تأسف المتخصصة في الشأن القانون بمجال الطاقة كريستينا أبي حيدر من “عدم استفادة لبنان بصورة كافية من موارد الطاقة المتجددة، أي الوفرة في الماء والهواء والشمس، وهو يعد من الدول الغنية فيها”، و”قد سلك الطريق التقهقري على مستوى الطاقة الكهرومائية على غرار المجالات الإنتاجية والاقتصادية كافة”، كما تطالب بصيانة معامل الطاقة الكهربائية في رشميا ونهر البارد ونهر إبراهيم ونهر قاديشا، و”هي لا تحتاج إلا إلى قليل من المال لتأهيلها، أو زيادة التوربينات”، مقترحة “إعادة تكليف القطاع الخاص تشغيلها أو الطلب من الجهات المانحة إعادة تأهيلها والاستفادة من البنية التحتية المتوافرة لتطويرها وتأمين إنتاج كهربائي منتظم لأن لبنان غني بالأنهار، ويمكن الاعتماد عليها لتوليد الطاقة 24 ساعة طوال 8 أشهر من دون الحاجة إلى بطاريات ومساحات كبيرة لتخزين الطاقة”.
وتعتقد أبي حيدر أن الأزمة فتحت الباب أمام “الحلول الفردية”، وقد وصلت الطاقة الشمسية إلى مرحلة الإشباع على مستوى التركيب الذي بلغ مداه الأقصى خلال السنتين الماضيتين بسبب الانقطاع التام للتيار الكهربائي.
تشريع الطاقة البديلة
تلفت كريستينا أبي حيدر إلى “الفراغ التشريعي” بسبب تأخر مجلس النواب عن اللحاق بالحركة الصاعدة للقطاع، واستمرار سياسة الامتياز، و”الاحتكار الممنوح لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان”، مشيرة إلى العمل على وضع “قانون الطاقة المتجددة الموزعة”، الذي لم يقر في مجلس النواب بعد وسط مخاوف جدية من دخول السياسة ووزارة الطاقة على خط التعطيل في ظل غياب الهيئة الناظمة وعدم تكوينها بعد.
وتتطلع أبي حيدر إلى إبعاد السياسة عن قطاع الكهرباء، وقانون يكسر احتكار كهرباء لبنان، ويسمح بتبادل “طاقوي” بين القطاع الخاص، من أجل السماح ببيع الفائض، وكذلك تخفيض الانبعاثات الدفيئة، والسماح باستجرار الطاقة من الحقول الشمسية، وصولاً إلى انطلاق مسيرة الحلول المجتمعية من خلال إنشاء مزارع طاقة في المناطق والبلديات واستخدام الشبكة العمومية لتوزيع الطاقة.
من جهته يكشف النائب سجيع عطية رئيس لجنة الأشغال العامة في البرلمان اللبناني عن إنجاز مشروع القانون المتعلق بالطاقة المتجددة وإرساله إلى الأمانة العامة لمجلس النواب. ويؤكد “لقد وضع القانون على جدول الهيئة العامة لمجلس النواب، وسيعرض للمناقشة والتصويت عليه لإقراره في أول جلسة تشريعية”.
يعتقد عطية أن القانون يشكل نقلة نوعية في مجال الطاقة البديلة في لبنان، وسيؤدي إلى تنظيم القطاع بعد طول انتظار، مشيراً إلى أن “استمرار نمو قطاع الطاقة البديلة سيجعل البلاد في غنى عن إنشاء معمل إضافي ثالث لنتاج الكهرباء الحرارية” إلى جانب معملي دير عمار في شمال لبنان، والزهراني في الجنوب، كما يذكر بمشاريع إنتاج الكهرباء من خلال الطاقة الهوائية في جبال أكروم عكار، والتي تأخرت عن العمل لأسباب مختلفة من ضمنها غياب الإطار التشريعي، وعدم وجود التمويل، ناهيك بالمخاوف واعتراض الأهالي عليها، لأن “وجود مراوح كبيرة قد يتسبب في تحفيز الحرائق في الأحراج”.
الطاقة الشمسية والنهوض المستمر
شكلت أزمة انقطاع الكهرباء مناسبة لنهوض قطاع الطاقة الشمسية في لبنان. ويشدد بيار خوري رئيس المركز اللبناني للطاقة على أهمية المراحل التي قطعتها البلاد لتحقيق الهدف المنشود في عام 2030، وصولاً إلى “إنتاج 30 في المئة من حاجات لبنان من الكهرباء من خلال أنظمة الطاقة الشمسية، وربما أكثر من ذلك”.
