لم يبرد طقس فبراير حرارة المواجهات في جنوب لبنان، فاستمرت ليلية ونهارية، وذلك ضمن سياسة اسرائيلية تبقي الوضع كما هو مع مواصلة قادتها التهديدات الموازية للمسعى الدولي على أكثر من خط للتوصل إلى التهدئة ووقف الحرب على الحدود الجنوبية.
يقابل ذلك ترقب وصول وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه، والذي تأتي زيارته متزامنة مع الجولة الجديدة لوزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن لبحث التوصل الى هدنة في غزة، وما سيطرحه سيجورنيه نتيجة لقاءاته سيبني عليه الموفد الفرنسي جان ايف لودريان أفكاره والخطوة التالية التي ستكون معطوفة على زيارة محتملة للمبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت يحددها ما سيقوله له المسؤولون في تل أبيب، إضافة إلى ما ستبحثه «المجموعة الخماسية» في اجتماعها المقبل.
والأجواء في بيروت الآن أن سيجورنيه سيقارب مع من سيلتقيهم بين ما لديه من طروحات وما سيسمعه بشأن تهدئة الوضع جنوبا وفصل الملف الرئاسي عن الحرب على غزة، ومن ثم البحث بكيفية اختتام ملف الاستحقاق الرئاسي لإغلاقه نهائيا.
والثابت، حتى الآن، احترام الأوروبيين خارطة العلاقات الداخلية بين الأطراف اللبنانيين، وبينهم من هو على علاقة وطيدة مع حزب الله، الأمر الذي ترك علامات استفهام لديهم حول مدى متانة أي اتفاق يتم مع الحكومة اللبنانية والتزام الحزب به، فالمفاوضات الديبلوماسية غالبا ما تتم بالتشاور، وهذا ما جعل الموقف اللبناني متماسكا حيال مندرجات تطبيق القرار 1701، على الرغم من الاختلافات إزاء مرجعية القرار الرسمي في ظل عدم انتخاب رئيس للجمهورية.
وتتحدث مصادر لبنانية عن مساع دولية تنشط لإنضاج تسوية لوقف الحرب على الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية تقضي بتراجع حزب الله عن الحدود وعودة النازحين الإسرائيليين إلى المستوطنات التي هجروها منذ 8 أكتوبر الماضي.
وتكشف المصادر عن أن الخطة، التي يجري العمل عليها على نار حامية، تقوم على ثلاثة خطوط: الأول يقضي بتراجع حزب الله عن الحدود عملا بالقرار 1701، ووقف الأعمال العسكرية في مقابل عودة المستوطنين إلى البلدات والمستوطنات الحدودية، وتاليا عودة عشرات الآلاف من اللبنانيين الذين تركوا منازلهم وقراهم على الحدود.
ويترافق وقف الأعمال العسكرية مع انتشار نحو 15 ألف جندي لبناني على طول الحدود ووقف الأعمال العسكرية هناك.
والثاني، انتشار الجيش اللبناني مقابل اتفاق يقضي بانسحاب اسرائيل من النقاط الحدودية الـ 13 التي ما زالت موضع اخذ ورد منذ تحرير الجنوب قبل 24 عاما، وحالت دون تثبيت «الخط الأزرق» الذي وضعته الأمم المتحدة بالتنسيق مع العسكريين على طرفي الحدود.
تبقى النقطة الثالثة التي تتعلق بمزارع شبعا المثيرة للجدل منذ ما قبل تحرير الجنوب، حيث تعتبر الأمم المتحدة ان هذه المنطقة خاضعة للقرار 242 الصادر عن مجلس الأمن عام 1967، وتاليا ينطبق عليها ما ينطبق على الجولان السوري المحتل، فيما يصر لبنان على ان هذه الأرض هي لبنانية وان اسرائيل قد احتلت بعضها عام 1967، وقامت بالتوسيع في هذه المزارع خلال فترة الغزو الاول عام 1978، ومن ثم الاجتياح الواسع لمعظم الاراضي اللبنانية وصولا إلى العاصمة بيروت.
وتقتضي معالجة هذه القضية بوضع مزارع شبعا تحت الرعاية الدولية ونشر قوات الأمم المتحدة فيها إلى ان يتم التوصل لتسوية أوسع وأشمل، وفي حال تم تذليل العقبات التي تعترض هذا الاتفاق من خلال الموفدين الدوليين فإن جبهة الجنوب سيعود لها الهدوء تزامنا مع وقف اطلاق النار في غزة او قبله.
