ربما جاء كلام أحدهم عن الحقوق من منطلق مصلحي ضيق و ربما للمتاجرة و ربما لألف سبب و سبب بعيد عن المصلحة الفعلية لهذا المجتمع و هو الذي اعتاد المتاجرة بأمور كهذه لكن و في المضمون هل هذا الكلام غير صحيح أو أنه يعبر عن حالة معينة وواقع معاش يعاني منه المسيحيون منذ زمن و لم يعد مقبولاً ؟
إن أرادت الأحزاب المسيحية التي تعبِّر فعلياً عن نبض المسيحيين و المؤتمنة حقاً على حضورهم و وجودهم منع البعض من استغلال موضوع الحقوق و المتاجرة به عليها العمل على مواجهة هذا الموضوع بدل التلهي بالجدالات العقيمة مع تجار تلك الحقوق و من هنا تأتي بعض الأسئلة ؟
هل يعاني مسيحيوا لبنان أقله منذ اتفاق الطائف في مناطقهم من الصيف و الشتاء تحت السقف الواحد أم لا ؟ ماذا فعلت أحزابهم مع عودتها بعد ثورة الأرز لمنع هذا التمييز بحقهم بعيداً عن الشعارات و الكلام المنمق ؟
أين تطبق القوانين بحذافيرها أو بصراحة دون وجه حق و باستنسابية فاقعة ؟ اليس في مناطق المسيحيبن فقط ؟ ماذا فعلت قياداتهم و أحزابهم لتصويب هذا التعامل و لتطبيق القوانين كما هي لا باستنسابية أولاً و ثانياً ليشمل هذا التعامل جميع المناطق و المواطنين بدل استهداف مناطق المسيحيين به فقط و الأمثلة كثيرة لا تعد و لا تحصى من مخالفة قانون السير الى جباية الضرائب و ما بينهما ؟
ماذا فعلت الأحزاب المسيحية بموضوع الضرائب و التي تثقل كاهل المسيحيين و يدفعونها وحدهم تقريباً عن لبنان كله مقابل عدم الإستفادة بأي خدمات لهم ؟ هل دعت مثلاً المواطنين للإمتناع عن دفع الضرائب حتى تدفع المناطق الأخرى و أمنت لهم الغطاء السياسي اللازم لذلك ؟
من استفاد و يستفيد من أغلب الخدمات العامة في لبنان و ماذا فعلت كل أحزاب المسيحيين و قياداتهم لتحسين هذا الوضع ؟
الأحزاب المسيحية تدرك بالطبع ما يجري في كل الإدارات العامة تقريباً من وزارة المال الى الجامعة اللبنانية و ما بينهما ، هل حركت ساكناً أقله لإيقاف الأمور عند حد معين قبل فوات الأوان و إفراغ الإدارات العامة من الحضور و الوجد المسيحي داخلها أو أقله إضعافه الى أقصى الحدود و ما صرخة الأب طوني خضرا و غيره سوى الشاهد على ما يجري ؟
لم يعد كافياً أن تطلب القيادات الكبرى من مجتمعها التزام القواتين و السير مستقيمين وسط هذا البحر الهائج من الفاسدين الملتوين ، فلا يمكن لأي أحد العيش وسط بؤرة ملوثة دون أن يتلوث و لو قليلاً إذا اردنا أن نكون منطقيين و صادقين مع أنفسنا و شعبنا !!
النظريات و الأشعار لم تعد تنفع و ما كسبته الأحزاب المسيحية اليوم ستخسره حتماً غداً إن استمرت بترك مجتمعها وحيداً مستهدفاً دون أي حماية سياسية بحجة التزام القوانين و بناء الدولة و سط هذا الكم الهائل من التحلل و التفكك الذي نعاني منه .
لقد شبع المسيحيون من الشعارات الطنانة و الرنانة و هم بحاجة اليوم لحماية سياسية من قادتهم و مسؤوليهم تساعدهم على تعديل ميزان القوى المختل قبل أن يكفروا بكل شيء و يرحل من بقي منهم في لبنان الى غير عودة .
نكتب هذا الكلام محبة بأحزاب كالقوات و الكتائب و الأحرار و أمثالهم و خوفاً عليهم و على مجتمعهم لا ذمّاً بهم لا سمح الله ، هو كلام صادق للفت النظر لأن الوضع لم يعد يطاق ، فقد حوّل البعض مسيحيي لبنان و بطريقة غير مباشرة الى أهل ذمة في بلدهم كل دورهم دفع الجزية المقنعة للآخرين دون ان ينبثوا ببنت شفة و هذا ما على تلك الأحزاب تغييره قبل أي شيء آخر و قبل فوات الأوان .
أخيراً و بمحبة ، ما حققتموه أمس و اليوم من مكاسب ستخسرونه غداً و بسرعة قياسية إن لم تبادروا الى وضع حدّ لهذا الاستهداف المدمر لمجتمعكم و ناسكم ، عليكم إيقاف سياسة الصيف و الشتاء تحت السقف الواحد و عليكم إعادة الإعتبار لدور مجتمعكم و مساواته بالآخرين أقله من ناحية الحقوق و الواجبات ، من هنا تبدأ طريق العودة الى الدولة و لبنان لا من أي مكان آخر و إلا فلنحزم جميعاً الحقائب و لنغادر أرض الأجداد قبل أن نتحول من أهل دمة مقنعين الى ذميين فعليين .