بلغ حجم الطاقة المنتجة بواسطة أنظمة الطاقة الشمسية خلال الأشهر الماضية 1000 ميغاواط التي تحققت في يونيو (حزيران)، وهو رقم يعادل ثلث الحاجة الظرفية للبنان. ويلفت خوري إلى آلية احتساب الكمية المنتجة، “من خلال اللجوء إلى قيود الجمارك واكتشاف عدد أنظمة الطاقة الشمسية المستوردة إلى لبنان، ومن ثم إجراء المطابقة مع تلك التي قامت الشركات والمؤسسات بتركيبها، وقياس حجم الطاقة المنتجة منها”، كما يشير أيضاً إلى أن “تأثر تصميم نظام الطاقة الشمسية بالحاجة الاستهلاكية للمواطن، إذ لا يمكن للأنظمة الصغيرة تشغيل أنظمة التبريد، بالتالي لا بد من زيادة الألواح لمضاعفة الكهرباء المخزنة”، مكرراً الحديث عن “الطلب عن الطاقة المكبوت”، أو “القمع الطاقوي” الذي يعيشه الناس خلال الأزمة ويتراجعون عنه في فترات الراحة، والانتقال إلى الاستهلاك العالي للكهرباء (زيادة الطلب) مع زيادة الناتج المحلي والنمو.
ويعول خوري على زيادة الوعي بين الناس وعلى الكفاءات البشرية والهندسية من أجل “قطاع إنتاجي آمن”، منوهاً بأنه “قامت الفرق الهندسية بتركيب 70 ألف نظام طاقة شمسية في مختلف المناطق، ولم يبلغ عن حوادث في أكثر من 20 حالة، وهذا يشي بأن عملية التركيب تحصل بكفاءة عالية بفضل المتخصصين والتقنيين المهرة”.
ليست طاقة بديلة عن الدولة
يجمع المتخصصون على أن إنتاج الكهرباء من خلال أنظمة الطاقة الشمسية في الحالة اللبنانية، هو أمر جيد لأنه يخفف الانبعاثات واستخدام الوقود الأحفوري، لا يغني عن وجود مؤسسات دولة قوية، وقطاع طاقة متكامل ومنتظم. وتجزم كريستينا أبي حيدر بـ”ضرورة وجود استراتيجية عامة على مستوى دولة، لا خطوات أفراد للاستهلاك الخاص، لأن اللبناني بحث عن حل بديل وموقت بسبب حالة اليأس التي أوصلته الدولة إليها، وجعلته يعيش على العتمة”، كما تنبه إلى أنه “لا يمكن من الناحية تركيب نظام طاقة بديلة يتضمن عدداً كبيراً من البطاريات، بالتالي لا بد من اللجوء إلى الطاقة المنتجة في المعامل الحرارية لتشغيل التكييف والتبريد، لذلك هذه الحلول متكاملة”، متخوفة من “ثورة بيئية في المستقبل بسبب البطاريات المعطلة التي تحتاج إلى التدوير”، كما تحذر من “القنابل الموقوتة داخل الأحياء، والتي تتمثل بمولدات الاشتراك الخاصة”، لافتة إلى “الكهرباء حق من حقوق الإنسان، ولا يمكن حرمان شرائح من الناس منها، أو إعادتهم إلى عصر العيش على الشمعة”.
عملية متكاملة
من جهته يؤكد بيار خوري أنه “يبقى الأساس في حل مشكلة الكهرباء بتفعيل معامل مؤسسة كهرباء لبنان، وتأتي الطاقة المتجددة لسد النقص في الإنتاج، وتأمين طاقة نظيفة وصديقة للبيئة”، متحدثاً عن سلسلة إجراءات متكاملة لبناء قطاع طاقة متجددة فاعل وآمن، تبدأ بضرورة التوعية وبناء القدرات والتدريب من أجل الانتقال إلى “قطاع يعمل بالشكل الصحيح”، والتي تترافق مع إقرار التشريعات التي بدأ العمل عليها في 2019، إضافة إلى التمسك بالمواصفات الإلزامية التي تمنع دخول أية بضائع غير مطابقة من دخول إلى السوق اللبنانية عبر المطار والمرافئ البحرية، والتي تختبر في مركز البحوث الصناعية، وصولاً إلى قرار المجلس الأعلى للتنظيم المدني التي حددت الشروط الهندسية لتركيب أنظمة الطاقة الشمسية على أسطح المباني.