وأقرت المادة 66 من قانون موازنة العام الحالي الزيادة على رسوم الطوابع المالية، ما انعكس على تعرفة الحصول على وثائق رسمية عدة، لاسيما إخراج القيد الذي يستخدم في العديد من المعاملات الرسمية والشخصية، منها استخراج جواز سفر أو تجديده، وتسجيل عقود الزواج والطلاق والمواليد، ومعاملات الإرث، والحصول على رخصة قيادة، والتسجيل في المدارس والجامعات، والتقديم لوظائف حكومية أو خاصة.
“في زمن الإفلاس، تبحث حكومة تصريف الأعمال عن أي مخرج، حتى لو كان من ورق قديم، ففي وقت تعتمد فيه معظم الدول على المكننة في معاملاتها الرسمية، يستمر الطابع المالي في لبنان كرمز للفساد، والبيروقراطية، والضرائب التي لا تنتهي” كما يقول رئيس اتحاد روابط مخاتير عكار، مختار ببنين، زاهر الكسار.
والمضحك المبكي كما يقول الكسار لموقع “الحرة” إنه “تم رفع تعرفة هذه الطوابع على الرغم من أنها مفقودة من الأسواق، حتى ظهر سوق سوداء يوفرها بأضعاف سعرها، ما دفع وزارة المالية، في يونيو الماضي، إلى إصدار تعميم يتيح استيفاء قيمتها في مراكز التحويل المالي في لبنان، ليصبح الوصل بمكانة الطابع الورقيّ، وفوق هذا كنا نجبر على دفع 50 ألفاً ليرة بدلاً من 28 ألفاً ثمن طوابع إخراج القيد”.
ومع إقرار موازنة العام الحالي، تخطى بدل إخراج القيد المليون ليرة، كما يقول مختار الأشرفية، إيلي صباغة في حديث لموقع “الحرة” شارحاً “في السابق كانت كلفة إخراج القيد 200,000 ليرة وربحنا كذلك، أي أن المواطن كان يدفع 400,000 للحصول عليه، أما الآن أصبح يتوجب عليه دفع 1,200,000 ليرة، وذلك بسبب رفع ثمن الطوابع الذي ندفعه في مراكز التحويل المالي إلى 600,000 ليرة، إضافة إلى 50,000 ليرة طابع مختار، وعلى الرغم من ارتفاع المبلغ الذي نحصل عليه، إلا أن ربحنا تراجع إذا ما تم احتسابه بالدولار الأميركي”.
“جريمة موصوفة”
يصف الكسار قانون موازنة العام الحالي بالجريمة بحق المواطنين “الذين يعاني 90 في المئة منهم من الفقر، فمن كان قبل الأزمة الاقتصادية ينتمي إلى الطبقة الوسطى أو الميسورة، حُجزت ودائعه في المصارف، في وقت فقدت رواتب الموظفين والعمال في القطاعين العام والخاص قيمتها، حتى بات اللبناني عاجزاً عن تأمين أبسط متطلبات الحياة من طعام وشراب وأقساط مدرسية وأدوية واستشفاء”.
ويضيف وصل الوضع إلى مرحلة “أصبح فيها اللبناني يحتفل إذا ما حصل على قارورة غاز أو غالون من المحروقات، ويحتار بين إطعام أولاده وشراء علبة دواء. نسي الرفاهية ورضخ للعيش من دون كهرباء وتدفئة ولشرب المياه الملوثة وللموت وهو على قيد الحياة، كل هذا والمسؤولون لا يرحمونه، بل يخنقونه أكثر فأكثر بحبل الضرائب والرسوم.”
ويشدد رئيس رابطة مخاتير عكار على أنه “كان الأجدى بالمسؤولين العمل على توفير الطوابع في الأسواق، ومراعاة ظروف الناس الذين يعيشون ويلات الأزمة الاقتصادية، والتركيز على إصلاحات جوهرية تعالج الأزمات من جذورها، لا أن يغدقوا علينا مزيداً من الضرائب”.
من جانبه يؤكد مختار الهرمل، مساعد صقر أن “في مالية الهرمل طوابع بملياري ليرة حين كان سعر صرف الدولار 1500 ليرة، إلا أنه بسبب إضراب الموظفين تارة والتحجج بتعطّل السيستم تارة أخرى، لم يتم بيعها لطالبيها، ما اضطر المواطنين والمخاتير إلى شرائها من السوق السوداء بسعر 50,000 ليرة لطابع الألف ليرة”.
ويتساءل صقر في حديث مع موقع “الحرة” “لماذا يستحصل المواطن على بطاقة هوية إن كانت المعاملات الرسمية تتطلب إخراج قيد، فحتى لو كانت هذه البطاقة صادرة حديثاً إلا أنه لا يؤخذ بها في المعاملات الرسمية”.
