بعث الأمل في نفوس هؤلاء الأهالي الذي كانوا في حالة ترقب طوال الفترة الماضية لأي محاسبة للمسوؤلين عما حصل، أتى هذا القرار ليؤكد لهم بأن الأمل ليس مفقوداً بأن تتحقق العدالة وبأن يكون هناك اعتراف قضائي بما حصل فيحاسب المسؤولون عن هذه الكارثة، وبالنسبة إليهم هو بمثابة انطلاقة جديدة ودفع لقضايا ضحايا أخرى لم ينصفها القضاء اللبناني. ألكسندرا نجار أصغر ضحايا الانفجار ممن أنصفهم هذا الحكم القضائي عندما حمل الشركة مسؤولية مدنية بالعطل والضرر بعد أن تقدم أهلها بالدعوى أمام القضاء البريطاني، لكن هل استطاع هذا الحكم أن يشفي غليل أهلها الذين فقدوا أعز ما لديهم أم أن ألمهم يبقى نفسه بعد مضي ثلاث سنوات على هذه الفاجعة؟
انتصار لذكرى ألكسندرا
منذ حصول انفجار مرفأ بيروت، لم يوفر أهالي الضحايا جهداً للوصول إلى الحقيقة وتحقيق العدالة عل ذلك يشفي غليلهم، وإن كان لن يعيد إليهم أحباءهم الذين خسروهم في هذه الكارثة، حتى اللحظة لم تحصل أي محاسبة ولم تنجل الحقيقة ويفلت المسؤولون من العقاب، فيما يبقون في حالة ترقب وانتظار وخيبة أحياناً في ظل عجزهم عن تحقيق أي تقدم أمام كل هذه العراقيل، هم ينتظرون بفارغ الصبر لحظة تحقيق العدالة وإظهار الحقيقة بـ”جريمة العصر”.
بعيداً من الجانب المادي في حكم القضاء البريطاني، خصوصاً أنه ليس من المتوقع أن يُحصّل أصلاً التعويض المادي لأن شركة “سافارو” التي أقيمت الدعوى المدنية ضدها هوية مالكها لم تحدد، ولكن لصدوره رمزية خاصة بالنسبة إلى أهالي الضحايا وأهل ألكسندرا بشكل خاص، فليس للعائد المادي أي أهمية لوالد ألكسندرا بول نجار الذي يؤكد في حديثه مع “اندبندنت عربية” أن هذا الحكم أتى لينتصر لذكرى ألكسندرا وكرامتها وشكل نفحة أمل له ولوالدتها، إنما أيضاً لعائلات الضحايا الذين يترقبون تحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة المروعة التي حصدت أرواح أعز من لديهم. لذلك يعتبر هذه الخطوة، ولو كانت بسيطة، إيجابية له ولزوجته ترايسي وأيضاً لأهالي الضحايا، فهذا الحكم القضائي هو الأول في قضية تفجير مرفأ بيروت بعد طول انتظار. وكانت شركة “ديكر” ومكتب الادعاء في نقابة المحامين قد اقترحت التقدم بهذه الشكوى ضد شركة “سافارو ليمتد” وفق آلية معينة، ووقع اختيارها على ثلاث عائلات، بما أنه كان هناك قرار بالبدء بعدد محدود من العائلات قبل التوجه إلى نطاق أوسع مع بقية الأهالي، فإذا أتى الحكم القضائي إيجابياً، يتخذ قرار المضي قدماً والتوسع مع مزيد من العائلات باتباع استراتيجية معينة هدفها الوصول إلى الحقيقة.
“لهذه الخطوة رمزية خاصة ولها أهمية كبرى بالنسبة إلينا على مختلف الأصعدة. للمرة الأولى، هناك حكم قضائي في قضية انفجار المرفأ ضد جهة معنية بالقصة ومسؤولة فيها. هذه الخطوة أكدت وجود مذنب ومسؤول. ففي السابق، لم نر إلا عمل الإعلام الاستقصائي، فيما غابت الأحكام القضائية التي تعترف بالجريمة وتتجه إلى تحميل المسؤولية والمحاسبة لتحقيق العدالة. لذلك، بعثت هذه الخطوة الأمل في نفوس أهالي الضحايا عندما أكدت أنه ثمة أمل بتحقق العدالة. قد تكون خطوة صغيرة لكنها إيجابية ومهمة للكل بعيداً من أي عائد مادي”.
