خلال مسيرته السينمائية التي استمرت 60 عاماً، قام روبرت دي نيرو بأدوار رجال عصابات وقتلة مأجورين ومحتالين.
اليوم في أواخر حياته المهنية، يتجه دي نيرو إلى التأرجح بين الأعمال الدرامية للمخرج مارتن سكورسيزي والكوميديا الخفيفة.
لكن أدوار الممثل الفائز بجائزة الأوسكار مرتين في عالم المافيا كانت الأكثر شهرة – وكشفت المحاكمة الجديدة عن أن شخصية الرجل القوي هذه هي أيضاً شخصيته في حياته الخاصة والمهنية.
وبرأت هيئة محلفين الخميس في التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري دي نيرو في دعوى التمييز على أساس الجنس التي رفعتها ضده مساعدته السابقة غراهام تشايس روبنسون، لكن الهيئة وجدت أن شركته “كانال برودكشن” “Canal Productions” مسؤولة، ومنحت روبنسون تعويضاً قدره 1.2 مليون دولار. المحاكمة المثيرة التي استمرت أسبوعين، سلطت الضوء على العلاقات الرومانسية المعقدة لأسطورة الشاشة وقيمه القديمة الطراز.
وكشفت شهادة موظفيه والرسائل النصية الخاصة التي عُرضت في المحكمة عن أن دي نيرو يقدر الولاء قبل أي شيء آخر وأنه أصدر تهديدات بنبرة الوعيد، وأوضح أن أي شخص يتجاوزه سيعاقب بشدة.
يحيط النجم العالمي البالغ من العمر 80 سنة نفسه بمجموعة صغيرة من المحامين والمحاسبين والمساعدين الذين يثق بهم، وكثير منهم كانوا إلى جانبه منذ عقود. هم يعرفونه ويشيرون إليه ببساطة باسم “بوب”.
وكانت روبنسون زعمت أنه خلال 11 عاماً من العمل لدى دي نيرو، أوكل إليها مهمات مهينة لا تليق بدورها كنائبة رئيس لشؤون الإنتاج والتمويل، العمل الذي تلقت مقابله راتباً قدره 300 ألف دولار سنوياً، وادعت كذلك أنها تخشى التحدث علناً خوفاً من الانتقام.
وفي ما يلي خمسة طرق كشفت بها المحاكمة عن كيف تعكس شخصيات دي نيرو الصارمة التي تظهر على الشاشة، حياته المعقدة خارج الشاشة.
“كيف تجرُئين على عدم احترامي؟”
بعد رفع الدعوى القضائية [التي تطالب فيها بتعويض] بقيمة 12 مليون دولار عام 2019، نشر محامو روبنسون رسالة صوتية من دي نيرو تعود لعام 2012 كدليل على “الطريقة العدائية والمسيئة والمرهبة” التي تحدث بها الممثل مع روبنسون.
في أداء شبيه بدوره الحائز على جائزة الأوسكار في فيلم “العراب 2” The Godfather 2، يمكن سماع دي نيرو وهو يصف مساعدته السابقة بـ”الفاسدة المزعجة”، قائلاً “كيف تجرُئين على عدم احترامي”، ويصرخ “لقد أصبحت من الماضي [أي فصلت من العمل]”.
وكان الممثل في لوس أنجليس في ذلك الوقت، وهدد بطرد السيدة روبنسون التي كانت تقيم في إسبانيا.
“كيف تجرئين. أنت مطرودة من العمل، لقد أصبحت من الماضي”، يقول دي نيرو في التسجيل المسرب.
“كيف تجرئين على رغم كل الأشياء الجيدة التي تفعلينها، هذا هراء، وبعد عيد الميلاد”.
“اللعنة، كيف تجرئين على عدم احترامي بقدر ما فعلت. هل تريدين وظيفة أخرى؟ تريدين منصباً آخر. حسناً اذهبي إلى مكان آخر”.
“لا تغضبي لأنني أشعر بالغضب الشديد لأنني لم أحصل على شيء بسيط أحتاج إليه الآن هنا في كاليفورنيا وأنا هنا لمدة تقل عن 24 ساعة”.
