تغيير السمعة
وقد يكون الظلم لحق بالحكم على الماعز، ووضعه في خانة الحيوانات الشريرة كونه مدجناً إنما بمزاجه الخاص إلى حد ما، إلا أن أبحاثاً عديدة أنصفت هذا الكائن بعد عصور من التقليل من قيمته، فعدا عن منتجه الفريد من الحليب واللبن والزبدة وأنواع الأجبان والألبان، إضافة إلى لحمه الذي يفضله بعض الناس عن سائر لحوم المواشي، ووبره وجلده، فلقد ظهر للماعز دور بيئي لافت تجلى في الوقاية من الحرائق إضافة إلى نقل البذور من منطقة إلى أخرى عبر فضلاته.
وفي فيلم أنتجته جمعية حماية الطبيعة تبدأ المقدمة بأن “الذهب الأسود” لا يعني البترول إنما الثروة الحيوانية التي يشكلها الماعز، ومن هنا أتى المثل الشعبي “المعاز بعمرو ما اعتاز” أي إن راعي الماعز لا يحتاج إلى أحد.
والسمعة السيئة التي رافقت الماعز لأنه قادر على إتلاف المزروعات، إضافة إلى ربطه بأنواع السحر والشعوذة، قابلتها اليوم سمعة أخرى أرجعت للماعز صورة أكثر بهاء وإفادة.
الوقاية من الحرائق بالماعز
استخدم الماعز في بعض المناطق لتنظيف النباتات والأعشاب اليابسة في المناطق القريبة من المنازل، للوقاية من امتداد الحرائق، كما أن تقليل كثافة النباتات والأعشاب اليابسة التي يلتهمها الماعز في المناطق البرية والغابات الطبيعية يقلل من خطر الحرائق.
في مقال نشر عام 2021 في “نيويورك تايمز” اعتبر الماعز سلاحاً غير تقليدي ضد حرائق الغابات، إذ تسافر إحدى الراعيات مالمبيرغ وتستخدم الماعز لإعادة الأراضي التي دمرتها الحرائق إلى مراع أكثر خضرة وجعلها أقل عرضة لانتشار الحرائق، ويوظفها مالكو الأراضي والحكومات المحلية لإزالة الأعشاب الضارة أثناء استعادة التربة، وتصطحب السيدة قطيعها إلى الأراضي المراد حمايتها، وبعد أن يهضم الماعز العشب والأوراق والشجيرات التي لا تستطيع مواش أخرى أكلها أو الوصول إليها، تعيد فضلاتها المواد العضوية إلى التربة، مما يزيد من قدرتها على الاحتفاظ بالمياه، فتهدف أكثر من إخماد حريق إلى منعه من البدء، وتقول مالمبيرغ “من خلال زيادة المواد العضوية في التربة بنسبة واحد في المئة، يمكن أن تحتوي هذه التربة على 16500 غالون إضافي من المياه لكل فدان، (الفدان الواحد يساوي 4200.83 متر مربع)”.
من جهته تحدث أحد الرعاة اللبنانيين سجيع كرم عن دور الماعز في الوقاية من الحرائق، فيشير إلى أن الماعز يشق دروباً في البراري مما يمنع وصول النيران التي تتوقف عند هذه الدروب كونه يأكل كل أنواع النباتات. وعن الضرر الذي قد يحدثه بالمزروعات يقول إن الماعز حيوان بالنتيجة وسيأكل كل ما يطالعه، وهنا يأتي دور الراعي في إرشاده ومنعه عن المزروعات.
الماعز يحب الوجوه البشوشة
في دراسة حول سلوك الحيوانات أجريت في جامعة “كوين ماري” البريطانية تبين أن الماعز يقترب من الوجوه السعيدة ويتجنب الغاضبة، وخلص الباحثون إلى أن الماعز يتناغم مع لغة جسد الإنسان إضافة إلى تعابيره الانفعالية مثل الفرح والغضب.
وكشفت دراسة ألمانية عن فهم الماعز الإرشادات البشرية وترجمة الإيماءات والإشارات. وقال أحد معدي الدراسة إن الماعز أذكى مما توحي به سمعته، مما قد يدخله سلك الحيوانات الأليفة كالخيول والكلاب، بخاصة بوجود أنواع متعددة الشكل ومنها الماعز القزم الذي يتفاعل بشكل لطيف جداً مع الأطفال.
وفي طوكيو انتشرت مقاهي عشاق الحيوانات، وكان للماعز نصيب في مقهى فيه عنزتان أليفتان يلعب معهما الزبائن، ويأخذونهما في نزهة في شوارع طوكيو.
كما ابتكر الأميركي لايني مورسي يوغا الماعز الذي يمارس فوق طبقة من التبن في الحظائر بوجود الماعز الذي يتنزه بين الرياضيين لكن هذه الخطوة منعت في عدد من الولايات.
