لله- الله الذي هو في السماء- الملجأ والأمان والمتكأ دائما لكن، يا عالم يا هو، في زمن الحروب أو التلويح بحروب نحن بحاجة الى ملاجئ من باطون نحتمي بها من خطر عسكري داهم، قد يحصل وقد لا يحصل، لكنه يلوح. في الجوار، عند العدو، يسمعون صفارات الإنذار فيهرعون الى الملاجئ المحصّنة في كل مبنى وحيّ وبلدة. هنا لا صفارات إنذار. فالى أين نلجأ حين تدوي القذائف والغارات؟ هل هناك قانون أو نصّ أو مرسوم يُحدد ضرورة إنشاء ملجأ في بلد أصابع بعض من فيه دوما على الزناد؟
ترى هل يعرف نقيب المهندسين في بيروت عارف ياسين شيئاً عن تراخيص المباني المطلوب أن تضم ملاجئ؟ هناك من نصحنا بعدم الإتصال به «لأنه لا يجيب». لم نصدق وقلنا: هو نجح باسم «النقابة تنتفض» ولا بُدّ أن يكون هاتفه ومكتبه مفتوحين. إتصلنا على الخليوي وعلى الواتساب وعلى الخليوي من جديد وعلى الواتساب فلم يجب. صدق من قال ونصح.
ماذا يقول نقيب المهندسين في طرابلس والشمال المهندس بهاء حرب عن بناء الملاجئ بحسب القوانين المرعية الإجراء؟ يجيب «يفترض أن يكون في كل منطقة «زون» يضم ملاجئ ومواقف سيارات تحدد بموجب ترخيص من التنظيم المدني من أجل السلامة العامة. يضيف: منذ عشرة اعوام أصبح لزاماً وجود مكتب يدقّق في مدى توافر السلامة العامة، وما إذا كانت المباني مقاوِمة للزلازل وتضم نظام إطفاء للحرائق، والتأكد من توافر الملجأ في المبنى المنوي تشييده».
الكشف كل خمس سنوات
ما يحصل الآن أن المبنى الذي يلحظ وجود ملجأ يعود ويؤجره كمستودع «ديبو». هذا ما قاله النقيب حرب مشيراً الى «أن المشكلة هي في عدم ملاحقة تطورات البناء بعد إعطاء الترخيص. هناك مبانٍ تخلت عن ملاجئها طوعاً وهناك مبان معرّضة لعوامل الطبيعة المختلفة لذا، طلبنا من لجنة الأشغال ووزارة الداخلية الطلب من البلديات عدم إعطاء تراخيص إلا بعد التأكد من السلامة العامة. يجب إجراء الكشف على المباني كل خمس سنوات أسوة بدفتر القيادة الذي يُجدد كل فترة بعد سن الخمسين. نحن نكشف على سيارتنا سنوياً، ونبدّل الزيت في السيارة كل ستة آلاف متر، فلماذا لا نطبّق نفس الشيء على المبنى الذي يضم أغلى ما نملك: أسرنا «.
معه حقّ النقيب حرب. نحن في خطر حقيقي. المباني «ما تهزها واقفة ع شوار» فقولوا الله وصلوا له كثيراًلا ملجأ لكم إلا هو.
ماذا عن «الجنوب المقاوم» واقعياً الذي تركته الدولة في سبعينات القرن الماضي وعادت إليه ثم عادت وتركته في قلب معادلة الحرب و»في وجّ المدفع»؟ هل إحتمت ببناء ملاجئ على الاقل فيه؟
كم تمنينا أن نسمع أن صفارات الإنذار تدوّي في الجنوب لكن، للأسف، لا صفارات إنذار في لبنان كله لا في الجنوب فحسب. أما الملاجئ التي بنيت بموجب مرسوم قديم – أعفى من يدفع غرامة ماليّة من بناء ملجأ – فاستخدمت في تربية المواشي وفي وضع السماد الزراعي. هي كانت كناية عن غرفة إسمنتية متواضعة وما عادت على ما قال مواطن جنوبي يسكن في الشريط «تصلح حتى لطلقة من رشاش حديث».
