صدى الارز

كل الأخبار
مشاهدة متواصلة
إستطلاع
تقاريرنا
أرشيف الموقع
Podcast
إشتركوا في نشرتنا

المحفظة العقارية للدولة اللبنانية… مجهولة الهوية والمصير

بقلم : بشير مصطفى - تتعرض أملاك الدولة الخاصة إلى اعتداءات في لبنان وتحديداً في مناطق الأطراف ففي الجنوب تفرز أراضي الدولة وتقسم إلى قطع أرض صغيرة يسمح بالبناء عليها بحجة تثبيت السكان في الأرياف.

ثلاث وقائع يفترض التوقف عندها في معرض مقاربة مصير المحفظة العقارية للدولة اللبنانية، لعل أولها استحالة تقدير حجم أو عدد العقارات التي تمتلكها على وجه نهائي بسبب عدم إتمام أعمال المساحة والتحديد والتحرير التي أطلقت في عهد الانتداب الفرنسي عام 1926.

ثم ثانياً، تمتلك العقارات العائدة للدولة والمؤسسات العامة قيمة مالية مرتفعة، لذلك يتعامل معها كجزء من المخرج من الأزمة الاقتصادية الراهنة، وتبديد الودائع. إلى ذلك، تتعرض هذه العقارات لاعتداءات، وعمليات قضم، ومحاولات وضع يد من مجاورين ونافذين في أكثر من منطقة بلبنان، وهو ما يولد نزاعات أهلية دامية من أنحاء مختلفة في الجنوب اللبناني، إلى القرنة السوداء أعالي الضنية وبشري، وجرود القموعة في عكار، ومناطق مختلفة من جبل لبنان والبقاع.

ولعب تراجع هيبة الدولة وأجهزتها سلباً في الحفاظ على تلك الأراضي التي يقع بعضها على ارتفاعات تتجاوز 1900 متر.

استرداد قضائي للأراضي

أخيراً، صدر قرار قضائي عن “الغرفة الاستثنائية الثانية في الجنوب”، أعادت بموجبه مساحات شاسعة من الأراضي “المتروكة” في بلدة الناقورة قرب صور المسجلة في عام 1950 باسم الدولة اللبنانية.

إنضموا الى قناتنا على يوتيوب

ويتذرع المعتدي بأن العقارات هي من النوع الأميري، ومسحها على اسمه، قبل أن تدعي عليه البلدية، وتتدخل الدولة عبر هيئة القضايا في وزارة العدل للحصول على حكم ببطلان أعمال التحديد والتحرير، من ثم استرداد تلك العقارات لصالح الدولة اللبنانية، واعتبارها كمرعى لأهالي قرية الناقورة، إذ تجري عليها ملكية الدولة الخاصة، وقيدها في السجل العقاري.

وأعاد القرار القضائي تسليط الضوء على سلة كبيرة من المخالفات والاعتداءات على أراضي الدولة والمشاعات في مختلف الأراضي اللبنانية بغطاء سياسي، الأمر الذي يعقد مهمة قوى الأمن الداخلي في إزالة التعديات خوفاً من مواجهات دامية.

كما يذكر بقرار قضائي آخر صادر عن القاضي المنفرد الجزائي في النبطية، يوم الـ14 من ديسمبر (كانون الأول) 2009، عندما أشار إلى أن “إنشاء بناء على أملاك الدولة العامة يؤلف جرم الاعتداء على أملاك الدولة العامة، ويلزم الفاعل بإزالة التعدي عن الطريق العام”.

حوادث متكررة ومخالفات بالجملة

تشكل “حادثة تفاحتا” في جنوب لبنان، عندما واجه الأهالي في أبريل (نيسان) 2023 القوى الأمنية التي حاولت ردع التعديات وأعمال حفر الجبل الذي تقدر مساحته بـ40 ألف متر مربع، وإجبارها على الانسحاب. كما تقاطعت في حينه التقارير الصحافية، لتؤكد فداحة المخالفات في البيسارية والخرايب والزرارية وعدلون.

آنذاك شيد “نافذون حزبيون” أبنية ومحال تجارية على مشاعات الدولة وعلى أملاك خاصة في مناطق مختلفة من الجنوب، وهذا المشهد، أعاد في حينه إلى الذاكرة، حالة الفلتان التي عاشها لبنان في عام 2010، إذ بنيت المئات من الأبنية السكنية على المشاعات التابعة للدولة، وتحديداً في منطقة الزهراني جنوب البلاد، ناهيك بأعمال البناء غير المشروعة في ضواحي بيروت، وتحديداً في المناطق المكتظة.

ويضطر الناس إلى بناء مساكن وأبنية على أراضي الدولة، والأوقاف الإسلامية تحت وطأة الحاجة إلى السكن، أو تكريس “الأمر الواقع”، كما يجري في الأوزاعي والجناح والرمل العالي أو كما جرى في بعض أحياء طرابلس اللبنانية، ومناطق الشمال خلال مرحلة الانتخابات النيابية في 2022، مستغلين الغطاء السياسي، إذ اتسعت المخالفات لتشمل البناء على مجاري الأنهار وأراضي دائرة الأوقاف الإسلامية.

