بعد دوامة من التضخم المفرط والتخلف عن سداد الديون وانهيار الخدمات العامة، كان من المتوقع ظهور علامات متواضعة على التعافي الاقتصادي من واحدة من أشد حلقات الأزمة التي شوهدت على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، لكن بصيص التفاؤل هذا تضاءل في ظل خطر جر لبنان إلى الحرب مع إسرائيل.
وأدت الحرب بين إسرائيل وحماس إلى نزوح أكثر من 75 ألف مواطن داخل لبنان، فضلاً عن مقتل عشرات آخرين. كما أدى النزاع في غزة إلى إلغاء أكثر من نصف حجوزات السفر إلى لبنان. ويرى محللون أن الصدمة التي يتعرض لها الإنفاق السياحي ستؤدي إلى عكس النمو الاقتصادي الضعيف الذي كان متوقعًا لعام 2023 بسرعة.
وكان المزاج السائد في لبنان هو القلق العميق بشأن احتمال نشوب صراع إذ أن أي امتداد للصراع في البلاد من شأنه أن يسبب المزيد من النزوح الداخلي ويجهد خدمات الدولة إلى ما هو أبعد من نقطة الانهيار. وأدى الصراع الأخير بين إسرائيل ولبنان – في عام 2006 – إلى ما يقدر بنحو 6.75 مليار دولار من الأضرار وفقدان الإيرادات وآلاف القتلى أو النازحين من منازلهم.
ومن شأن تكرار حرب لبنان عام 2006 أن يسبب كارثة إنسانية ويزيد من تفاقم حالة الاقتصاد اللبناني المحاصر بالفعل. ويرجح مراقبون أن صراعًا جديدًا من المحتمل أن يجبر الآلاف من أولئك الذين يعيشون في لبنان على الفرار من البلاد، مما يزيد من الاتجاه الموجود بالفعل في الهجرة إلى الخارج، وهي حقيقة لم تغب عن دول البحر الأبيض المتوسط المجاورة.وبدعم من إيران، يعتبر حزب الله اللبناني نفسه مقاومة ضد إسرائيل ويمتلك ما يقدر بنحو 130 ألف صاروخ وقذيفة جاهزة لأي صراع مع إسرائيل.
ولكن على الرغم من هذا الموقف العدائي، كان الأمين العام للحزب، حسن نصرالله، منضبطاً في خطابه، وهي علامة تبعث على الأمل في أنه يسعى إلى تجنب الحرب. وفي حين قد تبدو المبادرات إيجابية، فإن الجمهور اللبناني يدرك الوضع المحفوف بالمخاطر الذي ينتظره، إذ أن نصرالله يسير على حبل مشدود بين إبقاء لبنان خارج الصراع الذي لا يستطيع تحمله، بينما يحاول ضمان احتفاظ حزب الله بمصداقيته باعتباره “المقاومة” لإسرائيل.
والخوف السائد في شوارع لبنان هو أن هذا المسار مستحيل للتفاوض، وأن حزب الله سيدفع في نهاية المطاف إلى اتخاذ مزيد من الإجراءات، مما يؤدي إلى تصعيد الصراع. وتزيد التقارير المتواترة عن اغتيال إسرائيل لعدد من قادة الحزب في لبنان الضغوط على حزب الله للرد.
وتضافرت العديد من الأزمات المتداخلة على مدى العقد الماضي لإيصال لبنان إلى نقطة الانهيار. وشهدت الحرب الأهلية في سوريا المجاورة منذ عام 2011 ما يقدر بنحو 1.5 مليون لاجئ يبحثون عن مأوى في لبنان كما تستضيف البلاد أكبر عدد من اللاجئين لكل فرد ولكل كيلومتر مربع في العالم.
ويواجه لبنان أيضًا أزمة اقتصادية حادة منذ عام 2019، والتي تفاقمت مع ظهور جائحة كوفيد – 19. ونتيجة لهذه الأزمة، يعيش الآن حوالي 80 في المئة من اللبنانيين في فقر و36 في المئة تحت خط الفقر المدقع.
وتفاقمت هذه الأزمة في عام 2020 بعد انفجار مرفأ بيروت الذي أودى بحياة 218 شخصا ودمر أجزاء من عاصمة البلاد. وأدى الانفجار إلى توقف نصف مراكز الرعاية الصحية في بيروت عن العمل، وأثر على 56 في المئة من الشركات الخاصة في المدينة، وتسبب في أضرار مادية تصل إلى 4.6 مليار دولار.
ويتفاقم الوضع غير المستقر في لبنان بسبب حكومة تقاسم السلطة ــ الغارقة في الفساد ــ والمؤسسات المختلة. ويحتل لبنان المرتبة 150 من بين 180 دولة من حيث الفساد، وقد فشلت الحكومة في إقرار الميزانية منذ أكثر من عقد من الزمن، وتم تسجيل مزاعم موثوقة بشراء الأصوات والتدخل السياسي في الانتخابات.
ووجه المواطنون اللبنانيون، الذين تحملوا وطأة هذه الأزمات، غضبهم إلى الحكومة. وفي أكتوبر 2019، مع ظهور الانهيار الاقتصادي، خرج ما يقدر بنحو 2 مليون شخص إلى الشوارع للمطالبة باستقالة الحكومة.
وفي ضوء هشاشة لبنان، يؤكد القادة اللبنانيون على ضرورة تجنب احتمال نشوب حرب بين إسرائيل ولبنان بأي ثمن كما يؤكدون على الحاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة. وعلاوة على ذلك، هناك إطار محتمل للتوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحزب الله متاح بالفعل.
وينص قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 على أن إسرائيل تحترم السيادة اللبنانية وتطالب بنشر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة على الحدود، وهناك حاجة ماسة إلى وساطة وضغط دوليين قويين لإنفاذ الاتفاق لمنع وقوع كارثة إنسانية.