في موقع “مركز ويلسن للأرشيف” الإلكتروني حيز مهم لشخصية لبنانية لعبت أدواراً حساسة في مجريات الأحداث اللبنانية منذ الاستقلال عام 1943 إلى سبعينيات القرن الماضي. لقد شغل الأمير فريد حارث شهاب منصب مدير عام الأمن العام. هذه المديرية كانت جهاز الاستخبارات في الدولة اللبنانية. وبعد أحداث ما سمي “ثورة 1958” ترك “الأمن العام” وعمل سفيراً بين عامي 1958 و1966 في دول عدة هي غانا ونيجيريا والكاميرون وتونس وقبرص.
توفي الأمير فريد في خضم الحرب اللبنانية عام 1985. وعام 2007 أصدرت ابنته بالتعاون مع أحمد أصفهاني كتاباً تضمن عديداً من الأوراق والملاحظات والتقارير السرية التي تركها والدها. عنوان الكتاب بالعربية “في خدمة الوطن: مختارات من الوثائق الخاصة للأمير فريد شهاب”. أما النسخة الإنجليزية فحملت عنوان “a face in the crowd”. وبالتعاون مع زوجها طوني عسيلي قدما هذه الوثائق إلى “مركز ويلسن للأرشيف”. الوثائق تكشف القدرة الكبيرة التي كانت تتمتع بها الدولة اللبنانية في الإمساك بأمنها وسيادتها، والعلاقات المتينة والمتشعبة لأجهزتها مع أجهزة الدول العربية والغربية.
سيرة الأمير
الأمير فريد حارث شهاب من بلدة الحدث (قرب بيروت)، أمه مريم شهاب (حفيدة آخر حكام لبنان في عهد الإمارة، الأمير بشير الثالث)، ووالده الأمير حارث السيد أحمد شهاب (عضو فخري في البرلمان العثماني). تخرج فريد شهاب في كلية الحقوق في جامعة القديس يوسف عام 1930.
وفي العام ذاته التحق بالشرطة الفرنسية في لبنان، وترقى في الرتب ليصبح رئيس قسم مكافحة التجسس وقسم مكافحة الشيوعية. اتهم بالقيام بأنشطة سرية لمصلحة ألمانيا النازية، وسجن من فبراير (شباط) 1941 حتى أكتوبر (تشرين الأول) 1943. أطلق سراح الأمير فريد بناءً على طلب شخصي من أول رئيس بعد الاستقلال بشارة الخوري، وأعيد إلى منصبه السابق مع إسقاط جميع التهم الموجهة إليه.
ومن عام 1944 إلى 1948 تولى مناصب عدة، منها ضابط الارتباط بين مديرية الشرطة الفلسطينية وقوى الأمن اللبنانية، ومدير عام الشرطة القضائية، ومحافظ البقاع. وفي يناير (كانون الثاني) 1948، عين مديراً للأمن العام.
وفي عام 1957 انتخب نائباً لرئيس الإنتربول. وتقاعد عام 1969 وعاد إلى لبنان.
وثيقة اليورانيوم
الوثيقة الآتية فريد نوعها، إذ تتناول معدن اليورانيوم في لبنان، وعلى ذمة هذه الوثيقة هذا المعدن النادر موجود في ثمانية أماكن في باطن الأرض اللبنانية.
ورقة الأمير شهاب عنوانها “اجتماع في فيلا الشيخ سليم الخوري بعوكر (بلدة تبعد أقل من 10 كيلومترات عن بيروت)”.