ويرافق كل ذلك خلاف متكرر في جرود جبيل، إذ تنشأ نزاعات متكررة بسبب الاتهام الموجه إلى السكان بلدة لاسا بالبناء على أراضي تابعة للكنيسة المارونية.

لا سكوت على المخالفات

تلعب أمانة السجل العقاري دوراً أساساً في تنظيم القطاع العقاري، وتثبيت حق الملكية. ويؤكد المدير العام للشؤون العقارية (مدير وزارة المالية بالتكليف) في لبنان جورج معراوي، على الدور الأساس للأمانة في الحفاظ على العقارات الخاصة بالدولة، كاشفاً عن المسار المؤدي لاستعادة آلاف الأمتار في الناقورة، والذي “انطلق من الشؤون العقارية إلى القضاء، الذي أكمل المسار وطلب من هيئة القضايا في وزارة العدل التحقيق في ملف التجاوزات، وتبين الخطأ، وأظهر التدقيق عدم أحقية ادعاءات المخالفين”.

أما في ما يتعلق بالاعتداءات التي تنصب على المشاعات التابعة للدولة، يلفت معراوي إلى “عدم امتلاك الشؤون العقارية جهازاً أمنياً خاصاً لقمع المخالفات والاعتداءات، ولكنها تسارع إلى التواصل مع المحافظين في المناطق المختلفة بغية لجم أي اعتداء على أملاك الدولة، وترسل كتب رسمية لتكليف القوى الأمنية بإزالة المخالفات”.

ويجزم معراوي “لا تتخلف مديرية الشؤون العقارية عن أخذ زمام المبادرة والادعاء عند تبلغها بوقوع أي مخالفة”، نافياً ما يشاع عن تجاهل بعض المخالفات المفروضة بقوة الأمر الواقع، لأن “أمانة السجل العقاري تحولها إلى الأجهزة الأمنية المتخصصة التي يقع على عاتقها رفع التعديات ميدانياً”.

وتطرق إلى تأثير عدم إتمام أعمال التحديد والتحرير على إدارة وتنظيم الأراضي والعقارات في لبنان، التي تقدر مساحتها بـ35 في المئة من البلاد. لذا لا يمكن الجزم سلفاً بملكية الأطراف لها، وتعود ملكية بعضها إلى الدولة، والبعض الآخر للأفراد، كما “لا يمكن تقدير حجم المشاعات المملوكة من الدولة والمؤسسات العامة لأن بعض الأراضي غير ممسوحة”، مضيفاً “تأثرت تلك الأعمال بالظرف الاقتصادي والمالي والأمني”.

ويعلق معراوي على بعض اقتراحات القوانين التي تشرع استثمار عقارات الدولة من أجل تأمين مداخيل إضافية للخزانة، متمسكاً “بالمعارضة المطلقة لبيع العقارات والأراضي، مع إمكانية شرعنة استثمارها ضمن قيود وضوابط”.

أما في ما يتعلق بالأراضي “الموات” الواقعة في أعالي الجبال، يعتقد معراوي أن حل النزاعات الناشئة في المناطق الجردية، كما هو حاصل في القرنة السوداء على الحدود بين الضنية وبشري وزغرتا، أو الخلافات الأهلية في القموعة بعكار، فهي بيد القضاء العقاري الناظر بهذه الدعاوى.

ثروة الدولة الخصوصية

خلال العقدين الأخيرين، ازداد الاهتمام بالعقارات وأملاك الدولة الخاصة، وأجرى “استوديو أشغال عامة” – مؤسسة حقوقية متخصصة – دراسة في شأن أملاك الدولة الخصوصية التي تضم “الأراضي الملك التابعة للدولة، والأراضي الأميرية التي تشكل النسبة الكبرى من عقارات الدولة، والأراضي المرفقة المتروكة التابعة للدولة التي تضم المشاعات، والأراضي الموات”.

يثير تعدد الأنواع العقارية الخاصة مشكلات كبيرة، إذ تضطر السجلات العقارية إلى تحديد المالك لها الذي يختلف باختلاف العقار، والتي يمكن أن تتخذ صورة “الأملاك الجمهورية”، أو ملك للدولة والخزانة، أو إحدى البلديات والسلطات المحلية، كما يمكن أن تكون ملكاً لإحدى الوزارات، أو المؤسسات العامة والمصالح ذات الشخصية المعنوية كالمؤسسة العامة للإسكان، أو حتى مصرف لبنان التي تتمتع باستقلال مالي وإداري، ولديها أنظمة خاصة بعيداً من سلطة الوصاية الحكومية أي وزارة المال.