أما صباغة فيشدد على أن رفع رسوم الطوابع يزيد الطين بلّة، وفوق هذا لم تصدر وزارة الداخلية إلى حد الآن أي آلية للإجراءات التي يجب اتباعها لإصدار المعاملات في ظل عدم وجود طوابع مناسبة”، إذ بحسب القانون الجديد يجب كما يقول الكسار “لصق 40 طابعاً من فئة العشرة آلاف ليرة، أو 400 طابعاً من فئة الألف ليرة، على وثيقة اخراج القيد الفردي، فأي منطق هذاً”.
صرخة مدوية
رفض المخاتير الرسوم الجديدة التي تثقل كاهل المواطنين، وامتنع بعضهم عن إنجاز أي معاملة قبل إعادة النظر في الزيادة المجحفة، فتعذّر إنجاز المعاملات الرسمية في بعض المدن والقرى، وأعاق حياة المواطنين اليومية وزاد من معاناتهم.
وترجم غضب المخاتير اعتصامات في معظم المناطق اللبنانية، ففي شمال لبنان أكدت رابطة مختاري عكار أن المخاتير لن يضعوا أختامهم على أي معاملة ما لم يتم التراجع عن هذه الضرائب، مهددة بتصعيد تحركاتها السلمية على مستوى مخاتير كل لبنان.
كما أعلنت رابطة مختاري الضنية الإضراب والتوقف عن العمل لمدة أسبوع حتى تبلور الأمور، وذلك بعد الاجتماع الطارئ الذي عقدته عقب الاعتصام الذي نفذته أمام مركز قلم نفوس سير في مبنى القائمقامية.
ورأى مخاتير منطقة المنية الإدارية خلال وقفة احتجاجية أن “الرسوم الجديدة جائرة وظالمة”، وسألوا “كيف سيتم تنفيذ القانون الجديد والطوابع المالية الجديدة غير متوافرة بعد؟”، مطالبين المسؤولين بأن “تتوافر الطوابع في الدوائر المالية لا أن تبقى أسيرة بعض السماسرة في السوق السوداء، وأن تكون هناك مهلة قبل تنفيذ القانون للنظر في كيفية تنفيذه، وأن تتوافر الظروف المناسبة لذلك، أو أن يتم تعديله”.
واستنكرت “رابطة مخاتير منطقة البترون” في بيان “رفع الرسوم على المعاملات في دوائر الأحوال الشخصية”، واعتذرت من “أهالي البترون ومن جميع اللبنانيين، كونها لم تعد قادرة على تحمل المزيد”، داعية “المسؤولين الى تحمل مسؤوليتهم وإعادة النظر في هذه الموازنة المجحفة في حق الجميع”.
واعتبر رؤساء وأعضاء روابط مخاتير طرابلس ومختلف المناطق الشمالية، أن ” الموازنة العامة التي أقرت تفتقر الى معايير العدالة الاجتماعية”.
الطعن.. قادم
ومن الشمال إلى الجنوب، أعلن مخاتير صيدا ومنطقتها والزهراني، خلال اعتصام أنهم “سيقدمون طعناً في القانون المتعلق بالأحوال الشخصية”.
وشارك النائب عبد الرحمن البزري في الاعتصام، حيث اعتبر أن “الموازنة ضريبية بامتياز، ولا تحمل عناصر تحفيزية مما رفع كلفة الضرائب والرسوم على المواطنين من دون تأمين أي بدائل خدماتية حقيقية” وشدد “الموازنة غير عادلة بما تتضمنه من ضغط معيشي واقتصادي واجتماعي على المواطن، وسوف نعمل على نقضها عبر تقديم طعون في العديد من بنودها”.
كذلك شارك النائب شربل مسعد في الاعتصام، حيث أكد أن “أن الموازنة تشوبها مشاكل قانونية منها عدم وجود قطع حساب عدا الضرائب المجحفة في حق المواطنين، وقال “نحن كنواب سنؤدي واجبنا من خلال تقديم الطعن في هذه الموازنة إلى المجلس الدستوري لنكون إلى جانب المواطن الذي من واجب الدولة أن تقف معه في هذه الظروف والانهيار الاقتصادي المعيشي بدلا من زيادة أعبائه”.
وأمل مسعد أن يسلك الطعن طريقه “لنحقق الحلول للضرائب والرسوم الجديدة التي فرضت على المواطن”.
أما النائب أسامة سعد الذي شارك كذلك في الاعتصام، فاعتبر أن الموازنة لم تقدم حلولاً اقتصادية واجتماعية للناس، بل عملت على تأمين موارد الدولة، وقال “بدل العمل في هذا الاتجاه فلتلاحق الدولة الفاسدين والذين نهبوا أموال البلد وسرقوها وما زالوا مستمرين ولم يتم توقيفهم حتى الآن”.