الملاجئ لها مواصفات غير متوافرة في ما وجد منها. فماذا وجد؟ يقول النقيب حرب: «نظام التهوئة غير موجود. نظام الإطفاء غير موجود. وسلّم الهروب غير موجود. ويستطرد: غالبية المباني التي شًيدت في العقدين الماضيين تضم ملاجئ لكنها حُوّلت الى مستودعات. أُجّرت. ولا تصلح اليوم لتكون مكاناً للحماية».
الوضع لا يُبشّر بالخير. فهل هناك من يعمل لتبديل الوضع ومواجهة ما هو أسوأ؟ قصدنا دائرة المهندسين في حركة أمل لسؤالها عن الجنوب. سألنا رئيسها (السابق) حسان صفا فقال: «لا ملاجئ في الجنوب. هناك إيواء. ثمة مدارس للراهبات في النبطيه، ومن نزحوا من الشريط عملنا على إيجاد غرف فندقية لهم إذا كان عدد أفراد العائلة قليلاً أما الأسر الكبيرة فأوجدنا لها بيوتا. ويستطرد: لا ملاجئ في الجنوب وفي كل لبنان. هناك لجوء لا ملاجئ».
من يريد أن يجد مكان لجوء (لا ملجأ طبيعياً) في الجنوب فليس عليه إلا أن يتصل بالمسؤول عن الخدمات في حركة امل في الجنوب. هذا ما طلبه المهندس حسان صفا «وكل شيء يتدبّر».
في وقتٍ نشعر نحن، في لبنان، بأننا في فوهة المدفع بلا ملاجئ نسمع عن ملاجئ العدو «5 نجوم»، ونسمع أيضا عن ملاجئ «الشقيقة». هناك، في دمشق، يخبرون عن صافرات إنذار عددها 64 منها 15 خارج الخدمة اليوم، و39 قيد الصيانة. ويتحدثون عن 103 ملاجئ موزعة على الأحياء. في دمشق مفاجأة أيضا – شبيهة بالمفاجأة اللبنانية – معظم ملاجئ دمشق مؤجرة كـ»سوبرماركت». ألا يقال أن سوريا ولبنان شقيقان؟ في اللاذقية ثلاثة ملاجئ، إثنان يتسعان لـ 1000 شخص والثالث يستوعب ثلاثة آلاف. هذا الخبر صدر عن مدير الدفاع المدني في اللاذقية، والناس ردوا: هذا مجرد كلام لا حقيقة له. لا يصدق الناس في سوريا وفي لبنان أن الدولتين تهتمان بهم. هذا حقهم فالتجارب كثيرة الدالة الى كلام كثير وفعل قليل.
هل تتطوّر الحرب؟ صلوا كثيراً. تضرعوا الى ملجئكم الوحيد: الله. فسلطة لبنان التي سرقت أموال اللبنانيين وغير اللبنانيين مما وثقوا بنظامها المصرفي مستعدة أن تترك كل هؤلاء ينزلقون في الهاوية بلا مأوى ولا ملجأ ولا متكأ. اللبنانيون في عين العاصفة والدولة في عالمٍ غير واقعي من «زمان وجاي».