وفي سياق متصل، استقبل وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب رئيسة الصليب الأحمر الدولي كيت فوربس، والذي قال، من بعد محادثات معها، «لدينا نحو مائة ألف نازح من الجنوب نتيجة الأحداث الأخيرة والاعتداءات الإسرائيلية، وهم بأمس الحاجة للعناية والمساعدة، وكل مساعدة ممكنة من الصليب الأحمر الدولي مرحب بها».
في المواقف، أكد عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب غسان حاصباني أنه «لا حوار على أي شيء من دون تطبيق الدستور، لاسيما أن الأعراف التي تم القبول بها سابقا أفضت إلى تدمير الدستور».
وقال، في حديث إذاعي، إن «جبران باسيل لم يعد يمثل روحية التيار الوطني الحر وفي مجالسهم الخاصة يقولون هذا الأمر»، مشيرا إلى ان «الخماسية انتقلت إلى مرحلة ما بعد سليمان فرنجية لأنه لا يستوفي الشروط كونه مرشحا رئاسيا يحظى بالتوافق وإذا أتى فرنجية رئيسا فسيأتي من دون غطاء ماروني، وهذا لن يرضى به اللبنانيون ولا اللجنة الخماسية».
الى ذلك، اجتمع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مع المدير الإقليمي لدائرة الشرق الأوسط في البنك الدولي جان كريستوف كاريه حيث عرض معه مشاريع البنك الدولي في لبنان للعام الحالي، لاسيما في قطاعي الطاقة والمياه، كذلك، تطرق البحث إلى موضوع التقرير السنوي لبرامج البنك الدولي الخاصة بلبنان.
ميدانيا، أغار الطيران الإسرائيلي مجددا على عدة مواقع، واستهدف القصف المدفعي المنطقة الحرجية بين بلدتي طير حرفا وشمع، وسجل قصف مدفعي بين زبقين وياطر، وطال القصف المكثف أطراف وادي حامول اللبونة الناقورة. ورد حزب الله بقصف مواقع بالجليل الغربي، ناعيا مقتل 3 من كوادره.
زوار واشنطن لـ «الأنباء»: مطلوب من لبنان تطمينات عملية وليست شفهية
بيروت – داود رمال: يتحرك الملف اللبناني ببعديه، الأمني- العسكري والسياسي في عدة اتجاهات محلية وإقليمية. وعلمت «الأنباء» من زوار العاصمة الأميركية (واشنطن)، من نواب وشخصيات سياسية أخرى أن «كل التركيز لدى من التقوهم من مسؤولين في الإدارة الأميركية او مجلسي الشيوخ والكونغرس، هو على أهمية عودة الهدوء سريعا إلى الحدود الجنوبية والتزام لبنان بمندرجات القرار الدولي 1701 الذي ينيط صلاحية حفظ الأمن والاستقرار في منطقة جنوب الليطاني بالجيش اللبناني وقوات الطوارئ الدولية المؤقتة العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل)، وأن من مصلحة لبنان سيادة الهدوء والاستقرار في الجنوب لأن الجانب الإسرائيلي اتخذ الإجراءات والاستعدادات لتنفيذ عمل عسكري رادع على الجبهة اللبنانية، والجانب الأميركي يريد من لبنان تطمينات عملية بشأن بسط سلطته الشرعية مع قوات الـ«يونيفيل» في جنوب الليطاني، وعدم الاكتفاء فقط بالتطمينات الشفهية».
وأفاد الزوار أيضا، بأنه في ما يخص الملف الرئاسي «فإن الجانب الأميركي أبلغ اليهم بأنه لن يتدخل في أسماء المرشحين إلى رئاسة الجمهورية، وسعي واشنطن هو محاولة الوصول إلى قاسم مشترك وآلية معينة للوصول إلى انتخاب رئيس للجمهورية، ومن المحتمل أن تقوم مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف بزيارة إلى لبنان، بحيث ستكون لها مواقف تتصل بالجنوب والرئاسة، وهي ستعطي إشارات رئاسية لمن يعنيهم الأمر من القيادات اللبنانية».
وعلم أيضا «أن اجتماع اللجنة الخماسية الذي كان مرجحا عقده في المملكة العربية السعودية، سيتأخر إلى حين معرفة نتائج زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إلى كل من إسرائيل وبيروت، ومن غير المستبعد أن يزور الموفد الرئاسي الفرنسي جان – ايف لودريان بيروت قبل اجتماع الخماسية، خصوصا بعد المبادرة التي اطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري أول من أمس والتي كشف فيها عن توافقه مع سفراء «الخماسية» على اعتماد التشاور بدلا من الحوار سبيلا لإنضاج التفاهم الرئاسي».