“لا بد من أنك تمزحين معي أيتها المزعجة الخرقاء، عليك اللعنة! استقيلي وقتما تشائين، اللعنة عليك، كيف يمكنك أن تفعلي هذا، حتى أنك لا تجيبين، أنت مزعوجة لأنك تعيشين في إسبانيا، أيتها الخرقاء”.
شهادة دي نيرو النارية
تصدر الممثل عناوين الأخبار بأدائه المذهل على منصة الشهود في وقت مبكر من المحاكمة.
بلهجته النيويوركية الغليظة، اعترف دي نيرو بتوبيخ روبنسون، ووافق على أنه وصفها بـ”الفظة” و”سليطة اللسان” و”الفاسدة المزعجة” أثناء استجوابه من قبل محاميها أندرو ماكوردي.
وأكد الممثل أنه لم يرفع صوته عليها أو يسيء معاملتها مطلقاً، وازداد غضبه ببطء مع استمرار المحامي بالضغط عليه في شأن سلوكه تجاه السيدة روبنسون.
وسرعان ما قوضت ادعاءاته بأنه لم يصرخ أبداً، عندما صرخ داخل قاعة المحكمة بعد ذلك بوقت قصير: “عار عليك تشايس روبنسون!”
ولكن بعدما أدرك أنه انفعل، اعتذر دي نيرو إلى المحكمة.
وعندما سأله السيد ماكوردي عن الادعاءات حول قيامه بالتبول أثناء التحدث عبر الهاتف مع السيدة روبنسون، رد دي نيرو بغضب: “هذا هراء، هل أوصلتنا هنا [إلى المحكمة] من أجل هذا؟”.
ونفى دي نيرو أنه سعى إلى الحصول على الدعاية من خلال مقاضاة السيدة روبنسون، وقال للمحكمة: “إن ذلك يلفت الانتباه إلي. وهذا آخر شيء أردت القيام به”.
“من بحق الجحيم تظن نفسها؟”
كانت المواجهات الحادة بين روبنسون وصديقة دي نيرو، تيفاني تشين، موضوعاً مستمراً خلال المحاكمة.
وأقرت السيدة تشين خلال شهادتها بأنها كانت متشككة في “العلاقة الحميمة المتخيلة” للمساعدة السابقة وصديقها، ووصفتها بأنها “مجنونة” و”أنثى بيضاء عازبة مضطربة عقلياً”، في إشارة إلى فيلم الإثارة النفسي [أنثى بيضاء عازبة] الذي صدر في 1992.
وفي نهاية المطاف، استقالت روبنسون من شركة “كانال برودكشن” التي يملكها دي نيرو في نيسان (أبريل) 2019.
وفي رسائل نصية تعود لتاريخ تموز (يوليو) 2019 عُرضت على المحكمة، كتب دي نيرو إلى السيدة تشين: “هل تصدقين تشايس؟ من تظن نفسها؟”.
وردت السيدة تشين في رسالة: “لقد اعتقدَت بأنها صديقتك الحميمة. لقد رأيت ذلك منذ البداية”.
بدوره رد دي نيرو: “الجرأة. الوقاحة. الشعور بالأحقية. كيف تجرؤ”.
ويبدو أن هذا الأسلوب نفسه قد أثر في السيدة تشين.
في كانون الثاني (يناير) 2019، أصبحت مقتنعة بأن السيدة روبنسون “تعمدت تخريب” رحلة العودة على متن طائرة خاصة من عطلة في أنتيغوا إلى نيويورك والتي تستغرق أربع ساعات، بعدما طلبت [روبنسون] من المضيفات عدم تقديم أي مرطبات.
وكتبت تشين في رسالة نصية إلى دي نيرو في شهر آذار (مارس) من ذلك العام: “إذا احتفظت بها [روبنسون]، فسأواجه مشكلات في النهاية”.
الولاء قبل كل شيء
وأدلى عدد من المقربين من دي نيرو بشهادتهم خلال المحاكمة وقدموا رؤى مذهلة حول طريقة عمل حرمه الداخلي [الدائرة الضيقة].
وكان من ضمنهم مدربه الشخصي لمدة 40 عاماً دان هارفي الذي استعان به دي نيرو بعدما عانى من أجل خسارة 35 رطلاً [16 كيلوغراماً] من وزنه كان اكتسبها لأداء دور الملاكم جايك لاموتا في فيلم “ثور هائج” “Raging Bull”، وهو الدور الذي نال عنه جائزة أوسكار.
وأخبر السيد هارفي المحكمة كيف أخضع الممثل بصورة شبه يومية للعقاب من خلال ممارسة التمارين الرياضية وحمل الأوزان لمدة قد تصل إلى سبع ساعات. وأصبح هارفي مثل منصة لدي نيرو ليتدرب على حواره السينمائي، ورافق الممثل إلى مواقع التصوير في جميع أنحاء العالم.
وقال هارفي للمحكمة: “أحب العمل معه لأنه رجل منضبط للغاية ويعمل بجد في مهنته وأنا أحترمه كثيراً”.
وأضاف هارفي أن دي نيرو قد يكون رئيساً متطلباً، وغالباً ما كان يفقد أعصابه في بداية علاقة العمل بينهما. وارتفع راتب السيد هارفي في النهاية إلى 375 ألف دولار سنوياً.
خلال الفترة التي قلت فيها أموال الممثل عام 2008، قال السيد هارفي إنه طُلب منه تخفيض راتبه بنسبة 50 في المئة. ولكنه أخبر دي نيرو أن تخفيض الراتب “ليس منطقياً بالنسبة لي”، إذ كانت لديه قروض عقارية وأقساط سيارة وطفل على وشك بدء التعليم في مدرسة خاصة. وبحسب شهادة السيد هارفي: “قال [دي نيرو]: ’لا تقلق في شأن ذلك، سأعتني بالأمر‘”.
وشقيق دان هارفي هو توم هارفي، المحامي الشخصي لدي نيرو لمدة 30 عاماً الذي أدلى أيضاً بشهادته في المحاكمة.
وكان توم هارفي، وهو أيضاً المستشار القانوني العام لشركة “كانال برودكشن”، المسؤول عن التعامل مع خروج السيدة روبنسون من الشركة.
حياة عاطفية معقدة
لم تكن علاقات دي نيرو الرومانسية المعقدة بمنأى عن الرقابة. ويبدو من الأدلة المقدمة أمام المحكمة أن الجدول الزمني المعروف لطلاقه من غريس هايتاور وازدهار علاقته الرومانسية مع السيدة تشين كان أقصر ببضعة أعوام مما كان معروفاً سابقاً.
وبحسب شهادة السيدة تشين فإنهما التقيا أثناء تصوير الفيلم الكوميدي “المتدرب” The Intern عام 2015، وبدآ المواعدة عام 2017 وانتقلا معاً إلى منزل جديد عام 2018.
وسعى صانعو فيلم “المتدرب” إلى الاستعانة بخبير في الفنون القتالية من أجل الفيلم، وتواصلوا مع والد السيدة تشين، ويليام، وهو مدرب “تاي تشي” يحظى باحترام شديد.
وظهرت السيدة تشين، وهي بطلة سابقة حاصلة على “قفازات ذهبية” “Golden Gloves” [جائزة ومؤسسة أميركية تنظم مسابقات لرياضة الملاكمة للهواة] وخبيرة في الفنون القتالية في الفيلم، وبدأ الاثنان المواعدة عام 2017 بينما كان لا يزال دي نيرو متزوجاً من زوجته السابقة غريس هايتاور، حسبما أخبرت المحكمة أثناء شهادتها.
وسألها محامي السيدة روبنسون فينس ماكنايت “لقد دخلت في علاقة مع السيد دي نيرو بينما كان لا يزال متزوجاً، أليس كذلك؟”.
فأجابت: “على الورق، نعم”.
وقالت السيدة تشين للمحكمة إنهما في البداية أخفيا العلاقة عن عائلة دي نيرو والعاملين في مكتبه.
وانتقلا للعيش في منزل (تاون هاوس) في الجانب الشرقي العلوي من مانهاتن وأنجبا طفلة – الطفل السابع للممثل – في وقت سابق من هذا العام.
وقالت السيدة تشين: “لدينا ابنة و15 كلباً”.
وانفصل دي نيرو علناً عن هايتاور في تشرين الثاني (نوفمبر) 2018، مما أشعل إجراءات طلاق مريرة.