في جنوب لبنان، يجد جنود فرنسيون عاملون في إطار قوة الأمم المتحدة المؤقتة (اليونيفيل)، أنفسهم في مرمى النيران على وقع ارتفاع منسوب التصعيد عبر الحدود بين حزب الله وإسرائيل منذ بدء الحرب في غزة.
على بعد نحو عشرة كيلومترات من الحدود مع إسرائيل، قال النقيب الفرنسي بول بينما كان يقف أمام آلية عسكرية عليها شعار الأمم المتحدة في مقر الكتيبة الفرنسية في بلدة دير كيفا الجنوبية “نجد أنفسنا في قلب النيران”. وأضاف “انتقلنا من منطقة هادئة نسبياً إلى منطقة متقلبة حيث يتوقّف كل شيء إلى حد كبير على أدنى تصريح سياسي”.
وتشهد الحدود اللبنانية الإسرائيلية تصاعدا في وتيرة القصف بين حزب الله بشكل رئيسي والجيش الإسرائيلي، منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، ما يثير مخاوف من توسع رقعة النزاع.
ويقول حزب الله الذي ليس له أي وجود عسكري مرئي في المنطقة الحدودية اللبنانية، إنه يستهدف بشكل رئيسي في عملياته اليومية أهدافاً عسكرية إسرائيلية قرب الحدود، واضعاً ذلك في إطار دعم قطاع غزة.
ومنذ ذاك الحين، زادت القوات الفرنسية عدد دورياتها من أربع الى سبع يومياً، وفق ما قاله النقيب المسؤول عن العمليات في قاعدة دير كيفا. وأضاف بينما يمكن سماع أزيز طائرة استطلاع تحلّق في الأجواء “الوضع متوتر، ثمة قذائف تتساقط كل يوم ويمكن سماع دويها، نحن في أجواء حرب”.
وأوضح أن “ما كان يحدث سابقاً، خلال ثلاث أو أربع سنوات، يجري حالياً في غضون أسبوع”، في إشارة الى إطلاق القذائف والصواريخ والمسيّرات.
وتعدّ القوات الفرنسية الموجودة في جنوب لبنان من بين أبرز القوى المشاركة في اليونيفيل، مع نشرها 700 جندي من بين نحو عشرة آلاف يشكلون عديد القوة الدولية.
وتأسست اليونيفيل بموجب قرار عن مجلس الأمن في مارس/آذار 1978 للتأكيد على انسحاب إسرائيل من لبنان ومساعدة الحكومة اللبنانية على استعادة سلطتها في المنطقة.
وعزّز القرار 1701، الذي أنهى حرباً مدمرة خاضها حزب الله وإسرائيل عام 2006، من وجود القوة الدولية، وكلّفها مراقبة وقف النار بين الجانبين. وانتشر الجيش اللبناني بموجب القرار للمرة الأولى منذ عقود عند الحدود مع إسرائيل بهدف منع أي وجود عسكري “غير شرعي”.
مهمة خطيرة
حتى الآن، اقتصر تبادل القصف إلى حدّ كبير على المناطق الحدودية، رغم أن إسرائيل شنّت ضربات محدودة في عمق الأراضي اللبنانية.
ونبّه وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو، الاثنين، في كلمة ألقاها أمام الجنود الفرنسيين في قاعدة دير كيفا، قبل أن يشاركهم مائدة الطعام احتفالاً بحلول العام الجديد، إلى أن مهمة الكتيبة الفرنسية “يمكن أن تصبح خطيرة جداً”. وتابع “سيكون دربنا مزروعاً بالشكوك في الأسابيع والأيام المقبلة”.
ومنذ بدء التصعيد عند الحدود، قُتل أكثر من 160 شخصاً في لبنان، نعى حزب الله 120 منهم على الأقل. وأحصى الجيش الإسرائيلي من جهته مقتل 13 شخصاً بينهم تسعة عسكريين.
وتريد فرنسا تجنّب أي تصعيد عند الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وهو ما يفسّر زيارة وزيرة الخارجية كاترين كولونا ولوكورنو لبنان لمرات عدّة منذ 7 /كتوبر/تشرين الأول.
ولم تبق قوات اليونيفيل بمنأى عن التصعيد، مع تعرض مقراتها لنيران وسقوط قذائف. كما طال اعتداءان على الأقل دوريات تابعة لها خلال الأسبوع الماضي، في منطقة عملياتها قرب الحدود.
وطالبت القوة الدولية، الخميس، السلطات اللبنانية بالتحقيق في اعتداء قالت إن شبان بلدة الطيبة نفّذوه ضد دورية تابعة لها، ما أسفر عن إصابة أحد عناصرها من الكتيبة الإندونيسية.
واعترضت مجموعة من الشبان في بلدة كفركلا الحدودية، الخميس، دورية فرنسية أثناء مرورها في البلدة وأجبرتها على التراجع بعد ضرب آليتها بعصا حديدية، من دون تسجيل إصابات، وفق ما أوردت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية في لبنان.
وبحث لوكورنو وقائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون، الاثنين، مهمة قوة اليونيفيل و”كيف يمكن الاستمرار في ممارسة المهمة في ضوء أوضاع متدهورة وكيف نحمي جنود الجيش اللبناني وعناصر يونيفيل في مهامهم”، حسب تعبير المسؤول الفرنسي.
ويأتي الحراك الفرنسي في وقت تضغط إسرائيل لإبعاد حزب الله إلى شمال نهر الليطاني على بعد حوالي ثلاثين كيلومتراً من حدودها الشمالية.
وتعليقاً على الضغوط، أكد نائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم الأحد أن إسرائيل “ليست في موقع أن تفرض خياراتها” في ما يتعلق بإبعاد حزبه عن جنوب لبنان.
وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي أبدى الشهر الماضي استعداد بلاده لتطبيق القرار الدولي 1701 الذي ينص على انتشار الجيش اللبناني فقط على طول الحدود مع إسرائيل، بشرط انسحاب الأخيرة من أراض حدودية محتلة يطالب بها لبنان.