بعد قرابة نصف قرن على هذه المعطيات، كأن التاريخ يعيد نفسه، المخضرمون من جيل منتصف سبعينيات القرن الماضي، مع بداية تشكُّل وعيهم السياسي، بالتزامن مع بداية الحرب اللبنانية، تعود بهم الذاكرة إلى الشوارع في الطريق الجديدة والفاكهاني وغيرها، حيث كانت تُرفَع صور عملاقة لأبو عمار مع شعارات منظمة التحرير الفلسطينية، وتكاد صور «أبو عبيدة» تُرفَع في الأمكنة ذاتها التي رُفِعَت فيها صور أبو عمار منذ خمسين عاماً سواء في بيروت أو في طرابلس أو في الجنوب أو في البقاع. والأهم من رفعِ صور أبو عبيدة، هو ما كُتِب عليها: «أبو عبيدة – الناطق باسم الأمة»، وهو الشعار الذي كُتِب على الصور المرفوعة في طرابلس أيضاً.
هل يتوسع نطاق رفع هذه الصور ليصِل إلى طريق المطار، على سبيل المثال لا الحصر؟ فتوضَع جنباً إلى جنب مع صور قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني؟ في لبنان كل الإحتمالات واردة، لكن السؤال يبقى: وما الغاية من هذه الصور؟ هل هو للتعبير عن شيءٍ ما يدور في خُلدِ مَن رفعوا هذه الصور؟ هل كأنهم يقولون: «ليس حباً بمعاوية بل كُرهاً بعلي»؟
في مُطلَق الأحوال، التيارات السياسية في العالم العربي، تتحوَّل في لبنان إلى «أمواج»: من «الموجة الناصرية» في أواخر ستينيات القرن الماضي، ومطلع السبعينيات، إلى «الموجة الفلسطينية» والعمل الفدائي و»فتح لاند»، وصولاً إلى الثورة الإسلامية الإيرانية، وامتداداتها في لبنان والتي تفوقت على «حركة المحرومين» بقيادة الإمام المغيَّب السيد موسى الصدر.
السؤال الكبير هنا: هل رفعُ صوَر «أبو عبيدة» وتسميته بأنه «الناطق باسم الأمة»، هو لخلق توازنٍ معنوي مع الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله؟ من السابق لأوانه الوصول إلى هذا الاستنتاج، لكن يجدر إنعاش الذاكرة أنه في مرحلة صعود أبو عمار، شكَّل هذا الصعود إحراجاً لأكثر من نظام عربي، وفي مقدّمه النظام السوري، فهل صعود موجة حركة «حماس» في لبنان من شأنها أن تشكِّل إحراجاً لحلفائه؟ للتذكير، فإنّ رفع صور «أبو عبيدة» تمَّ في المناطق ذات الغالبية السنية، ولم تُلحَظ له صورٌ في المناطق ذات الغالبية الشيعية.
يجدر التذكير بأنّ أحد قادة حركة «حماس»، خالد مشعل، كان انتقد «حزب الله،» لأنه لم يتدخَّل كفاية لدعم «حماس». هذا الانتقاد «النادر» قابله «الحزب» بصمتٍ كلي، لكن ذلك لا يعني أنه مرره، ما يؤشِّر إلى أن التباين بين «حزب الله» و»حماس»، لا بد أن يخرج إلى العلن، ولكن ليس الآن، بل بعد انتهاء حرب غزة، وفي الانتظار، تُرسِّخ «حماس» أقدامها… في لبنان.