وأضاف “نحن كنواب اعترضنا على الموازنة وسنحاول تأمين نصاب نيابي لنتمكن من تقديم الطعن بنص متماسك وقوي عنوانه الأساسي هو العدالة الاجتماعية والضريبية، لأنه لا يجوز تأمين موارد الدولة من الأكثرية الساحقة أو 90 في المئة من اللبنانيين الفقراء والكادحين والطبقات المنتجة بسواعدها أو بعقولها، فيما يدفع عشرة بالمئة من الأغنياء الرسوم كالتي تدفعها الأكثرية”.
كذلك أعلنت رابطة مخاتير حاصبيا وقضائها، خلال اعتصام نفذته أمام مدخل قائمقامية حاصبيا، رفض الزيادات التي طرأت على كلفة اخراجات القيد، وطالبت الحكومة ووزارة المالية بالعودة عن هذه الرسوم وتخفيضها.
رسائل إلى المعنيين
ومن الجنوب إلى البقاع، أعلنت رابطة مخاتير قضاء راشيا إضراب مخاتير القضاء عن إصدار الإفادات لمدة أسبوع لحين نظر الجهات المختصة في الموازنة، وخلال اعتصام نفذته داخل سرايا راشيا وأمام قلم النفوس، وصف رئيسها المختار جميل قاسم، الموازنة “بالظالمة والجائرة والملعونة على هذه الطبقة الفقيرة والمتعففة”.
وطالب مخاتير قضاء الهرمل خلال اعتصام نفذوه أمام السرايا، وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي والنواب بـ “التراجع عن القرار المجحف الذي يمس الطبقات الفقيرة في إنجاز معاملاتها في دوائر الدولة” مطالبين باعتماد الهوية في المعاملات بدل إخراج القيد الذي “أصبح يتجاوز تحمل المواطنين”.
أما رابطة مخاتير البقاع الشمالي فنفذت وقفة احتجاجية كذلك، ناشد خلالها رئيسها علي الحاج حسن، رئيس مجلس النواب نبيه بري، “التدخل والعمل مع الكتل النيابية على تقديم مشروع قانون معجل وإقراره يعيد تصويب الأمور”.
ونظمت رابطة مخاتير زحلة والبقاع اعتصاماً أمام سراي زحلة، حيث طالب رئيسها مختار مجدل عنجر علي يوسف “لجنة المال والموازنة ووزير المالية والنواب الذين صوتوا على الموازنة، إما الطعن بهذا القانون أو إعادة النظر بهذه الرسوم والرسوم الأخرى التي تهلك المواطن، وكذلك اعتماد بطاقة الهوية كمستند وحيد في المعاملات الرسمية لحين البت برسوم إخراجات القيد.
خطوة في غير محلها
حذّرت المتخصصة بالاقتصاد النقدي، الدكتورة ليال منصور، من مخاطر رفع الضرائب في ظل الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان، قائلة “إذا كان من حق السلطة فرض الضرائب، ومن بينها رفع تعرفة رسوم الطوابع المالية كمقابل للخدمات التي تقدمها، وذلك لتأمين إيرادات إضافية، إلا أن الضرائب لا تحل أزمة، بل تفاقمها، خاصة في ظل اتباع سياسة التقشف.
وتشدد منصور في حديث إلى موقع “الحرة” أهمية البدء بإصلاحات جوهرية لإخراج لبنان من أزمته، وعلى رأسها “التخلص من المصرف المركزي الذي أصبح بقاؤه متعباً ومكلفاً ومن دون قيمة مضافة، مقترحة اعتماد الدولار كعملة رسمية، بدءاً من رواتب القطاع العام، لفرض ضرائب بالدولار”.
كما لا بد، كما تقول منصور، من القيام بإصلاحات بديهية، التي تطلب قضاء نزيهاً يُمكنه محاسبة الفاسدين، وحل مشكلة الودائع، أي إعادة الأموال المحتجزة في المصارف ليتمكن المواطنون من دفع رسوم الخدمات التي يحصلون عليها، وكذلك تصغير القطاع العام لتخفيض النفقات.
وفي تغريدة له عبر منصة “إكس” اعتبر رئيس لجنة المال والموازنة، النائب ابراهيم كنعان، أن “فقدان الطابع المالي للمختار بعد رفعه إلى 50 ألف ليرة يهدد بشلل العمل الاختياري” وأن “المطلوب فوراً إما توفير الطابع أو تعليق العمل به لحين توفيره من قبل وزارة المالية” لافتاً إلى أنه تواصل مع عدد من المسؤولين المعنيين لمعالجة هذه المسألة بالإضافة إلى تصحيح بعض الرسوم المتعلقة بالأحوال الشخصية.