وفي الأسابيع الأخيرة، ازداد عدد النساء اللواتي تعرّضن لجرائم العنف الأسري، بحسب البيانات الصادرة عن منظمات حقوقية في البلاد.
ويعزو متابعون زيادة العنف إلى غياب المحاسبة القانونية وتجاهل مراجعة الموروث الاجتماعي والثقافي التمييزي، قائلين إن هذه العوامل أدت لتصاعد جرائم قتل النساء في لبنان بشكل مقلق واندرج معظمها تحت ذريعة ” جريمة شرف ” أو “ضائقة مادية”.
ويستعرض هذا التقرير الظاهرة من منظور علم الاجتماع، ويسلّط الضوء على التأثير النفسي الذي يعاني منه أطفال الضحايا.
من يُوقف المسلسل الوحشي؟
9 طلقات نارية أودت بحياة الضحيتين سحر ووالدتها تريز في منطقة جزين جنوب لبنان الاسبوع الماضي. ومنذ اللحظة الأولى لإعلان خبر الجريمة، تصدرت عناوين الصحف عبارة “الضائقة الاقتصادية”.
السيدتان قُتلتا بالرصاص على يد زوج سحر، ربيع فرنسيس (العنصر في أمن الدولة اللبناني) داخل منزلهم قبل أن يطلق النار على نفسه.
تأتي جريمة جزين بعد أقل من أسبوعين على قتل راجية العاكوم دهساً على يد زوجها في بلدة بسابا (قضاء الشوف)، وبعد خمسة أيام على طلاقهما. وقبل شهر على جريمة أخرى تمثلت في مقتل سيدة من عائلة زعيتر.
تصاعدت جرائم قتل النساء في لبنان بشكل مقلق، وكأن أشكال العنف والفوضى تجد مكاناً منظماً لها في بلاد الأرز حتى كادت قصص قتل النساء والقتل الأسري تصبح حدثاً عابراً.
وتيرة تصاعدية
ووفقاً لمؤشر البنك الدولي، تصاعدت الجرائم الأسرية في لبنان، فازدياد معدل قتل النساء في الشرق الأوسط لافت على الرغم من كون معدلات قتل النساء على الصعيد العالمي آخذة في الانخفاض منذ التسعينيات.
علم الإجتماع يوضح الدوافع
وقالت أستاذة العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية، أديبة حمدان، في حديث خاص لموقع “سكاي نيوز عربية”، إنه ” وفي ظل غياب العدالة والمساواة ونتيجة الأزمات الإقتصادية العاصفة في لبنان تعززت ثقافة القتل وتفشت جرائم العنف ضد الأسرة ككل بصورة عامة والنساء بصورة خاصة.
وتابعت حمدان “لا شك أننا نعيش في مجتمع شرقي إلى حد ما، وتقليدي أي أن موضوع العنف الأسري إلى حد ما، يعتبر مشرعاً في هذه التقاليد من حيث سلطة الأهل وسلطة ضرب الزوجة تحت ذريعة جريمة الشرف”.
وأضافت “نحن في بيئة اجتماعية تسمح بالعنف الأسري لا بل تعززه، ونشهد ازدياداً ملحوظاً به، وهذا خير دليل”.
الأسباب
وعزت حمدان أسباب تنامي الجريمة الأسرية إلى الضغوط الإقتصادية وما وصفته بالانفلات الأخلاقي السائد وإلى غياب تطبيق القانون والعدالة، مما شجع على هذا النوع من الجرائم بين أفراد العائلة الواحدة في المجتمع اللبناني”.
ودعت حمدان إلى ” تأمين البيئة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية السليمة “مشيرة إلى أن “الحلول تبدأ بالاستقرار الاقتصادي وعودة الأمان الاجتماعي”.
وقالت منسقة الخدمة القانونية في منظمة “كفى عنف واستغلال”، المحامية ليلى عواضة، لموقع “سكاي نيوزعربية”، “مع سحر ووالدتها تيريز يكون قد وصل عدد النساء اللواتي قتلن على يد أزواجهن أو أحد أفراد عائلتهن إلى 9 خلال الأشهر القليلة الماضية.
وكشفت عواضة حدة ووحشية الجرائم فقالت:
لم يكتفِ ربيع فرنسيس (قاتل زوجته ووالدتها) بإنهاء حياته بل اتخذ القرار بإنهاء حياة زوجته ووالدتها وترك أولاده دون أب أو أم”.
قوانين الأحوال الشخصية في البلاد الطائفية هي السبب.
منحت هذه القوانين الرجل سلطة مطلقة داخل الأسرة، وجعلته يشعر بأنه مالك للأسرة ويحق له وحده تقرير مصيرها.
في كل جريمة ترتكب بحق النساء داخل الأسرة، ينطلق المجرم بارتكاب جريمته من شعوره بملكيته للمرأة وسلطته عليها المستمد من قوانين الأحوال الشخصية الطائفية المتسامح مع جرائم العنف ضد النساء وقتلهن
ماذا عن الحل؟
ورأت عواضة أن الحل يكمن في عدة متغيرات :
عدم اعتماد هذه القوانين التي تكرس سلطة الرجال على النساء وتتحكم بمصيرهن.
تطبيق قانون العنف الأسري بشكل جدي وفعال.
هل تقتصر الجرائم على دين معيّن؟
تشير المعالجة النفسية، بولا الخطيب، لموقع سكاي نيوز عربية أن “جرائم الشرف” لا ترتبط بأديان أو ممارسات دينية معينة، فقد سُجّلت في مختلف المجتمعات والثقافات.
وتضيف” تُعد هذه الجرائم غالباً عملاً جماعياً تقرره الأسرة أو العشيرة فتكون مدفوعة بمعايير ثقافية معيّنة تتعلق بالأفعال التي توصف بـ”الشريفة” بدلاً من الاختيارات أو الرغبات الفردية.
تختم الخطيب حديثها “من الطبيعي أن تؤثر الأزمة الاقتصادية على الجرائم بشكل عام، والجرائم الأسرية بشكل خاص، ففي حالات الفقر تصبح اهتمامات الأفراد محدودة، وتتفشى البطالة فيكثر التعاطي والاحتكاك الإجتماعي بين الأشخاص فتزيد خطورة حدوث الجرائم”.