يحتفظ لبنان بحيازة المراكز المتقدّمة على القوائم الدولية لقياس معدلات التضخم حول العالم، مع تسجيل «تفوّقٍ» مستمر في بند ارتفاع أسعار الغذاء، بينما تنحو الترقبات المحدّثة إلى توقع تقلّصاتٍ نسبية في قوة موجات الغلاء وصعودها خلال الفترة المقبلة، ربطاً بتوسع ظاهرة دوْلرة الاستهلاك (التسعير بالدولار) واستدامة استقرار أسعار الصرف.
وقد سجّل لبنان، بحسب الرصد الأحدث للبنك الدولي، خامس أعلى نسبة تضخّم إسميّة في أسعار الغذاء حول العالم في فترة القياس الدوري، محققاً نسبة 51.4 في المئة ارتفاعاً في مؤشر غلاء الغذاء، ما يعكس بوادر النزول من صدارة الترتيب الذي نافس على حيازته بأرقام قياسية في فترة المقارنة السابقة.
ووفق الترتيب الدولي، والذي يَفتقد إلى المعطيات الإحصائية الخاصة بسورية، برزت ثلاث دول عربية ضمن لائحة الأعلى في غلاء الغذاء. حيث تساوى لبنان مع فلسطين في نسبة التضخم، وتلتْهما مصر بتسجيل نسبة 45 في المئة. في حين حازت الأرجنتين المركز الأول بنسبة 308 في المئة، وبعدها زيمبابوي بنسبة 101 في المئة، ثم تركيا بنسبة 71 في المئة، وفنزويلا بنسبة 59 في المئة. علماً أن نِسَب التضخّم ترتكز على أحدث الأرقام بين شهر ديسمبر 2023 وشهر مارس 2024 للبلدان التي حدّثت أرقام نِسب تضخّم أسعار الغذاء ونِسب التضخّم الإجماليّة.
وبالفعل، يعاني لبنان من تدهور حاد في أزمة الغذاء، وفق ما يَظْهر في خلاصات التقرير الدوري الجديد للشبكة العالمية ضد الأزمات الغذائية وشبكة معلومات الأمن الغذائي، حيث أنّ 42 في المئة من إجمالي السكّان المشمولين بالدراسة، أي نحو 2.3 مليون من أصل 5.4 مليون مقيم، جرى تصنيفهم ضمن فئة «الإنعدام الكبير» في أمنهم الغذائي في العام الماضي، مقارنةً بنسبة 37 في المئة من إجمالي السكّان المشمولين بالدراسة، أيّ نحو 1.98 مليون من أصل 3.87 مليون شخص في 2022.
وتوقّع التقرير أن تتحسّن حالة الأمن الغذائي في لبنان خلال فترة القياس الجديدة الممتدّة بين شهريّ أبريل وسبتمبر من السنة الحالية، حيث يُرتقب تراجع نسبة الأشخاص المصنّفين ضمن الفئة «المنعدمة» إلى 20 في المئة، أي نحو 1.1 مليون شخص.
ويُعزى انعدام الأمن الغذائي في لبنان عموماً إلى عامليْن أساسيّيْن هما الصدمات الاقتصاديّة وانعدام الأمن. حيث أنّ تدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي في أوائل 2023، ساهم في ارتفاع معدّلات التضخّم في البلاد ولا سيما كون لبنان يَعتمد بشكلٍ كبير على الاستيراد.
ووفق السجلّ الموثّق، بلغ تضخّم أسعار الغذاء السنويّة في لبنان نسبة قياسية ناهزت 352 في المئة بنهاية الفصل الأول من العام الماضي، قبل أن تتراجع إلى 212 في المئة في شهر أكتوبر، بتأثيرٍ من تدخّلات المصرف المركزي في السوق والتي ساهمت باستقرار سعر صرف الليرة مقابل الدولار.
