ورأى الرحباني أن «الأوضاع في لبنان تزداد سوءاً يوماً بعد يوم… الناحية الأمنية ضعيفة، والشأن الاقتصادي متردٍ تماماً، كما أن التعاطي والتجاوب مع المشاكل يتم بطريقة سيئة ولا يعطي حلولاً».
وبسؤاله عن إمكانية إقامة ليلة ثانية من حفل «ليلة أمل»، الذي نظّمه منذ أكثر من عام للوقوف بجانب الدولة اللبنانية في أزمتها، قال: «أعترف بأن تنظيم مثل هذه الحفلات في الوقت الراهن أمر صعب للغاية، حفل (ليلة أمل) أخذ وقتاً طويلاً من أجل التحضير له، وكان عبارة عن صرخة ضد الوضع القائم في لبنان، وجاء بعد أسبوع واحد من الانتخابات النيابية التي ترشح لها ألف شخصٍ همّشوا جميعهم الفن والثقافة من مخططاتهم السياسية، كما أن الحفل أقيم في مسرح (الفوروم دو بيروت)، الذي كان يبعد فقط 200 مترٍ عن موقع انفجار مرفأ بيروت لكي يتذكر الجميع ما حدث في هذا اليوم الأسود».
وبشأن استعانته بصوت والده الموسيقار الراحل منصور الرحباني في مقدمة أغنية «راجع من رماده»، التي طُرحت ضمن ألبوم الفنانة هبة طوجي، قال: «الأغنية هذه هي رسالة عفوية هدفها استرجاع أصل الإنسان من البداية، وتتضمن رحلة نوستالجيا غرامية بين الإنسان وبلده، بما أني أمتلك شعر الأغنية بصوت منصور الرحباني، فلم أجد أفضل من أن أبدأها بصوته وهو يتلو الكلمات، قبل أن تدخل هبة طوجي بصوتها، كما أنني فضلت في هذه الأغنية أن أجعل الموسيقى حزينة، عكس حال الكلمات ليتعلق الإنسان ببلده بصورة أقوى».
وكشف نجل منصور الرحباني تفاصيل رحلته رفقة أشقائه للحفاظ على تراث والدهم: «بدأت منذ فترة مع أشقائي مروان وغدي رحلة إحياء تراث والدنا من خلال إنشاء قناة نضع عليها جميع أشعاره وموسيقاه ولقاءاته وحواراته، لتكون مرجعاً للأجيال الجديدة، بدلاً من النسخ الضعيفة والمقلدة المنتشرة على صفحات التواصل الاجتماعي».
ويرى أسامة أن لقاءات وحوارات منصور الرحباني ليست مجرد لقاءات عابرة، بل هي عبارة عن كتاب ثقافي لا بدّ من التعلم منه، فهو كان إنساناً عبقرياً استطاع مع عاصي الرحباني والفنانة فيروز صناعة الحلم والوطن داخل كل إنسان، كما أن منصور وعاصي كانت لديهما جرأة كبيرة في الكتابة الشعرية.
وأكد أن منصور الرحباني هو صاحب مدرسة فنيّة تفوقت على جميع المدارس العربية: «لم يكُن في العالم العربي مدارس فنية سوى في مصر، إلى أن جاء منصور الرحباني وصنع مدرسته مع عاصي وفيروز، واستطاعوا أن يتغلبوا على جميع المدارس، لأنهم كانوا ملوكاً في الشعر والموسيقى والصوت والمسرح والتوزيع الأوركسترالي والفكر، فقبل الأخوين الرحباني لم يكن هناك فكر في الفن».
وأشار سليل عائلة الرحباني إلى اقتراب عرض مسرحيته الغنائية «نفرتيتي»، التي بدأ العمل عليها منذ أكثر من 12 عاماً، مؤكداً أن المشروع أصبح في مراحله النهائية، وسيبصر النور خلال الأشهر المقبلة، رافضاً وضع موعد محدد لعرضها.
وفسّر الموسيقار اللبناني سبب تراجع أو اختفاء المسرح الغنائي في الوطن العربي بتردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية، متابعاً: «لا يوجد مسرح غنائي كبير في الوطن العربي إلا في لبنان لأننا تربينا عليه منذ بدايات القرن العشرين، من خلال تجارب الأخوين رحباني وفيروز، وبعض إسهامات روميو لحود، ومصر كان لديها مسرح غنائي في ثلاثينات القرن الماضي، ولكنه كان يختلف جذرياً عن مصطلح المسرح الغنائي المعروف. والمسرح الغنائي سيظل متدهوراً في وطننا العربي بسبب الظروف الأمنية والاقتصادية التي مرّ بها، مع أن المسرح الغنائي متاح في جميع دول العالم، وحتى في أوقات الحروب لم يتوقف قط، فقد كان المسرح الغنائي يعمل طيلة أيام الحرب العالمية الثانية في لندن، رغم قصف قوات هتلر للأراضي البريطانية».
ويرى أسامة الرحباني أن تدهور حال الموسيقى في العالم العربي يعود إلى فشل بعض الحكومات والوزارات والمدارس في تقويم النشء، قائلاً: «لا أريد أن أعطي صورة قاتمة عن الحالة الموسيقية في الوطن العربي، بل هناك موسيقيون رائعون في أغلبية البلدان العربية، ولديهم رؤية موسيقية واضحة، لكن سبب انتشار أنماط موسيقية غير جيدة يقع على عاتق الحكومات والوزارات والمدارس والعائلات».
وسخر الموسيقار اللبناني من تخوف بعض الموسيقيين والفنانين من مشاريع وأفكار الذكاء الاصطناعي الذي أحدث ضجة واسعة حول العالم خلال الأشهر الأخيرة: «لا أفهم سبب خوف البعض من هذا الشيء الذي يُسمى ذكاءً اصطناعياً، هذه التكنولوجيا المستحدثة ما هي إلا اختلاس ونكات غير محببة، ستندثر مع مرور الوقت مثلما اندثرت باقي أنواع التكنولوجيا التي سبق وظهرت، وفشلت في البقاء أمام قدرة الإنسان وإبداعه».
وأضاف: «هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يقدم لنا مواهب مارلون براندو؟ أم سيقدم أداء مارلون الذي قدمه في أفلامه القديمة، ويعيدها، هل سيكون قادراً على تقديم مقطوعات ومعزوفات موسيقية مثل التي قدمها بيتهوفن، الذي كان يعمل ويكتب ويجرب النوتة الموسيقية لكي يبهر الجميع؟ أم أنه سيأخذ نمطه الموسيقي ويقلده… الذكاء الاصطناعي تكنولوجيا (فنية ساذجة) وسخيفة، ولن يفيد المجتمعات بأي شيء».