في المقابل، تستمر عرقلة التحقيقات أمام القضاء اللبناني، فيما من المفترض أن يصدر حكماً في البلاد حيث حصلت الجريمة وليس من قبل قضاء أجنبي. بحسب نجار يؤكد القاضي طارق البيطار بلوغه نسبة 90 في المئة في التحقيق في الملف، لكن ثمة حاجة إلى تضامن شعبي لإزالة العراقيل لصدور القرار الظني. يعتبر نجار تدخل القضاء الأجنبي في بريطانيا وتكساس وغيرها من الدول المعنية بما حصل، من الخطوات المهمة والواعدة أيضاً. لكن المطلب الأساسي حالياً يبقى الاعتراف بالجريمة ومعرفة الحقيقة على أثر صدور حكم من القضاء اللبناني لمحاسبة المذنب. فهذا ما قد ينتصر لكرامة الضحايا كافة ويرد اعتبارهم ويشفي غليل أهاليهم فعلاً.
في الاعتراف إنصاف
لكل من أهالي الضحايا وضع مختلف ما لا يسمح بالتعميم. فيعتبر البعض أنه لا يمكن لشيء أن يعوض عليهم الخسارة الكبرى التي تكبدوها عندما فقدوا أعز ما لديهم، فيما قد يزود هذا التعويض وما يرافقه من اعتراف بما حصل ومن محاسبة، نوعاً من الرضى للبعض الآخر. بحسب الاختصاصية في المعالجة النفسية في مركز بلفو الطبي ريما بجاني، في حالة انفجار مرفأ بيروت، من المؤكد أن قراراً قضائياً من هذا النوع يعد منصفاً حكماً لأهالي الضحايا. إذ لا تقتصر المشكلة هنا على هول الكارثة التي حصلت، بل على ما تبعها من تلكؤ في الاعتراف بالجريمة وفي محاسبة من يتحمل هذه المسؤولية.
هذا ما شكل تحدياً كبيراً لأهالي الضحايا كافة وزاد من الضغوط عليهم بعد الخسارة الكبرى التي تكبدوها عندما فقدوا أحباءهم. لذلك، إن أنصفهم صدور هذا القرار بما يحمله من رمزية ومن تعويض معنوي بالدرجة الأولى، زودهم بشعور بالرضى عندما لمسوا من خلاله بأنهم ليسوا منسيين وبأن ثمة محاسبة وتعاطياً جدياً مع قضيتهم، فبعد أن خسروا أحباءهم في هذه الكارثة، الأسوأ أنهم لم يجدوا أي اعتراف بهول ما حصل ولا محاسبة ولم يسع مسؤول إلى مساندتهم في هذا المصاب الأليم عبر السعي إلى تحقيق العدالة. “أسهم هذا الحكم القضائي دون شك في تهدئة أهالي الضحايا، حتى أولئك غير المعنيين بالدعوى، خصوصاً أنه صادر عن قضاء أجنبي موثوق يؤمن بحقوق الإنسان ويحرص عليها. استطاع أن يرد جزءاً من الحق لأصحابه ويعترف بالضرر الحاصل وأن يحمل جهة معنية مسؤولية، ولا ترتبط المسألة هنا بالتعويض المادي سواء لأهل ألكسندرا أو لأي من أهالي الضحايا، بل بالحكم بذاته وباعتراف القضاء بما حصل وبما سببه من ألم لهم وبمحاسبته المسؤولين، وإن كان ذلك لا يعوض عليهم خسارتهم، وبالنسبة إلى أهل ألكسندرا بشكل خاص، كون الطفلة أصيبت في أكثر الأماكن أماناً لها ولهم من الطبيعي أن يفقدوا الثقة بكل ما من حولهم وبلبنان أيضاً، ويساعدهم حكم قضائي ومحاسبة المسؤولين على استعادتها تدريجاً”.