مرسوم «تبويس اللحى»
في 13 أيلول 1971 أقرّ مجلس النواب أربع مواد. جاء فيها: تعدّل المادة 21 من المرسوم الإشتراعي رقم 50 تاريخ 5 آب سنة 1967 كما يلي: كل بناء خاضع لموجبات الدفاع المدني، يجب أن يشتمل على ملجأ تحدد مواصفاته. ويُخيّر طالب رخصة البناء بين الملجأ المفروض وبين دفع رسم ملجأ يُحسب على أساس عشر ليرات لبنانية عن كل متر مربع من المساحة المتوجبة للملجأ، تستوفي البلدية هذا الرسم لصالح الصندوق المستقل للدفاع المدني قبل الترخيص بالبناء. ويعود لمجلس الوزراء عند الإقتضاء تحديد المناطق حيث يفترض إنشاء ملاجئ (…) وكل مالك إختار بناء الملجأ ولم يبنه أو بناه خلافاً للأصول المفروضة يغرّم ثلاثة أضعاف الرسم المفروض. وكل مالك وشاغل يُقْدِم على تحوير منشأت الملجأ أو يحدث نواقص في التجهيزات المكملة له يعاقب بغرامة قدرها خمسون ليرة لبنانية عن كل متر مربع مساحة الملجأ المفروض (…) تجبى الغرامات التي لا يعترض عليها أو المقررة وفقا للأصول في تحصيل الأموال العمومية. ويمكن لوزير الدفاع الوطني أن يجري مصالحات في شأن قيمة الغرامة المطلوبة أو المقررة من قبل لجنة النظر في المخالفات، على أن لا تقل قيمة المصالحة عن عشر ليرات لبنانية عن المتر المربع.
إنه مرسوم أشبه بثقافة تبويس اللحى: يُحدد المطلوب ويعطي خيارات تتيح الإنسحاب من المتوجب مقابل مبالغ ضئيلة أو مصالحة. هكذا بني لبنان.
فروقات يدفعها المخلّصون
تأتي كلمة مخلّص من خلّص… لكن من يخلّص من يتعاطون مع الجمارك في لبنان من آخر بدع التعاملات المالية؟ منذ خمسين يوماً تقريباً، بدأت دائرة المحاسبة في وزارة المال اعتماد أسلوب جديد. يصل المخلّص ومعه المال الذي يريد إرساله الى مصرف لبنان. ولأن لا ماكنات لعدّ المبالغ المالية في الجمارك يؤخذ الموضوع «بالأملية». فلنحسب أن المبلغ المدرج قدره مئة وخمسون ملياراً. يأخذه الموظف من المخلص الجمركي مع ورقة بقيمة المبلغ واسم المخلص – من دون العدّ والحساب – ويرسله الى مصرف لبنان. هناك توجد مجموعة كراتين بأسماء عدد من المخلصين، يضعونها معا في ماكنة العدّ، وإذا كان يفترض أن تأتي نتيجة المبلغ 500 مليار وظهرت 490 ملياراً، يطلب ممن سبق وارسلوا المال الذي جُمع في جهاز العدّ دفع الفارق. أتتخيلون؟ هذا لا يحصل حتى في بلاد الماوماو.
هناك من يصف ما يحصل «بالضحك على الذقون»، وهناك من يقول عنه مسخرة، وهنالك من يقول: يا عيب الشوم! والأسوأ أن مطالبة المخلصين بسداد الفارق يأتي بعد شهر أو اكثر ما أثار غضبهم واستياءهم وكانوا ينوون الإضراب مطالبين بعدّ أموالهم لحظة تدفع. وهذا يفترض أن يكون حقاً لا مطلباً. البارحة مساء، أرسل جميل رمضان، نقيب مخلصي البضائع المرخصين في لبنان، رسالة الى أعضاء النقابة مفادها: أتوجه إليكم بعد ملامة كبيرة اننا كنقابة لا نتحرك في موضوع النقص في دائرة المحاسبة في الجمارك وحماية المخلص من الضرر الذي يلحقه. هذا الواقع لا يمكن ان نواجهه إلا بالامتناع عن تقديم اوراق من الآن وصاعدا. واتفقنا مع الإدارة ورئيسة المحاسبة (لينا لطيف) على ان أي مخلص جمركي يريد أن يدفع كاش (نقدا) إبتداء من 16 تشرين الثاني (اليوم) يقف وينتظر دوره لعدّ المال ولا يضع اتيكيت في «باكيتات» المال باسمه. لا تعود هناك مسؤولية عليه بعد العدّ. والافضلية ستكون لمن معه شيك.
اليوم هو 16 تشرين الثاني. فهل ستنتهي مشكلة المخلصين الجمركيين أم سيظل من يدفع مالاً كمن يدخل مغارة علي بابا؟