ودائماً تتذرع الجهات الأمنية بصعوبة وعورة تضاريس الحدود اللبنانية – السورية التي يبلغ طولها 387 كيلومتراً. وعلى رغم وجود 108 نقاط تفتيش، و18 برج مراقبة، يقتصر وجود الجيش على ثمانية آلاف عنصر يعتبرها العماد جوزيف عون غير كافية.
ووفق مصدر أمني في الجيش اللبناني (طلب عدم الكشف عن اسمه)، فإن النازحين لا يدخلون بشكل إفرادي عبر الحدود، إنما عبر مجموعات تتراوح كل منها بين 150 إلى 200 شخص، مؤكداً وجود عصابات “تهريب البشر”، تعمل كشبكة عنكبوتية على جانبي الحدود بشكل منسق، حيث تعمد تلك العصابات إلى إيصال المجموعات عبر حافلات نقل للتجمع في نقاط محدد من الناحية السورية، ومن ثم يتخذون مساراً برياً تجاه الحدود اللبنانية قبل التفرق إلى مجموعات صغيرة من حوالى 20 شخصاً للانتقال إلى مختلف المناطق اللبنانية.
وأكد أن الجيش استطاع رد الكثير من تلك المجموعات القادمة إلى لبنان قبل دخولها الحدود، إضافة إلى اعتقاله نحو ألف شخص أُعيد قسم منهم وأُحيل آخرون لأسباب إنسانية وأمنية إلى القضاء للبت بأمرهم، كاشفاً أن “العصابات” تتقاضى حوالى 400 دولار من كل شخص، ويصبح المبلغ 200 إذا كانت “عائلة” مؤلفة من خمسة أشخاص وما فوق.
وأكد أن فوج الحدود البري، تمكن من ضبط العديد من المعابر غير الشرعية، وأقام الحواجز الموازية للطرقات الدولية في البقاع الشمالي منعاً لدخول موجات جديدة من اللاجئين، لافتاً إلى أن الانفلات الكبير حصل خلال العشرة أيام الأولى من شهر أغسطس (آب) الماضي.
صرخة قائد الجيش
توازياً سجل موقف لافت لقائد الجيش اللبناني جوزيف عون الذي شارك في جلسة وزارية تشاورية حول ملف النزوح المتجدد إلى لبنان، حيث كشف أن ثمانية آلاف سوري (الأرقام غير الرسمية تشير إلى 22 ألفاً) دخلوا إلى لبنان في الفترة الأخيرة، وأن 95 في المئة منهم هم من الفئة العمرية الشبابية.
وحذر عون خلال الجلسة الوزارية من أن “التهريب عبر الحدود بات تهديداً وجودياً، ولم نعد قادرين على التحمّل، وقد نضطر إلى الاشتباك معهم، على رغم قلة العديد”.
وفي الجلسة نفسها اقترح الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية، “إعلان حالة الطوارئ في المناطق الحدودية، حيث يتيح القانون حينها للجيش اتخاذ قرارات استثنائية والانتشار والسيطرة على المعابر”، فردّ عون “لديّ ثلاثة آلاف عسكري للطوارئ، وأنا بحاجة إلى 40 ألفاً لضبط الحدود”.
“نواب” مهربون
وكشف رئيس المركز اللبناني لحقوق الإنسان وديع الأسمر، أن “أغلب عمليات التهريب لا تحصل إلّا بغطاء أمني لبناني وسوري، أو لبناني وبمقابل رشوة”، معتبراً أنه لو كانت الدولة وأجهزتها جادة في مكافحة التهريب، لداهمت كبار المهربين المعروفين بالأسماء، وبعضهم نواب في المجلس النيابي”.
وتشير مصادر أمنية إلى وجود 137 معبراً غير شرعي على الحدود، إلا أن الطفرة الجديدة من النازحين جاءت عبر الحدود الشمالية، وتحديداً منطقة “وادي خالد” حيث تتداخل المناطق السكنية بين جانبي الحدود، إضافة إلى غطاء من نواب ومرجعيات سياسية تضمن عدم ملاحقة العصابات، الأمر نفسه في البقاع الغربي وبخاصة في بلدة “الصويرة” التي ذاع صيتها بأنها الممر الأبرز لتهريب البشر.
أصحاب الورش والأعمال
ووفق المعلومات فإن عملية “التهريب” ليست محصورة بالنازحين، إذ يستضيف لبنان ما يقارب 600 ألف عامل سوري في قطاعات البناء والزراعة والعمالة، ومنهم عمال موسميون أو مياومون، يطلبهم أصحاب الورش أو الأعمال من عصابات التهريب، لعدم دفع الرسوم وبدل الإقامات والكفالات.
وبحسب تقارير غير رسمية يبلغ عدد العمال السوريين المسجلين رسمياً والذين حصلوا على إذن عمل على الأراضي اللبنانية حوالى 200 ألف من أصل 600 ألف بحسب التقديرات، الأمر الذي يشكل هدراً كبيراً على مداخيل الدولة وتهديداً للاستقرار والأمن.
استفاقة متأخرة
وبعد تصاعد الضغوط السياسية الداخلية والمطالبات باتخاذ إجراءات أكثر صرامة، قرّر مجلس الوزراء تشكيل لجنة وزارية تزور دمشق برئاسة وزير الخارجية عبدالله بو حبيب لمتابعة الملف خلال 15 يوماً، علماً أن هذا القرار عطّلته سابقاً الخلافات بين الوزراء حول صلاحية إدارة الملف، ما دفعَ حينها بو حبيب إلى التنحّي، كذلك انسحب وزير المهجّرين عصام شرف الدين من الجلسة، معتبراً أن “القرار ضعيف وغير مدروس”.
واتخذت الحكومة قراراً بالتعميم على البلديات بوجوب الإفادة الفورية عن أيّ تحركات وتجمعات مشبوهة تتعلق بالنازحين السوريين ولا سيما لناحية تهريبهم ضمن نطاقها، وإجراء مسح فوري للنازحين السوريين القاطنين في النطاق البلدي وتكوين قاعدة بيانات عنهم، والطلب من الجمعيات كافة، ولا سيما الأجنبية منها، وجوب التنسيق مع الوزارات والإدارات والأجهزة العسكرية والأمنية تحت طائلة سحب العلم والخبر منها، والتشدد في اتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة بحق المؤسسات والشركات العاملة على الأراضي اللبنانية والمخالفة لقانون العمل، وإعداد التعديلات القانونية اللازمة، بالتنسيق مع المديرية العامة للأمن العام، لرفع قيمة الرسوم على العمالة الأجنبية تمهيداً لإدراجها في موازنة عام 2024 الجاري بحثها، فضلاً عن تكثيف الجهد الدبلوماسي لشرح خطورة هذا الموضوع على لبنان والأمن الإقليمي والأوروبي ولا سيما في ضوء ضعف الإمكانات التي تسمح بضبط عمليات التهريب عبر الأراضي والمياه الإقليمية اللبنانية. يذكر أن مفوضية اللاجئين في الامم المتحدة موقفها من عودة أي نازح الى سوريا أن تكون عودة طوعية، وهي تؤيد ضبط حركة النازحين على الحدود، مع تمييز من يستطيع الدخول والخروج من سوريا من دون أيّ تهديد أمنيّ.
“هوبرة” من دون فعالية
وحول فعالية الإجراءات التي اتخذتها الحكومة وإمكانية إقفال الحدود، اعتبر المحامي والناشط السياسي أيمن رعد، أن هذه القرارات ليست سوى “هوبرة” لن تؤدي إلى نتيجة، لأن الدولة لا تملك أجهزة تنفيذية كافية لتنفيذ القرارات، فوزارة الاقتصاد مثلاً لا يتخطى عدد المراقبين فيها العشرين، وستكلف الأجهزة الأمنية القيام بهذا الدور الرقابي المحاسبي، ما من شأنه أن يزيد الرشاوى والزبائنية والخدماتية.
ولفت إلى أن قرار رفع قيمة الرسوم على العمالة الأجنبية، من شأنه أن يزيد التهرب من دفعها، ويزيد العمل غير الشرعي، باعتبار أن الذين يأتون إلى لبنان بهدف العمل لا يملكون المال الكافي لدفع الرسوم، معتبراً أن التهديد بسحب العلم والخبر من الجمعيات الأجنبية مخالف للقانون. وبرأي الكاتب السياسي علي الأمين، القرار السياسي العالق بيد “حزب الله” في الحكومة اللبنانية يقف عائقاً أمام حلحلة قضية النازحين، مؤكداً أن الحزب بعلاقاته الاستثنائية مع النظام السوري بإمكانه إعادة النازحين إلى ديارهم، لكن ما يحصل اليوم دليل على عمل منظم لإرباك الوضع اللبناني وابتزاز المجتمع الدولي وتوجيه رسالة للمسيحيين مفادها، “بما أنكم تحاربون وتعارضون نفوذ الحزب وتحاولون “خربطة” المعادلة السياسية القائمة في الداخل فلتتحمّلوا مزيداً من تدفق اللاجئين”.
ويلفت إلى محاولة لفرض شروط وقواعد سياسية في المرحلة المقبلة، ما يعني أن الصراع القائم حول الموضوع الرئاسي هو أيضاً وسيلة من وسائل الضغط.