تلفت تالا علاء الدين ممثلة “استوديو أشغال عامة” الانتباه إلى وجود إشكالية واقعية ناجمة عن قدرة وزارة المالية على ممارسة الرقابة على هذه الأنواع المختلفة من العقارات، من ثم قياس كفاءة الدولة في حماية أملاكها وتتبعها وتركيز الاعتداءات على الأراضي التي تتخذ الطابع الجماعي كالمتروكة المرفقة على غرار المشاعات والبيادر التي تخصص لعموم أهالي البلدة.

وأضافت “في بعض مناطق الجنوب مثلاً، يجري فرز تلك الأراضي، وتخصيصها لبعض الأهالي، وبيعها على صورة قطع تحت غطاء غير قانوني من السلطة المحلية”، محذرة من تقصير الدولة في الحماية على غرار “ما يجري في حالة الأراضي الأميرية التي تملكها الدولة، ولكن في المقابل، يمكن للأفراد اكتساب حق التصرف بها بحكم مرور الزمن في حالة وضع اليد بصورة هادئة ومستمرة”.

ومضت في حديثها، “لا تمتلك الحكومة القدرة الكافية للتحقق من ذلك عند تسجيل حق التصرف، أو التحقق من حقيقة توقف المستفيد عن ممارسة استخدام الأرض الأميرية، وتحولها إلى أرض بور، من ثم عدم ممارسة الدولة حقها باسترداد حق التصرف”، إضافة إلى عدم الرقابة على عملية تحويل النوع الشرعي أمام القضاء، وحرمان الدولة من ملكيتها، وتحديداً في محافظة بعلبك الهرمل حيث تسود الإشكالات العقارية.

كما تأسف تالا علاء الدين لعدم امتلاك الدولة قاعدة بيانات ثابتة وواضحة لتبيان كامل أراضيها، وتوزعها الجغرافي، وأسماء المالكين، من ثم صعوبة التحقق من الاعتداءات ووجودها”، معتقدة بـ”تركز الاعتداءات في المناطق غير الممسوحة أو الممسوحة جزئياً على غرار عكار والجنوب ومناطق الحدود اللبنانية، إذ يتسابق الأفراد لتسجيل أراضي الدولة الخصوصية في ملكهم الشخصي لعدم ورودها في السجل العقاري”. وتعزو ذلك إلى “نقص العتاد والكادر البشري في وزارة المالية، من ثم عدم التحرك إلا عند العلم أو تقديم شكوى”.

وتؤكد ضرورة بيئية، وضرورة اجتماعية للحفاظ على أراضي الدولة الخاصة، فهي تعد متنفساً، ومشاعاً مرعياً لجميع أفراد البلدة، كذلك تشكل مصدر دخل للمواطن، الذي يمتلك حق التصرف على الأرض الأميرية إذا ما استثمرها طوال 10 سنوات من دون دفع أي بدل، مع حفظ حق الدولة باستردادها في حالة توقفه خمس سنوات عن استعمالها في الزراعة مثلاً.

كما يمكن إدارة الأراضي بصورة جماعية لغايات بيئية، وزراعية واقتصادية، وصناعية، أو أن تصب في تقديم حلول جزئية لأزمة السكن على غرار الأملاك العائدة للمؤسسة العامة للإسكان، وكذلك توفير أعباء على الدولة التي تعمد في كثير من الأحيان إلى استئجار أراض وعقارات لإقامة مبان للوزارات والإدارات العامة.

حلول تشريعية

في ظل تزايد الاعتداءات على أملاك الدولة الخاصة برز الاقتراح الذي تقدم به النائب ميشال دويهي بالتعاون مع جمعيات بيئية لحماية أعالي القمم في لبنان. يلفت دويهي إلى أن الغاية من مشروع القانون هو حماية كل المناطق الواقعة على الارتفاعات التي تزيد على 1900 متر عن سطح البحر، عازياً ذلك إلى أسباب إيكولوجية، وحماية المياه الجوفية، والحفاظ على جمال المناظر الطبيعية، لأنه “من غير المقبول إقامة إنشاءات تسهم في تدمير النظام البيئي على هذه الارتفاعات”.

يعتقد دويهي بأن “هناك حاجة وضرورة إلى إثارة هذا النقاش داخل البرلمان اللبناني بين مختلف الكتل، لأن الشفافية تفرض أن يعرف المواطن من هم النواب الحريصون على حياتهم وبيئتهم”.

أما في ما يتعلق بالبعد العقاري والنزاعات الأهلية في المناطق الجردية، كما هي حال الصراع على القرنة السوداء والقموعة عكار، فيقول دويهي “في الحقيقة، لا يكمن التعامل قانونياً مع هذه الزاوية، ولكنه على وجه التأكيد يمكن حل تلك النزاعات، وهذا ما يمكن درسه أمام لجنة الإدارة والعدل عبر اقتراح يقدم إلى اللجان المتخصصة، وفتح النقاش بين النواب لإبداء وجهات النظر فيه”.

تابعوا أخبارنا على Google-News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من صدى الارز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading