على الرغم من جميع الكلام الإيجابي عن مفاوضات وقف إطلاق النار في لبنان، فإن أجواء دولية أخرى تشير إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستند إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب لتحقيق مشروعه في المنطقة، ما يعني أن الحرب الإسرائيلية قابلة للاستمرار حتى الربيع المقبل، فيأخذ الإسرائيليون كل هذه المدة كمحاولة لتغيير الوقائع العسكرية، وبعدها يكون ترامب قد دخل البيت الأبيض وعمل على تشكيل إدارته وبدأ بالسعي لوقف الحرب بما يتلاءم مع مصلحة إسرائيل، وهو الذي قال إنه يريد «زرع السلام» في المنطقة، وبناءً على ذلك سيشتد الضغط الأميركي سياسياً، فضلاً عن الضغط الإسرائيلي عسكرياً، في محاولة لفرض اتفاق سلام مع لبنان وسورية، في سياق إعادة إحياء «معادلة تلازم المسار والمصير».
فما يتردد دولياً هو أن إسرائيل لن تقبل بإعادة الوضع إلى ما كان عليه، وأنها تريد تكريس مرحلة جديدة وفق مصلحتها مستندة إلى دعم دولي كبير ومطلق، ومن خلاله تريد فرض «اتفاق» سلام أو إذعان على لبنان، الذي لا يزال يؤكد أنه لا يمكن أن يوافق على هذا المسار، ولذلك يتمسك لبنان باتفاق الهدنة الصادر عام 1949، من دون فتح حدود أو سفارات أو علاقات، مع التشديد والمطالبة بخروج الإسرائيليين من المناطق التي احتلوها.
دون ذلك تحاول إسرائيل فرض أمر واقع مختلف من خلال إدخال الأميركيين بشكل مباشر إلى جنوب لبنان. وبحسب المصادر يمكن اعتبار أن المقترح الأميركي المقدّم لوقف إطلاق النار من شأنه أن يفتح مساراً جدياً لأي اتفاق، لكن الأساس أن وقته لم يحن بعد بالنسبة إلى الإسرائيليين.
إذ بحسب ما تقول مصادر دبلوماسية، فإن تل أبيب تريد كسب المزيد من الوقت لتوسيع نطاق عملياتها العسكرية، وفرض أمر واقع عسكري، وأن الحدّ الأدنى الذي تطالب به هو أربعة أسابيع، لتغيير بعض الوقائع ودفع لبنان إلى القبول بشروطها، على قاعدة أن ما هو مرفوض حالياً يجب أن يُقبل بقوة الدفع العسكري، فيما يراهن «حزب الله» على كسر هذه المعادلة.
في سياق وضع المزيد من العراقيل في طريق الوصول إلى اتفاق، كسباً للوقت، سرّب الإسرائيليون أنهم يرفضون أي مشاركة لفرنسا في عمل لجنة المراقبة لآلية تطبيق القرار 1701. هذا الرفض له أكثر من هدف إسرائيلي، أولاً، الردّ على رفض لبنان أي دور لبريطانيا وألمانيا، ثانياً، ما يسعى الإسرائيليون إلى تسويقه حول عدم ثقتهم بقوات اليونيفيل التي لم تتعامل كما يريدون مع «حزب الله» بين عامي 2006 و2023، وأن تغاضي قوات الطوارئ الدولية سمح للحزب بتعزيز قدراته العسكرية إلى حدود بعيدة. لذا، تطالب تل أبيب بتغيير آلية عمل «اليونيفيل»، وتصرّ على أن يترأس لجنة المراقبة جنرال أميركي، وأن تتمتع اللجنة بصلاحيات واسعة لاتخاذ قرارات منع الحزب من إعادة بناء قدراته العسكرية.
الإصرار الإسرائيلي على دخول جنرال أميركي إلى جنوب لبنان له أهداف بعيدة المدى، خصوصاً أن هذا الجنرال لن يكون وحيداً في الجنوب، بل سيرافقه عدد كبير من الجنود، وسط مطالب إسرائيلية بأن يشرف الأميركيون بقواتهم العسكرية على حسن تطبيق القرار والاتفاقات الملحقة به، ما يعني الحاجة إلى وجود حوالي 200 جندي أميركي أو أكثر.
ويسعى الإسرائيليون من وراء ذلك إلى تغيير كل الوقائع في جنوب لبنان، من خلال إدخال الأميركيين الذين غادروا لبنان عسكرياً عام 1983 بعد تفجيرات المارينز والسفارة الأميركية.