وبالتوازي، ارتفع معدّل العمالة لدى اللبنانيّين المقيمين من 44 في المئة في شهر سبتمبر 2022 إلى 55 في المئة في شهر مايو من العام الماضي، قبل أن يعود وينخفض إلى 53 في المئة في أكتوبر 2023.
أمّا بالنسبة لعامل النزاعات وانعدام الأمن، فقد ذكر التقرير أنّ الحرب في غزّة والتي اندلعت في أكتوبر الماضي امتدّت فوراً الى جنوب لبنان ما تسبّب بنزوح ما لا يقلّ عن 83 ألف شخص خلال الأشهر الثلاثة الأولى وإلى قتل نحو 300 ألف من الماشية في المزارع وحرق 460 هكتار من الأراضي الزراعيّة.
وفي المشهد الأشمل، كشف تقرير البنك الدولي أنّ نسبة تضخّم أسعار الغذاء لا تزال مرتفعة حول العالم وفي كلّ فئات الدخل حيث أنّ 57 في المئة من البلدان ذات الدخل المنخفض، و63.8 في المئة من البلدان ذات الدخل المتوسّط الأدنى، و33 في المئة من البلدان ذات الدخل المتوسّط المرتفع، و 12.7 في المئة من البلدان ذات الدخل المرتفع، شهدت نسب تضخّم إجماليّة تخطّت عتبة 5 في المئة.
وأشار الى أنّ نسبة التضخّم الحقيقيّة في أسعار الغذاء، والتي هي كناية عن نسبة التضخّم الإسميّة في أسعار الغذاء ناقص نسبة التضخّم الإجماليّة، قد تخطّت نسبة التضخّم الحقيقيّة الإجماليّة في 48.8 في المئة من البلدان الـ 166 المشمولة في التقرير.
وبالمثل، أوضحت النسخة الثامنة من التقرير العالمي عن أزمات الغذاء العالميّة للعام المنصرم، أنّ نحو 281.6 مليون نسمة في 59 دولة عانوا من نقص حاد في الغذاء واحتاجوا إلى مساعدة غذائية عاجلة، مقارنةً برقم 250 مليون نسمة موزَّعين على 58 دولة في العام الأسبق.
وقد ارتفع عدد الأشخاص المتأثّرين بالأزمات الغذائيّة العالميّة للعام الخامس على التوالي ليصل إلى أعلى مستوى له خلال 8 سنوات، وذلك وفق التصنيف المقسّم إلى خمسة مستويات لنقص الأمن الغذائي، يبدأ من الحد الأدنى للتوازن، وبعده تحت الضغط، وثالثاً الوقوع في الأزمة، ثم خانة الطوارئ، ليصل الوصف في المرحلة الخامسة الى المجاعة أو الكارثة.
وبحسب التقرير، فقد تمّ تصنيف 44 من أصل 59 دولة ضمن قوائم الدول التي تعاني من أزمات غذائيّة كبيرة، أيّ أكثر من ضعف الرقم الذي تمّ تسجيله في النسخة الأولى من التقرير في 2017. أمّا بالنسبة للدول التي تحتوي على أكبر نسبة من الأشخاص المصنَّفين ضمن المرحلة 3 أو أعلى، فقد حلّت فلسطين في المرتبة الأولى بنسبة 100 في المئة، تلتها جنوب السودان (63 في المئة) واليمن (56 في المئة) وسورية (55 في المئة) وهايتي (49 في المئة).
وبالنسبة للبنان، أشار التقرير إلى أنّ المشمولين بالدراسة يمثّلون 92 في المئة من إجمالي عدد السكّان البالغ 5.8 مليون نسمة في 2023. وفي الخلاصات فإن 35 في المئة من الأشخاص المتأثّرين بأزمة الغذاء في لبنان تمّ تصنيفهم ضمن خانة المرحلة الثالثة و7 في المئة ضمن خانة المرحلة الرابعة.