يدخل لبنان أسبوعاً يتقاسمه الخطرُ العسكري «المرابط» فوق الجنوب وما بعده رغم عودة المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران إلى خطوط «حرب الظلّ» وقواعدها «المكشوفة»، والأجندةُ السياسية التي تستعيد ديناميتَها اضطرارياً ليس لمعاودة إطلاق عجلة الحُكم وتأمين انسيابية النظام التشغيلي للدولة عبر الإفراج عن الانتخابات الرئاسية، بل لنقل «عدوى» التمديد إلى المجالس البلدية والاختيارية (سنة حتى 31 مايو 2025) ليتعمّق واقعُ الدولة التي تكاد أن تتحوّل «هيكلاً عظمياً».
وفي حين سـ «يختبئ» التمديد الثالث على التوالي للبلديات (بعد 2022 لتزامُن الانتخابات المحلية مع الاستحقاق النيابي و2023 بسبب النقص في الاعتمادات وجاهزية القوى الأمنية) بالحرب المشتعلة في الجنوب وعدم جواز «التمييز» بين المناطق ومجالسها المحلية أو إعطاء انطباعٍ ببدء «فرز جغرافي» يستنبط طروحاتٍ تحمل لواء تغيير التركيبة وفق أطرٍ لامركزية وأكثر، فإنّ هذا التطور الذي سيتم استيلاده يوم الخميس في جلسة تشريعيةٍ للبرلمان لن يحجب اهتماماً موازياً بالأزمة الرئاسية التي أعيد تشغيل المحركات الديبلوماسية لمحاولة تفكيك تعقيداتها المستحكمة منذ صيف 2022 ولكن وسط اقتناعٍ بأن كل ما يجري على تخومها لا يعدو كونه «حركة بلا بركة».
ورغم الانطباع بأن قَفْزَ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى دفّة قيادة جهود بلاده في ما خص إنهاء الشغور الرئاسي (بدأ في 1 نوفمبر 2022) يعكس تزخيماً عالياً للدور الفرنسي الذي يَنتظم أساساً تحت سقف «مجموعة الخمس حول لبنان» (تضمّ أيضاً كلاً من الولايات المتحدة والسعودية ومصر وقطر) التي كان شكّل نواتَها تَحَرّكٌ أوّلي لباريس، فإن العارفين بخفايا الملف الرئاسي لا يُخْفون أن ما يشهده ليس إلا «قفزاتٍ في الهواء» في ظلّ مراوحة هذه الأزمة في «فقاعة» منفوخة برياح حرب غزة وعدم استعدادِ مَن يملك أزرار «السيطرة والتحكّم» أي حزب الله للإفراج عن الاستحقاق قبل سكوت المدافع.
وإذ يصرّ «حزب الله» في ثباته على «استحكاماته» السياسية رئاسياً على التمسك بمرشحه سليمان فرنجية مشترطاً لأي صيغةِ تَشاوُرٍ أو حوارٍ تسعى «الخماسية» لتوفير أرضية مشتركة حيالها، أن تكون برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري وبهدف إقناعِ الآخَرين بمرشحه وطمأنتهم بالضمانات التي يريدونها، وهو ما يُشكّل شرطاً ناسفاً لأي لقاء تشاوري بحسب موقف قوى المعارضة، فإنّ العارفين أنفسهم يعتبرون أن سفراء «الخماسية»، الذين سيعاودون الاجتماع ببري في الساعات المقبلة لوضعه في خلاصات جولتهم على القادة السياسيين، لا بد أنهم يدركون ودولهم أنّ أوان تصاعُد الدخان الأبيض الرئاسي لم يحن بعد وأن أي ترتيبٍ لهذا الاستحقاق لن يكون ممكناً من دون تَقاطُعٍ لا يكتمل نصابه إلا على قاعدة «الخمس + 1» أي إيران ومهما طال الوقت أو اشتدّ عضّ الأصابع الداخلي.
وبحسب العارفين فإن هذا الواقع يضع تحرّك «الخماسية» أكثر في إطار محاذرة رفْع «الراية البيضاء» والحرص على إبقاء الشعلة متّقدة إلى أن تدقّ ساعة الانفراج، لأنّ عَكْسَ ذلك سيعني أمرين: أولاً استسلاماً من دول كبرى وذات ثقلٍ دخلتْ مساراً إذا لم يكن ممكناً التقدم فيه حتى الآن فبالتأكيد ليس بالمستطاع التراجع عنه والانسحاب في منتصف الطريق. وثانياً «ترْك الساحة» الاقليمية – الدولية لإيران لتملأ فراغاً سياسياً، وهو ما يجعل تالياً ديناميةَ مجموعة الخمس أقرب إلى إعداد المسرح و«ضبْط موازينه» للحظة الحلّ الذي يُعتقد أنه يُراد أن يكون على قاعدة حق التسمية للخماسية والفيتو لحلفاء إيران لاسيما في ضوء ما عبّرت عنه حربُ المشاغلة في الجنوب وتفرُّد «حزب الله» بقرار فتْحها من مخاوف تعمّقتْ حيال ترْك لبنان ينجرف أكثر نحو طهران ومحورها.
وفي السياق نفسه، وعلى وقع رصْدٍ لنتائج زيارة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لماكرون، الذي التقى أيضاً قائد الجيش العماد جوزف عون، على صعيد إمكان احتواء الوضع على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية عبر الورقة الفرنسية التي ترتكز على تطبيق القرار 1701 وتعزيز حضور الجيش اللبناني و«اليونيفيل» جنوب الليطاني، فإن العارفين أنفسهم لا يراهنون على أن تنجح باريس حيث لم تفعل في الأشهر الأخيرة، وذلك بمعزل عن حقيقة أن تعديلاً طرأ على مبادرتها ويتصل بإسقاط مطلب إبعاد «حزب الله» عن الحدود مع اسرائيل أم لا، باعتبار أن «العطب» الأساسي في أي طرح يشكّله ارتكازُه على الفصل بين جبهة الجنوب وغزة، وهو ما أدركتْه واشنطن وموفدها آموس هوكشتاين.
لقاء باريس
وإذ كان نائب الأمين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم يؤكد المؤكد في هذا الشأن بإعلانه عبر شبكة news NBC الأميركية «أننا نربط بين المواجهة في الجنوب وما يجري في غزة وليس لدينا نقاش بأي حل يوقف المواجهة في الجنوب وهي مستمرة في غزة»، فإن موقفاً مشتركاً لفرنسا وإيطاليا كرّر فيه البلدان «أهمية العمل الجَماعي بهدف وقف التصعيد على طول الحدود بين لبنان وإسرائيل وفق ما جاء في القرار 1701».
وبحسب بيان مشترك وزّعته السفارة الفرنسية لرئيس أركان الجيوش الفرنسية وقائد الجيش اللبناني ورئيس أركان الدفاع الايطالي عن لقاء عقدوه في باريس (يوم الجمعة) أنه بعد حفل التكريم العسكري «تناول اللقاء التوترات الإقليمية التي تواجه لبنان، وتم تأكيد (…)الدور الأساسي لليونيفيل باعتبارها عاملاً للسلام والأمن وحماية المدنيين في المنطقة، بالتعاون الوثيق مع الجيش اللبناني السيد على كل أراضيه».
وأضاف: «تم التأكيد ايضاً على دعم الجيش اللبناني الضامن للاستقرار الوطني وعلى التزام فرنسا وإيطاليا باستقرار وسيادة لبنان التي تبقى أولوية».
في موازاة ذلك، حافظ الميدان جنوباً على سخونة بدتْ متعمّدة من طرفي المواجهة:
– اسرائيل بعد ردّها «المكتوم» في أصفهان الإيرانية وذلك تثبيتاً لقواعد الاشتباك التي لا تنفكّ «تتطوّر» مع الذراع الأقوى لطهران أي حزب الله.
– و«حزب الله» الذي يرمي إلى تأكيد أن ما أسماه رئيس كتلة نوابه محمد رعد «الردّ الذي كان بمثابة رسالة مرمّزة من العدو مفادها التوسل بأننا نكتفي بهذا المقدار من الاشتباك وحصل هذا الأمر»، لن يثني الحزب عن المضي في «الحرب المحدودة» والتحفّز لأي خروج اسرائيلي عن الضوابط وملاقاتها «بما يلزم».
استهدافات متبادلة
وقد شهدت جبهة الجنوب أمس، تطورات عدة حيث عمّق الطيران الحربي الاسرائيلي استهدافاته وأغار على مرتفعات الجبور قرب القطراني – البقاع الغربي وخراج بلدة السريرة (منطقة جزين) في ما يسمى جبل ابوراشد، في موازاة غارات على عيتا الشعب والناقورة ومجدل زون.
وكان الجنوب عاش ليلة ملتهبة تخللها إغارة الطيران الحربي الاسرائيلي على منزل مؤلف من 3 طبقات في بلدة طيرحرفا في القطاع الغربي، ما ادى الى تدميره تدميراً كاملاً وأضرار جسيمة بالممتلكات والبنى التحتية والمنازل المحيطة، إضافة إلى قصف مدفعي لبلدات عدة.
في المقابل نفّذ «حزب الله» سلسلة عمليات ضد مواقع اسرائيلية فاستهدف «مبنى يستخدمه جنود العدو في مستعمرة شوميرا، بلدة طربيخا اللبنانية»، ثم «التجهيزات التجسسية المستحدثة التي تمّ رفعها في محيط ثكنة دوفيف» و«نقاط انتشار جنود العدو جنوب موقع جل العلام بصواريخ بركان» و «التجهيزات التجسسية المُستهدفة في موقع مسكاف عام».