فيما كان لبنان ينتظر زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري لإجراء محادثات حول آخر التطورات على الحدود الجنوبية وفي غزة، فوجىء الصحافيون بخبر إرجاء هذه الزيارة التي كانت ستشمل عقد لقاءات مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بو حبيب. ولم تتضح أسباب تأجيل الزيارة ومدى ارتباطها بخلافات لبنانية برزت حول الوضع الجنوبي وعدم الموافقة على إبعاد قوات حزب الله عن الحدود بضعة كيلومترات أم لا، فيما لفت البعض إلى أن التأجيل غير مرتبط بخلافات داخل لبنان بل باعتبارات مصرية.
وكان الموقف الذي أدلى به وزير الخارجية اللبنانية حول عدم القبول بإبعاد عناصر حزب الله عن الحدود قوبل باستهجان من أطراف المعارضة التي اعتبرته تجاوزاً حتى لموقف الرئيس ميقاتي الذي ربط التهدئة في الجنوب بوقف إطلاق النار في غزة. وهاجم عضو “كتلة الكتائب” النائب نديم الجميل الوزير بوحبيب وكتب على منصة “إكس: “عبدالله بو حبيب نموذج الوزير الذمي والخائن لمبادئه الوطنية والتي قد تخلى عنها”. وقال “نهاية مسيرتك سوداء ومعيبة، وإهانة بحق عائلتك وقريتك ووطنك”، سائلاً “أي خارجية يمثل من لا يعترف بسيادة لبنان ومؤسساته وجيشه؟”. وختم: “كلامك لا يمثل الشرعية اللبنانية ولا يليق بوزير خارجية، كلامك كلام ناطق باسم ميليشيا حزب الله”.
وفي وقت لاحق، أوضح بو حبيب أنه “لا صحة للأخبار المفبركة والمجتزأة المنسوبة لي بأن الجيش غير قادر على التواجد على الحدود، ولكن نريد سلة متكاملة لتطبيق القرار 1701 تضمن الاستقرار والأمن المستدام في الجنوب وانسحاب اسرائيل من المناطق المحتلة كافة وعلى رأسها مزارع شبعا”.
استشهاد مدني
في غضون ذلك، بكّر الطيران الحربي المعادي في طلعاته في الأجواء اللبنانية وحلّق على مستوى منخفض فوق العاصمة بيروت والمطار والضاحية الجنوبية والخط الساحلي وخرق جدار الصوت ما أحدث دوياً قوياً ترافق مع أنباء غير مؤكدة عن “اتخاذ مجلس الحرب الإسرائيلي قراراً بقصف مطار بيروت بعد وصول تقارير للموساد عن حركة مشبوهة وهبوط طائرات تنقل أسلحة وصواريخ من إيران إلى حزب الله”.
ونفّذ الطيران الإسرائيلي غارة على منزل في بلدة الخيام أدت إلى استشهاد مدني وإصابة شخصين، واستهدفت مسيّرة فجراً مبنى مضخات مياه الوزاني بصاروخ، ما أدى إلى ضرر كبير في الشبكة وإلى حرمان 54 بلدة جنوبية من المياه. كما أغار الطيران على بلدة بيت ليف وشنّ غارات وهمية فوق مناطق الزهراني والنبطية وصور أعقبت تشييع “حركة أمل” شهداءها الثلاثة بمشاركة سياسية وشعبية واسعة.
في المقابل، استهدف حزب الله موقع زبدين في مزارع شبعا وتجمعاً لجنود العدو الإسرائيلي في محيطه بالأسلحة الصاروخية وحقق فيهما إصابات مباشرة. كما استهدف التجهيزات الفنية في موقع راميا.
ونعى حزب الله “الشهيد محمد جعفر عسيلي “ولاء” من بلدة أنصار، والشهيد حسين محمد شمص “مهدي” من بلدة اللبوة في البقاع”، وأفاد المرصد السوري بأنهما قتلا بالضربة الإسرائيلية على حمص.
حزب الله يخدع الأمريكيين
وفي المواقف من الوضع الجنوبي وحركة الموفدين الدوليين، أشار رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع إلى “أن حزب الله لن ينسحب من الجنوب اللبناني وهو يخدع الأمريكيين”. وأكد أنه “لا يمكن استبدال تطبيق القرار الدولي 1701 برئاسة لبنان، فرئيس الجمهورية يجب أن يمثل البلد بأكمله وليس حزب الله، ومن يفكر في اقتراحٍ مماثل فهو يحلم باعتبار أن معارضتنا لن تسمح بوصول أي رئيس من حزب الله”، فلا مقايضات ولا تسويات على حساب لبنان وسيادته ومهمة السلطة التنفيذية إعلاء مصلحة البلاد وليس محور الممانعة”.
ولدى سؤال جعجع عن الرابح والخاسر في المواجهة الحاصلة في المنطقة، قال “قبل الأزمة، كانت إيران تستعرض نفسها على أنها نمر المنطقة، لكنها الآن بدأت تظهر على حقيقتها بأنها هرّة صغيرة خطاباتها وهمية، هي التي ردّدت لعقود “على طريق القدس سنحرر القدس وفلسطين من هذا السرطان الذي هو إسرائيل”. وفجأة، في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وبينما كانت إسرائيل في حالة من الفوضى، ماذا فعلت إيران؟ أعلنت أنه لا علاقة لها بهجوم “حماس” وأنها لن تتدخل، ويبدو أن ميليشياتها الشيعية ليست قوية أو جاهزة كما ادعت وبالتالي الأمر لا يقتصر على خيانة “حماس” فحسب، بل إنكار سمعة طهران كحارس للقدس، ومدافع عن الفلسطينيين والمسلمين. إذاً التمثيلية الإيرانية انفضحت”.
تفاوض باطل بلا رئيس
من ناحيتهم، ضمّ المطارنة الموارنة صوتهم إلى صوت البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في “رفض المتاجرة بحياة المواطنين في الجنوب اللبناني، الذين ضاقوا بالتصعيد الميداني المُهدد للأرواح والممتلكات”. وشجبوا “شجبًا تامًا محاولات التعريض بإعلان بكركي مُسانَدتها هؤلاء المواطنين ودعوتها إلى رفع سيف القتل والتدمير عنهم”، معبّرين “عن ألمهم البالغ أمام الأوضاع المُزرِية التي دفعتهم إليها السياسات المتفردة، فيما كان المطلوب السهر على المنطقة الحدودية، من خلال تعزيز الأجواء السياسية والدبلوماسية لتنفيذ القرار الدولي 1701، لا التمادي في تفجير أيامها ولياليها”. وحذّر المطارنة “من المحاولات الجارية، دوليًا ومحليًا، لتمريرِ ترسيمٍ مشبوه للحدود بين لبنان وإسرائيل، خالٍ من أيّ ضماناتٍ دولية واضحة وثابتة”، ولفتوا إلى “أن التفاوض في هذا الشأن يبقى من اختصاص رئيس الجمهورية، وأن ما يتم خارج رعايته وإدارته وموافقته باطل ولاغٍ”. وجددوا التأكيد “أن الفراغ المتمادي والمتفاقِم في الدولة يأتي نتيجةً للفراغ في رئاسة الجمهورية”، آملين من “تحرُّك اللجنة الخماسية على خط تحقيق الاستحقاق الرئاسي، بخاتمة إيجابية وسريعة له، تحد من معاناة لبنان واللبنانيين. وهذا لا يعفي السادة النواب من واجبهم الدستوري في الإسراع بانتخاب رئيس جديد للجمهورية”.