هذه الورقة تتحدث عن اجتماع حضره الأمير شهاب والشيخ سليم الخوري وضم المستر إيلوود المستشار الاقتصادي في السفارة الأميركية ببيروت، والمستر ميشال سعد، أميركي من أصل لبناني وأحد أصحاب شركة المقاولات والهندسة العربية. هدف الاجتماع وكما كتب شهاب حرفياً “وضع خطة استثمار معدن الأورانيوم (اليورانيوم) الموجود في ثمانية محال من الأماكن اللبنانية بمعرفة الشيخ سليم الخوري وامرأة أخيه المرحوم نديم الخوري (التي سلمت كل أسرار المرحوم زوجها في ما يختص بهذه الدروس والأعمال إلى سلفها الشيخ سليم). وقد تناولت أحاديثهم بين الوقت والآخر بعض المواضيع السياسية… إلخ”. ويتابع الأمير “وقد وضعت الخطة على هذا الشكل: يبلغ المستر إيلوود بصفته ممثلاً اقتصاد الدولة الأميركية في لبنان المستر ميشال سعد بواسطة رسالة رسمية ما تلقاه من حكومته من تعليمات (بناء على المراسلات التي أجراها في هذا الموضوع)، وهذه التعليمات تقول إن حكومة الولايات المتحدة على تمام الاستعداد لإرسال الخبراء وتقديم المعدات اللازمة، بموافقة لجنة الطاقة الذرية، للتنقيب واستخراج هذا المعدن وشرائه بسعر دولي من لبنان بعد استخراجه…”.
ويواصل الأمير كاتباً “وأن الرسالة هذه تفوض المستر سعد بمفاوضة الشيخ سليم الخوري وجعل اتفاق خطي معه يربطه به مستمد من اتفاقية أخرى توضع ما بين الحكومة الأميركية والمستر سعد يضعها إيلوود… كذلك توجه رسالة أخرى إلى الشيخ سليم الخوري يشيرون إليه بها بمفاوضة السيد (غير مذكور الاسم) بهذا الخصوص والسعي لتوقيع اتفاق معه إذا أراد…”. ويضيف في هذه المسألة الأمير شهاب “وقد صرح المستر إيلوود بالوقت ذاته أمام الحاضرين وبعد سؤال طرحه عليه الشيخ سليم الخوري، بأن الحكومة الأميركية ستكون على تمام الاستعداد للعمل على عدم عرقلة هذا المشروع من قبل السلطات اللبنانية بمن فيهم كميل شمعون (رئيس الجمهورية آنذاك)… وعند اللزوم فإن السفارة الأميركية ستسعى عند البدء بالاستخراج بضمان الحكومة اللبنانية أو الإتيان بحكومة موالية لها…”.
تركيا والمسيحيون
وتحت عنوان فرعي “في الأحاديث السياسية”، أورد الأمير شهاب على لسان إيلوود أن أميركا اتفقت مع بقية الدول الغربية على منع إمداد أي دولة عربية بالأسلحة لئلا تستعمل ضد إسرائيل. وأن أميركا يهمها الآن الاستقرار في الشرق الأوسط. ويضيف إيلوود بأن الحكومة (اللبنانية) الحالية ستسقط في غضون أسبوع، وأن رأي السفارة الأميركية أن يصبح سامي الصلح رئيساً للوزراء لتحقيق المشاريع التي تهم لبنان والمعلقة.
بدوره الشيخ سليم الخوري عقب قائلاً “لو أميركا أو الدول العربية الصديقة لأميركا أتت وفاوضت كل دولة عربية على حدة من دون إدخال تركيا لكانت نجحت وكسبت صداقة جميع هذه الدول، فكان بالإمكان تسيير هذه الدول بحسب رغبتها”. يبدو أن الشيخ سليم كان يقصد “حلف بغداد” الذي أرادته واشنطن للوقوف ضد الشيوعية في الشرق الأوسط، وكان يضم إلى جانب بريطانيا تركيا والعراق وباكستان وإيران، وحصل سعي لانضمام لبنان إليه مما سبب انقساماً حاداً على الساحة اللبنانية وخصوصاً في وجه الرئيس كميل شمعون، وحصلت أزمة كبيرة انتهت بـ”ثورة 1958″.
ويتابع الشيخ سليم “وفي ما يختص بلبنان فإن اللبنانيين خصوصاً مسيحيي لبنان ما زالوا يضمرون الحقد لتركيا لليوم… ولا يمكن بشكل من الأشكال الاتفاق معها… فإذا أرادت الحكومة اللبنانية أن تعدل سياستها في لبنان وتدخل معه بمفاوضات على حدة فإن كثيراً من الزعماء السياسيين والشعبيين هم على أتم الاستعداد للاتفاق معها والتمشي بركاب السياسة الأميركية وهو يضمن (أي سليم الخوري) ذلك…”.