركي في الأردن.
وردت الولايات المتحدة على الهجوم عبر سلسلة من الضربات ضد الجماعات المدعومة من إيران في العراق وسوريا. ومنذ تنفيذ هذه الضربات، يشير التقرير إلى تراجع منسوب العنف ضد القوات الأميركية في المنطقة.
والآن مع الضربة الإسرائيلية في دمشق، قد يكون هذا التوقف معرضا للخطر، بحسب المجلة التي تشير إلى أنه في غضون ساعات من الضربة الإسرائيلية، أسقطت القوات الأميركية المتمركزة في سوريا طائرة مسيرة هجومية كانت تحلق بالقرب منها.
وترى المجلة أن حرب غزة “تعزز الحوافز الإسرائيلية القوية بالفعل لمزيد من التصعيد العسكري مع إيران، وليس العكس”.
وعمل القادة الإسرائيليون تحت افتراض، قبل الحرب وبعدها، أن الصراع مع إيران يمكن احتواؤه، بينما تحقق إسرائيل أهدافها المتمثلة في تدهور المحور الإيراني مع تحسين العلاقات مع الدول العربية التي تخشى إيران بشكل مماثل.
وكانت تلك الافتراضات خاطئة حتى قبل 7 أكتوبر. ولكن في خضم اعتداء مستمر على غزة ومقتل مدنيين فلسطينيين على نطاق لم يكن متصورا من قبل، “تلعب إسرائيل بالنار”، وفقا للمصدر ذاته.
ويبقى الخطر، بحسب “فورين أفيرز”، أنه في مرحلة ما، ستدفع إسرائيل ثمنا أعلى لهجماتها مما كانت تتوقع. وفي هذا السيناريو، من المحتمل أن تتأثر الولايات المتحدة أيضا.