“عميل”
أخيراً، حذر الأمين العام لـ”حزب الله” اللبناني حسن نصر الله من خطورة الهواتف المحمولة على البيئة المستهدفة بالاعتداءات الإسرائيلية، واصفاً تلك الهواتف بـ”العميل” الذي يحمله اللبناني، ويخرق خصوصية الأفراد والجماعة. وجاء هذا التحذير في أعقاب عمليات التتبع والاغتيال التي نفذها الجيش الإسرائيلي في صفوف قيادات وعناصر الحزب، والتي جاءت باكورتها في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، عند اغتيال خمسة قياديين من “قوة الرضوان” التي تضم نخبة عناصره، ناهيك عن سلسلة عمليات الاستهداف للكوادر العسكرية اللبنانية والفلسطينية بواسطة الطيران المسيّر ذات القدرات التجسسية. وقد راج في أعقابها حدوث عمليات خرق كبيرة لشبكة الاتصالات، إضافة إلى كاميرات المراقبة، وتعقب حسابات التواصل الاجتماعي في لبنان. وسادت في أوساط المواطنين الدعوة لاستخدام هواتف الجيل الأول لتقليل المخاطر الأمنية، بعيداً عن التطبيقات التي تكشف بسهولة موقع المستخدم.
الهروب من التواصل الاجتماعي
لا يمكن اعتبار الإقبال على هاتف “أبو لمبة” بالأمر الطارئ، فخلال السنوات الأخيرة، سبح لبنانيون عكس التيار السائد، فهو يعتبر “هاتف الطوارئ” لدى البعض، أو “لاعب احتياط” كما يقول “سامر” وهو شاب ثلاثيني يرى أنه “بعد تزايد ساعات انقطاع الكهرباء، أصبحت الحاجة ملحة لديه لاستعادة تجربة 2010 مع هاتف نوكيا 1280، فهو يتمتع بإرسال قوي، وإشارة لا تنقطع، ناهيك عن البطارية التي تدوم وتدوم طويلاً. ولذلك، لا يخشى حامله من انطفائه بسبب ضعف الشحن”.
يصنف “سامر” نفسه ضمن خانة “الأوفياء” لعائلة هواتف “نوكيا” القديمة التي يمتلك مجموعة منها، ويرفض التخلي عن هذه الأجهزة لأنها توثق مراحل تطور الهاتف المحمول، و”ثورة دخول الكاميرا إلى حياة المستخدمين”، مضيفاً “دخلت بعض الأجهزة أحياناً مرحلة السبات العميق بفعل عدم العثور على شاحن ملائم لها في كثير من الأحيان”.
في المقابل، لا يخفي بعض المستخدمين أنهم يقومون بشراء الهواتف القديمة من قبيل الاحتياط، وفي حال وقوع أي حرب كبرى، يكون في حيازتهم هاتف قوي لا يستهلك الطاقة سريعاً، كما أنه “غير معرض للاختراق”. من جهته، يلفت “أحمد” صاحب متجر هواتف في مدينة الميناء، “يأتينا مزيد من المواطنين، ويطلبون هواتف نوكيا القديمة، وأحياناً ينتظرون عدة أيام إلى حين تأمين أعداد كافية من تجار الجملة”، ويكشف أصحاب المتاجر “يميل أكثر الناس إلى الهواتف الذكية، إلا أن أصحاب المهن الشاقة، الذي يعملون في بيئة وعرة، يحتاجون إلى هاتف يقاوم الكسر وعوامل السقوط”.
اختراق الخصوصية
يسود الانطباع لدى اللبنانيين بأن “الهاتف القديم غير معرض للاختراق وآمن للغاية”، ولكن لهذه الفكرة محاذيرها بنظر الخبراء. يؤكد الباحث في مجال الاتصالات وليد منصوري أنه “لا يوجد جهاز مرتبط بشبكة الاتصالات غير معرض للاختراق بالمطلق، وإن كانت الهواتف الذكية أكثر عرضة للخرق مقارنة بالهواتف القديمة”، قائلاً “ما إن يتم الاتصال بشبكة الإنترنت يصبح المستخدم عرضة للمراقبة من خلال تتبع الـip أي رقم الإنترنت الخاص المماثل لخط الهاتف”.
وينبه إلى “إمكانية اختراق هاتف (أبو لمبة) ما إن يصبح متصلاً على شبكة الاتصالات، حيث يحدد موقعه من خلال برج الاتصالات وعمود الإرسال المتصل به، ومن ثم يمكن للمخترق معرفة الموقع التقريبي للهدف من خلال النطاق الجغرافي لعمود الإرسال، ومن ثم تتبع حركة الإشارة من عمود إلى آخر”. كما يشير إلى الموقع المتقدم للشركات الإسرائيلية في مجال تقنيات الاتصالات وبرامج التجسس، كما يمتلكون موقعاً متقدماً على المستوى العالمي في مجال التكنولوجيا والأمن الرقمي.
