في بعض المقالات يطالعنا كتابها بجملة مغالطات مليئة بالعتب و اللوم على عدم مشاركة المسيحيين في ذكرى رفيق الحريري و يسترسل بعضهم للذهاب أبعد من ذلك الى حد استرجاع نغمة اليسار القديمة باتهام المسيحيين بالإنعزالية و التقسيم فماذا يجري ؟
أولاً – بموضوع عدم المشاركة في ذكرى استشهاد الرئيس الحريري :
الجميع يعرف أن تيار المستقبل عمد الى توتير العلاقة بشكل مدروس و تصاعدي مع حلفاءه من الأحزاب السيادية المسيحية منذ فترة ليست بقصيرة و الجميع يدرك أن تلك الأحزاب لم يعد مرغوبا بها تقريباً في مناسبات تيار المستقبل فكيف لها أن تحضر إن لم تدعى أو إن لم يكن مرغوباً بحضورها ؟ هل تفرض نفسها بالقوة مثلاً ؟
بالمقابل لماذا لم يلم هؤلاء تيار المستقبل على عدم مشاركته في ذكرى شهداء المقاومة اللبنانية أو التمثيل الضئيل له في تلك الذكرى في السنوات الأخيرة ؟ كان الأجدى ببعض هؤلاء المتشدقين أن لا يتسرعوا بلوم الأحزاب المسيحية لا بل القاء اللوم على من تسبب بالمشكلة معهم لأسبابه الخاصة قبل أي أحد آخر !!!
المسيحيون لديهم رؤساء شهداء أيضاً فلما لا نرى جرائدكم تفرد لهم الصفحات في ذكرى استشهادهم كما تفعل عندما تريد لومهم على موضوع لا شأن لهم به ؟ أم ان هذا العتب يحمل في طياته بعض الموروثات الدفينة التي من الواضح أنكم لم تتخطوها يوماً و تتحينون الفرص السانحة لإطهارها مجدداً ؟
ثانياً – في موضوع استرجاع بعض بقايا اليسار القديم و الجبهة الوطنية لنغمة الإنعزالية و التقسيم :
سنتكلم بصراحة مطلقة في هذا الموضوع و هو الشيء الذي لم تتعودوا عليه أنتم و لكن عليكم أن تعتادوه من الآن فصاعداً …
نعم المسيحيين و بأغلبيتهم الساحقة لم يعودوا مؤمنين بلبنان الواحد المعروف و صاروا يعتبرون أن ما أقدم عليه آباؤهم زمن لبنان الكبير كان خطأً استراتيجياً ادى الى اضمحلال حضورهم شيئاً فشيئاً و عليهم محاولة إصلاح ذلك قبل أن يندثروا كلياً فلماذا وصل هؤلاء الى هنا ؟
سنبدأ من انشاء ما عرف بلبنان الكبير في عشرينات القرن المنصرم ، هل سمع هؤلاء المتشدقين اليوم عن مؤتمرات الساحل مثلاً ؟ هل قرأوا مقرراتها ؟ من رفض الكيان اللبناني آنداك و نادى بضم مدن الساحل الى سوريا الكبرى أو الدولة العربية الأكبر ؟ اليس آباء و أجداد هؤلاء المتشدقين ؟ فعلام تلومون المسيحيين اليوم و تزايدون عليهم بالوطنية ؟
من فضل مصلحة كل الحركات القومية ذات البعد المذهبي في هذا الشرق على مصلحة وطنه منذ جمال عبد الناصر و أحداث 1958 مروراً بمنظمة التحرير و اندلاع الحرب الأهلية و اعتبارها جيش إحدى الجماعات في لبنان وصولاً الى مرحلة الإحتلال السوري و مشاركة الجميع حافظ الأسد في عملية استئصال المسيحيين من الدولة في لبنان و اقتسام تركتهم معه ؟ اليس أنتم و محيطكم ؟ فعلام تلومون المسيحيين اليوم و لماذا تتهمونهم بالإنعزالية و التقسيم و ماذا تتوقعون منهم أصلا. ؟
من يدفع أغلب الضرائب في لبنان ؟ في زمن من تم بناء المدارس و الإرساليات و المستشفيات و المصارف و الإعلام و الفن و كل شيء جميل و مفيد في لبنان الذي تفوق على نفسه و احتل المراتب المتقدمة بين الدول و من دمر كل ذلك دون أي سبب وجيه أو منطقي ؟
هل تتوقعون أن يستمر المسيحيون على حالهم حتى يندثروا مثلاً ؟ أو هل تعتقدونهم أغبياء لهذه الدرجة أو أنهم بنظركم أهل ذمة يدفعون الجزية بطريقة غير مباشرة و لهذا تحملونهم عبئ الضرائب عن الجميع في لبنان ؟
لن نستفيض أكثر و سنكتفي بما سردنا علّ البعض يخجل من نفسه و يستفيق و يصوّب سهامه نحو أخصامه الحقيقيين الذين لا يتحرأ على مواجهتهم “فيفش” خلقه و ينفث سمومه الدفينة بالمسيحيبن .
نعم المسيحيون تعبوا و لم يعودو مقتنعين بالتعايش الكاذب معكم و هذه حقيقة و هم حتماً سيسعون لشيء آخر غير هذه الوحدة الكاذبة المصطنعة التي دفعوا وحدهم ثمنها طويلاً و ما زالوا حتى يكاد مجتمعهم يندثر و هم لن ينتظروا ذلك صاغرين مستسلمين كما يتمنى أو يعتقد البعض ….