لا تزال أصداء قرار البرلمان الأوروبي الذي أكد على العودة الآمنة والطوعية للنازحين السوريين في لبنان تتردد في الأوساط اللبنانية كافة وسط اعتراض واسع، في وقت اصطدمت فيه الجهود والخطة التي وضعتها الحكومة اللبنانية للعمل على عودة النازحين السوريين لبلدهم بقرار مفاجئ لوزير الخارجية عبدالله بو حبيب يقضي بالتنحي عن رئاسة الوفد، مما قد يؤجل المضي قدماً بالزيارة المرتقبة للوفد الرسمي إلى دمشق للبحث مع الجانب السوري في تفاصيل تنفيذ خطة الحكومة.
وأتى اعتذار وزير الخارجية عن ترؤس الوفد بعد شهر ونصف شهر على تكليفه في اجتماع حكومة تصريف الأعمال ليزيد من الالتباسات التي تحيط بمهمته، وفتح الباب أمام اجتهادات عدة في تفسيره، وربطه كثيرون بقرار البرلمان الأوروبي الذي عكس رغبة دولية في عدم حصول العودة حالياً، مما دفع بو حبيب إلى الاعتذار طالما أن الطريق مسدود أمام العودة، فيما يؤكد مصدر دبلوماسي في الخارجية أن الطرفين الأساسيين المرتبط بهما هذا الملف، أي المجتمع الدولي والدول العربية غير مستعدين بعد لتمويل العودة وإعادة الإعمار، بالتالي فإن أي كلام آخر هو للاستهلاك ولا يقدم أو يؤخر في الملف.
واعتبر آخرون أن اعتذار بو حبيب عن ترؤس الوفد الرسمي إلى سوريا يندرج في إطار حساباته السياسية، وله علاقة بالنقاش المستمر على الصلاحيات في غياب رئيس الجمهورية بين “التيار الوطني الحر” الذي يمثله بو حبيب في الحكومة ورئيسها نجيب ميقاتي، إضافة إلى ارتباطات وزير الخارجية الأميركية خصوصاً أنه كان سفيراً سابقاً للبنان لدى الولايات المتحدة.
وكان وزير المهجرين عصام شرف الدين، ممثل الحزب “الديمقراطي اللبناني” حليف نظام الأسد في لبنان العائد من سوريا مبشراً باستعداد الجانب السوري للتنسيق والتعاون والبحث بالنقاط المشتركة بين البلدين، أول المنتقدين لقرار زميله. واعتبر أن اعتذار بو حبيب تسبب في إضاعة الوقت، وقال لـ”اندبندنت عربية” “ليتنا لم نكلفه”، مؤكداً أنه سيطلب في جلسة الحكومة الإثنين المقبل تعيين بديل عنه، قد يتم اختياره من بين الوزراء الثمانية المشاركين بالوفد، بينما أكدت مصادر حكومية أنه “لا جلسة للحكومة الإثنين، وأن قرار زيارة الوفد اللبناني إلى سوريا وتعيين بديل عن بو حبيب لترؤس الوفد لن يحصل قبل اجتماع اللجنة العربية الخماسية المقرر في الـ16 من أغسطس (آب) المقبل في القاهرة، التي شكلت بعد اجتماع عمان لبحث الأزمة السورية، بالتالي فإن لبنان لن يتفرد بقرار العودة بانتظار الخطة العربية الجامعة”.
جدول أعمال لا يسمح
تضمن البيان الصادر عن وزارة الخارجية تبريرات لقرار الوزير بعدم ترؤس الوفد الرسمي المفترض أن يزور دمشق، ضمن موعد كان يفترض أن يحدده بو حبيب فور تكليفه ولم يفعل. وذكر بيان الخارجية بأن “صلاحيات وزير الخارجية في ملف النازحين مرتبطة بالشق السياسي والدبلوماسي، وهو ما يقوم به حاضراً ومستقبلاً وبالتنسيق مع رئيس الحكومة، أما الأمور التقنية فتعود صلاحية متابعتها للوزراء والأجهزة المتخصصة كل ضمن اختصاصه، بما يتكامل ولا يتعارض مع الشق المناط بوزير الخارجية والمغتربين”.
ومن أسباب الاعتذار أيضاً وفق البيان أن جدول أعمال وزارة الخارجية في الأشهر المقبلة حافل باللقاءات والمؤتمرات التي تتطلب حضوراً ومشاركة رفيعة المستوى، وأكد مصدر دبلوماسي في الخارجية أن اعتذار الوزير بو حبيب عن ترؤس الوفد اللبناني ليس موقفاً سياسياً ولا يخفي كما يقال أية نية بعدم زيارة دمشق، مذكراً بأن بو حبيب ترأس الوفد اللبناني الذي زار سوريا لتقديم الدعم بعد الزلزال، وهو عضو في اللجنة الخماسية العربية التي انبثقت عن اجتماع عمان لمتابعة ملف سوريا وسيشارك في اجتماع اللجنة بالقاهرة.
وأضاف المصدر أن “بو حبيب يتابع ملف النازحين السوريين سياسياً ودبلوماسياً، ضمن حدود سياسة الدولة اللبنانية، في المكان المناسب حيث البحث جار عن الحل السياسي تمهيداً لتأمين العودة، تاركاً الشق التقني للوزراء المعنيين، ويتجنب الوزير الدخول في سجال مع منتقديه وخصوصاً مع وزير المهجرين”.
