أعلن حزب القوات اللبنانية الثلاثاء عن مبادرة لتجنب الفراغ في قيادة الجيش، وسط تساؤلات حول ما إذا كانت المبادرة ستلقى تجاوبا من الفرقاء السياسيين ولاسيما الثنائي الشيعي الممثل في حزب الله وحركة أمل.
ويخشى اللبنانيون من انتقال عدوى الفراغ في رئاسة الجمهورية إلى المؤسسة العسكرية مع اقتراب انتهاء ولاية قائد الجيش الحالي العماد جوزيف عون، في العاشر من يناير المقبل، في ظل غياب اتفاق بين القوى السياسية، وتعمّد البعض استخدام الملف كورقة ضغط في لعبة المساومات السياسية.
ويقول مراقبون إن لمخاوف اللبنانيين ما يبررها لاسيما في ظل الوضع الحرج الذي يمر به لبنان نتيجة التصعيد المستمر على الجبهة الجنوبية بين إسرائيل وحزب الله والذي يخشى من اتساع نطاقه.
وقال نائب رئيس حزب القوات اللبنانية النائب جورج عدوان، من مجلس النواب، إن “المصلحة الوطنية تقتضي التصرف بشكل استثنائي، لذا تقدم تكتل الجمهورية القوية باقتراح قانون يمدّد لرتبة عماد لإتاحة استمرار قيادة الجيش، لأن أيّ اختلال في المؤسسة العسكرية يهدد أمن لبنان القومي”.
وأضاف عدوان “اقتراحنا مساره الهيئة العامة مباشرةً في جلسة ببند وحيد لحفظ المصلحة الوطنية العليا”، داعياً لعقد جلسة تشريعية في الأيام المقبلة لضمان استمرارية المؤسسة العسكرية.
وأعرب نائب رئيس القوات اللبنانية عن أمله في أن تكون هناك جلسة قريبة للتصويت على الاقتراح كي يطمئن الناس للسلم الأهلي والوضع العام.
ويقاطع حزب القوات اللبنانية وعدد من القوى السياسية الجلسات التشريعية بسبب الخلاف على رئاسة الجمهورية، لكن الحزب الماروني قرر التخلي عن هذا التوجه في ظل إدراكه لخطورة الفراغ في المؤسسة العسكرية التي بقيت حتى الآن المؤسسة السيادية الوحيدة الصامدة في لبنان، بالرغم من سيل الضغوط الذي تتعرض له.
ويرى متابعون أن المقترح الذي يعرضه حزب القوات يستهدف التمديد للعماد عون باعتباره الخيار الواقعي والأمثل حاليا في غياب توافق على خليفة له وفي ظل عدم تسمية رئيس جديد للأركان، حيث أنه الوحيد الذي يجيز له القانون اللبناني تولي منصب قائد الجيش في غيابه.
ويقول المتابعون إنه ليس من الواضح بعد مدى تجاوب الفرقاء مع عرض القوات، ولاسيما الثنائي الشيعي الذي تحاشى حتى الآن فتح ملف التعيينات الأمنية ورفض إبداء أيّ موقف بشأن كيفية حسم الملف.
وكان الموقف الوحيد الصادر من الثنائي الشيعي الذي صدح به زعيم حركة أمل رئيس مجلس النواب نبيه بري، حينما دعا قبل أيام رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى التريث بشأن الملف، خلال لقاء جمع الطرفين في عين التينة.
في المقابل تنقسم مواقف باقي القوى السياسية بين رافض للتمديد لقائد الجيش الحالي لحسابات سياسية تتصل برغبتها في قطع الطريق على العماد عون لتولي رئاسة الجمهورية، ويتبنى هذا الموقف خصوصا التيار الوطني الحر وتيار المردة.
وهناك شق يقوده الحزب التقدمي الاشتراكي الذي لا يعارض خيار التمديد، شريطة أن يتلازم ذلك مع تعيين رئيس لهيئة الأركان العامة (من نصيب الطائفة الدرزية) ومدير للإدارة، والمفتش العام لتأمين النصاب المطلوب لانعقاد المجلس العسكري، ويدعم هذا الخيار عدد من النواب المستقلين، ومن المنتمين إلى محور الممانعة، ومِن بينهم النائب فيصل كرامي.
ويقول مراقبون إن موقف الثنائي الشيعي حيال تفادي شبح الشغور في قيادة الجيش، يبقى مفصليا، وسط توقعات بأن يميل برّي إلى الموافقة على مبادرة القوات، لكن ذلك قد لا ينسحب على موقف حزب الله، الذي لا يبدو أن الملف في وارد اهتماماته في الظرف الحالي.
ويوضح المراقبون أن هناك مخاوف جدية من أن يعمد حزب الله إلى ترك حل أزمة شغور قيادة الجيش معلقة، لإضعاف المؤسسة العسكرية، وبالتالي تكريس سطوته العسكرية على لبنان، وهذا أمر ستكون له تداعيات خطرة جدا على آخر حصون البلاد السيادية.
وقال عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب بيار بوعاصي إن “دور الجيش اللبناني اليوم حيوي ومحوري أكان على الحدود أم في الداخل”، مضيفا “لن نقبل بحصول فراغ على مستوى قيادة الجيش، فهي مؤسسة وطنية جامعة للكل وأريد أن أضيف أنها مركز ماروني ولسنا على استعداد للتضحية به”.
وشدّد بوعاصي في تصريحات لوسائل إعلام محلية على أن “المبدأ العام هو عدم التمديد ولكن حين تقتضي المصلحة الوطنية التمديد، فهي تطغى على المبدأ العام”، موضحاً أن “أيّ تمديد مفصول عن استحقاق رئاسة الجمهورية ونحن لطالما شدّدنا على أننا مع مرشح سياسي سيادي مدني ولكننا لن نقف بوجه أيّ إجماع على قائد الجيش العماد جوزيف عون لرئاسة الجمهورية”.
ويعاني لبنان منذ نحو عام من فراغ في سدة رئاسة الجمهورية في ظل تمسك الفرقاء بمقارباتهم لحل الأزمة.
وقد كانت هناك محاولات إقليمية ودولية لإيجاد صيغة توافقية تتبنى تولي قائد الجيش الحالي للمنصب، لكن هذه المحاولات توقفت بعد تفجر الوضع في المنطقة، على إثر الهجوم الذي شنته حركة حماس على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي، والذي ردت عليه الأخيرة بعنف غير مسبوق دخل يومه السادس والعشرين ولا تعرف مآلاته، وسط تحذيرات من إمكانية أن يتسع نطاقه إلى نشوب حرب في كامل المنطقة.