نقل عن الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان قوله إن “لبنان السياسي في خطر”، لم يكد لودريان يغادر بيروت، حتى تأكد هذا الخطر عندما هدد الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله بإعادة تركيب لبنان على أساس غلبة العدد، رداً على من يقول إن غالبية اللبنانيين تعارض قرار المعركة التي فتحها الحزب في جنوب لبنان.
المضمر في تهديد نصرالله أن “لبنان السياسي”، الذي أسهم الفرنسيون في نشأته عام 1920، تجاوز مرحلة الخطر وسقط بحكم الأمر الواقع. وقبل تفنيد هذا السقوط لا بد من التساؤل، هل يوجد لبنان آخر غير “لبنان السياسي”؟ أي دول احتلت سياسياً وبقيت حرة ومستقلة؟ “لبنان السياسي” اليوم يمثله الدستور المنبثق من إرادة المشاركة العادلة التي أرساها “اتفاق الطائف”، ووحده “حزب الله” من ينقض هذا الاتفاق، خصوصاً في بنود تسليم السلاح غير الشرعي ومنع حصول الاستحقاقات الدستورية واستيلائه على القرارات المصيرية التي تختص بها مؤسسات السلطتين التشريعية والتنفيذية.
أول من طرح “الديمقراطية العددية” كان رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى محمد مهدي شمس الدين، الذي عاد وتراجع عن هذا الطرح لا بل شجبه، ثم طويت هذه الصفحة مع رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري وشعاره الشهير “لقد أوقفنا العدد”. ولكن “التقية السياسية” في صلب منهج “حزب الله” السياسي.
قبل سنوات سئل حسن نصرالله عن مشروعه بإقامة جمهورية إسلامية تتبع ولي الفقيه بإيران، فأجاب “هذا رهن بقبول اللبنانيين”. وكما قال اليوم “سنعود للعدد إذا لم يعرف كل طرف حجمه”، ما الذي يمنع إذا ضاق صدر “حزب الله” مستقبلاً، أن يطالب بـ”جمهورية ولي الفقيه” لأن هناك أطرافاً لا تعرف حجمها؟ إذاً “قبول اللبنانيين” لم يعد شرطاً، ومسألة أن “حزب الله” لا يستبعد في يوم من الأيام قبول السنة والمسيحيين والدروز، بقيام جمهورية تابعة لولي الفقيه الإيراني، فيها كثير من الإهانة والكذب.
لقد مضى على قيام نظام الملالي في إيران 45 سنة، فما عدد الطلاب اللبنانيين الذين وجدوا أن مستوى الجامعات فيها يغنيهم عن تحصيل العلوم في جامعات أوروبا وأميركا؟
وهل أزمة النظام التي تمثلها الانتفاضات الشعبية كلما سنحت سانحة، وحملات القمع التي يشنها عملاؤه داخل إيران وخارجها ضد المعارضين تغري بالتخلي عن “لبنان السياسي” لمصلحة “لبنان الإيراني”؟
محمد روسولوف مثقف وسينمائي إيراني فاز بجائزة في مهرجان كان السينمائي لهذا العام، ونجح بالهرب من إيران بعدما عانى اضطهاد السلطة وعسفها. روسولوف الذي وصل سراً إلى أوروبا، كتب على صفحته الرسمية بمنصة “إنستغرام” هذه الرسالة إلى جلاديه، “إذا كانت إيران الجغرافية تعاني وطأة طغيانكم الديني، فإن إيران الثقافية حية في العقول المشتركة لملايين الإيرانيين الذين أجبروا على مغادرتها بسبب وحشيتكم، ولا يمكن لأية قوة أن تفرض إرادتها عليها. ومن اليوم، أنا مقيم في إيران الثقافية”.
على هذه الحافة الخطرة يقف “لبنان السياسي”، وإذا استمر دفن الرؤوس في الرمال، ما الذي يحول في قابل الأيام دون تغريدة لمثقف لبناني كتبها من منفاه وطمأننا أنه مقيم في “لبنان الثقافي”؟