ويؤكد المصدر الدبلوماسي في الخارجية أن السبب الآخر الذي دفع بوزير الخارجية إلى الاعتذار عن ترؤس وفد لبنان هو ارتباطه بمواعيد كثيرة في الفترة المقبلة، مما قد يؤخر زيارة الوفد إن بقيت مرتبطة به وفي جدول أعماله اجتماع اللجنة العربية الخماسية في منتصف أغسطس واجتماع مجلس الأمن في نيويورك في أواخر الشهر نفسه، المخصص للتمديد لعمل القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان، كما سيحضر اجتماع وزراء الخارجية العرب في مطلع سبتمبر (أيلول) المقبل.
تناقض في التوقعات
يشكك لبنانيون في إمكان تحقيق خرق قريب في ملف عودة النازحين السوريين، ويذهب بعضهم إلى القول إن المأمول من زيارة الوفد الرسمي اللبناني صفر، خصوصاً أنها لن تكون الأولى وسبقتها زيارات لوزراء عديدين، إضافة إلى أن التبادل الدبلوماسي بين البلدين لم ينقطع لكنه لم ينجز شيئاً على هذا الصعيد. ويعتبر بعضهم أن كل الكلام عن معالجة أزمة النازحين السوريين منذ ثلاثة أشهر حتى اليوم لم يقدم أية خطوة إيجابية في هذا الاتجاه، ومنها على سبيل المثال التصنيف بين العاملين والنازحين، وهذا من اختصاص وزير العمل مصطفى بيرم المقرب من “حزب الله” الذي لم يحرك ساكناً في هذا الخصوص، مما يطرح أكثر من علامة استفهام حول هذه المسألة.
في المقابل يبدي وزير المهجرين عصام شرف الدين الذي زار سوريا ثلاث مرات منذ توليه منصب الوزارة للبحث بملف النازحين السوريين تفاؤلاً كبيراً بمعالجة الملف، ويؤكد أنه لمس في زيارته الأخيرة تجاوب الجانب السوري الكامل لمطالب الدولة اللبنانية التي سبق وعرضها لبنان العام الماضي ومنها تأمين مراكز إيواء، وإمكان عودة المواطنين السوريين للقرى الصالحة للسكن الذين لم تتعرض منازلهم إلى أضرار.
ويؤكد شرف الدين أن لبنان يتحمل مسؤولية التأخير في معالجة الملف خصوصاً بعد اعتذار وزير الخارجية عن ترؤس الوفد وتأخير الزيارة التي كان يفترض أن تحصل فور تشكيل الوفد في الحكومة، ويقول “كان يجب أن نزور سوريا منذ عام ونطرح خطتنا لمعالجة ملف النازحين وألا ننتظر أن يأتي المسؤولون السوريون إلى لبنان ليسألونا ماذا نريد”.
ويستند شرف الدين في تفاؤله إلى ما سمعه في زيارته الأخيرة إلى دمشق من استعداد لإعادة 180 ألفاً في المرحلة الأولى، و15 ألفاً كل شهر في مرحلة لاحقة، مع القبول برفع العدد تدريجاً كما يقول، مضيفاً “كان يمكن أن يكون عاد حتى اليوم 300 ألف نازح إلى بلاده لولا أن الحكومة اللبنانية تأخرت في إيفاد الوفد الرسمي للتفاوض مع الجانب السوري”.
ويتحدث وزير المهجرين عن أربعة بنود جديدة أضيفت إلى ورقة الحكومة اللبنانية التي سيحملها الوفد الرسمي إلى سوريا، التي سيناقشها كل وزير مع نظيره السوري المختص. والوفد يضم وزراء المهجرين والشؤون الاجتماعية والعمل والإعلام والسياحة والزراعة والثقافة إضافة إلى المدير العام للأمن العام والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع، وسيطلب شرف الدين أن ينضم إلى الوفد أيضاً وزير الدفاع لاختصاصه بموضوع تأجيل خدمة العلم.
أما بالنسبة إلى “مكتومي القيد” فهو من صلاحيات وزير الداخلية الذي رفض أن يكون في عداد الوفد، وقد ينوب عنه المدير العام للأمن العام، أما البند المتعلق بالسكن والقوافل فمن اختصاص وزيري الشؤون الاجتماعية والمهجرين، وتفكيك الخيام في المخيمات يكون بالتنسيق بين الوزارتين والمديرية العامة للأمن العام، التي يجب أن يسبقها خطوات عدة كوضع الاستمارات وتسجيل الأسماء والقرى التي نزحوا منها ومدى قابليتها للسكن، والتأكد من سجلاتهم وبأنهم غير مطلوبين بدعاوى إرهابية أو قضائية أو لخدمة العلم، تمهيداً للتمييز بين من ينطبق عليه صفة العودة الآمنة، ومن يجب أن يسلم للقضاء.
ويرى شرف الدين أن “الدولة السورية قدمت كل التسهيلات أما التأخير فهو من الجانب اللبناني، ويعتبر أن المشكلة الأساسية هي لدى الدول المانحة التي تضغط على مفوضية اللاجئين لعدم القبول بلجنة ثلاثية، لكن على رغم ذلك فإن لبنان محمي بالقانون ويمكن أن يشكل لجنة ثنائية مع الجانب السوري والمباشرة بالعمل الفوري”.