يجزم منصوري أن “كل مستخدم لأي جهاز وتطبيق هو عرضة لعمليات التجسس متى أرادت جهة ما القيام بذلك”، مشيراً إلى أن “مواقع التواصل الاجتماعي فاعلة في هذا السياق”. كما يلفت إلى تعدد المداخل والأجهزة التي تعرض خصوصية الأفراد للانتهاك بدءاً بربط المنزل بشبكة الإنترنت من خلال الكمبيوتر والهاتف، مذكراً بأنه “يمكن لأي موقع معرفة مكان المستخدم الذي يسجل دخول إليه. كما يحدد الموقع تفضيلات الزائر، وصولاً إلى جمع معلومات كاملة عنه، لناحية تحديد الأشخاص الذين يتواصل معهم، وعدد الزيارات وأوقاتها”.
ثروة “البيغ داتا”
يتطرق منصوري إلى أهمية جمع “البيغ داتا” (البيانات الكبيرة) في عمل الشركات، فهي بمثابة الثروة التي يمكن بيعها إلى الزبائن وشركات تجارية أخرى، منوهاً “يمكن ملاحظة ذلك من خلال فيض الإعلانات أو المواضيع ذات الصلة التي يبدأ المستخدم تلقيها ما إن يبحث عن موضوع معين. هذه الأمور تتخذ طابعاً تجارياً، ولكن لا يحول ذلك دون استخدامها لغايات تجسسية”.
جيل جديد من الهواتف “الأكثر خطورة”
خلال العشرية الماضية، شهدت الهواتف تطوراً ثورياً، وخسرت شركة “نوكيا” عرش الهواتف المحمولة بفعل عدم مواكبة التطور الكبير للهواتف الذكية الذي قادته شركات “أبل” الأميركية و”سامسونغ” الكورية ولاحقاً “هواوي” الصينية. وتتجه شركات التكنولوجيا إلى تكييف الهواتف الذكية مع تقنيات الذكاء الاصطناعي. ويؤكد منصوري “سيتيح دخول الذكاء الاصطناعي عالم الهواتف الذكية مزيداً من القدرة على تتبع المستخدم، وجمع معلومات عنه، ومعرفة كيفية تفكيره، واكتشاف كل ما تلمسه أصابعه حتى لو قام بإلغاء الأمر”، موضحاً “ستتمكن الشركات من معرفة كل ما يكتبه الشخص على هاتفه، سواء أكانت كلمة سر أو كلمات عادية أو رسالة نصية، ولن يتوقف على استخدامه لمواقع التواصل الاجتماعي أثناء ارتباطها بشبكة الإنترنت”.
يكرر منصوري “تمنح الشركات مزيداً من المزايا المجانية في الهواتف بهدف جمع المعلومات عن المستخدم وذلك لغايات تجارية وتحقيق الأرباح من الناحية المبدئية، ولكن ليس هناك مانع دون تزويد أجهزة الاستخبارات بمضامينها”.
ورداً على سؤال حول إصرار الشركات بصورة دائمة على وجود سياسة حماية خصوصية المستخدم، والحيادية، وعدم خدمة الحكومات، يقول الباحث في مجال الاتصالات “يمكن اعتبار ذلك بمثابة الواجهة للعمل، ولكن عند الحاجة وتحت وطأة الضغط تقوم الشركات بتزويد الحكومات بكامل البيانات”، مضيفاً “أوضح مثال على ذلك، سن الاتحاد الأوروبي تشريعات تلزم الشركات العالمية بالخضوع لمعاييرها الخاصة، وهذا حدث بالفعل من أجل تأمين الاستمرارية وديمومة العمل، وتجنب العراقيل التي يمكن أن تواجهها”.
يخلص منصوري إلى “الأخطار الأمنية للهواتف في حقبة الصراعات وجعل المستهدف تحت مجهر الملاحقة، إضافة إلى التأثير على أذواق وتوجيه السلوك، ولكن لا يمكن أن تنفي المزايا والفائدة منها لناحية التواصل، وإتاحة كميات هائلة من المعرفة والمعلومات”، ملاحظاً “تأثيرها الشديد على مصير الشعوب في أعرق الديمقراطيات، كما حصل خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية السابقة، والحديث عن انتشار الأخبار الزائفة وعمليات التضليل من حسابات غير موثقة”.