وعن العلاقة بين الماعز والناس أخبر الراعي كرم الذي ورث مهنة الرعي “أباً عن جد” ولديه 700 رأس ماعز أن الثروة الحيوانية هذه تخاوي روحه، وهو متعلق بمهنة الرعي منذ صغره، ويميز سجيع أفراد قطيعه بالوجه، وأطلق بعض التسميات عليها مثل “عطرة”، و”قرعة سودا”، و”سك بيضا” وسواها من الأسماء. وقال “أعرفها كلها من وجوهها”. والماعز من أذكى الحيوانات التي تعيش معنا قرب بيوتنا، وتطيع راعيها، وعن قطيعه قال إن 95 في المئة منها أسود اللون والباقي إما أبيض أو أحمر أو يطلق عليه اسم “الأبرش”.
وعن المثل القائل “اللي بيسهر على عنزته بتجبلو توأم” قال إن الماعز عندما يشبع تماماً فإن إمكان إنجابه توأماً يتضاعف، لذا لا يكتفي سجيع بإطلاقه في البراري للرعي إنما يقدم له العلف في المزرعة أيضاً، وأوضح أنه في شهر الولادة يكون لديه معدل بين 300 و400 عنزة منجبة، وكل واحدة تعرف طفلها وتعتني به، مشيراً إلى ذكائها الخارق.
الإثارة والأمومة والسحر
وعلى رغم بعض السمعة السيئة التي وسمت الماعز فإن الحضارات القديمة رفعت من شأنه. ففي الحضارة السومرية كانت العنزة ترمز للثروة والغنى، وكانت صور الماعز محفورة على عديد من الأدوات والمخطوطات السومرية، وتم استخدامها لتجسيد الازدهار والرخاء.
وعند الإغريق كان الماعز يعتبر رمزاً للإثارة والجنس والخصوبة، وفي حين اعتبر ذكر الماعز رمزاً سلبياً إلا أن إناثه حظيت بالتقديس وكانت رمزاً للأمومة، لأنها بحسب الأساطير رعت الإله زيوس عندما كان رضيعاً، ويوجد في اليونان معبد فيه تمثالان نصفهما إنسان ونصفهما ماعز.
وفي مصر القديمة حظي الماعز بمكانة كبيرة، ويوجد طريق الكباش بين معبد الأقصر ومعبد الكرنك، ويوجد كثير من تماثيل الماعز ومنها لأبي الهول برأس كبش يرمز إلى الإله آمون.
كما يرتبط الماعز بالسحر في بعض التقاليد الشعبية والأساطير، ويعتقد أن الماعز يملك قوى سحرية أو خواص خارقة، وأنه يحمل قوى الشفاء أو الحماية من الأرواح الشريرة، وتروى بعض القصص حول السحرة والشامان الذين يستخدمون الماعز في الطقوس السحرية والتواصل مع العوالم الأخرى.
ويشار إلى شعر الماعز بأنه شديد التأثير في السحر، حتى إن بعض الأعمال السحرية مرتبط بالماعز على أنه أقوى أنواع السحر مثل جلب الحبيب وكذلك في التفريق والطلاق.
عنزة قائدة وعنزة مقادة
ولطالما ردد قديماً قول “نيال اللي عندو مرقد عنزة في جبل لبنان”، بمعنى هنيئاً لمن لديه مكان ولو صغير في جبل لبنان، في الدلالة على أهمية لبنان وجماله، وفي حدث آخر يربط الماعز باسم لبنان بعد استقلاله، كان عام 1946 خلال التحضير للعرض العسكري في لبنان، حيث قدم أحد المزارعين هدية لما سمي حينها “فوج القناصة” وسميت “عنزة الشيطان”، ووضعت في المقدمة بعد إلباسها وشاركت في العرض، فقوبلت بالتصفيق. ولاحقاً جرب الاستعانة بخروف فلم ينجح في المهمة، فأبقي على العنزة، واعتبرت رمزاً لتسلق الجبال والسير في البراري والحقول، واستمر التقليد هذا سنوات عدة قبل أن يتوقف عام 1975.
وفي إسبانيا تعتبر العنزة تعويذة للحظ، وفي عام 2021 شارك الماعز الفيلق الإسباني في عرضه العسكري ولم يتقدمه كما حصل في لبنان.
الماعز والعظمة
في النهاية، لا بد من ذكر أن كلمة ماعز بالإنجليزية حصلت على ترقية، وتحولت من التعبير عن الماشية إلى دلالة على القوة والمجد، فأطلق على لاعبي كرة القدم لقب الماعز أو Goat، والمقصود بها Greatest of all times أو “الأعظم على مر العصور”، وأطلق هذا اللقب على عدد من الرياضيين الذين أرفقت صورهم مع تعبير Goat مثل بيليه ومارادونا وكريستانو رونالدو وليونيل ميسي وسواهم، ولقد التقطت صورة لميسي يحمل عنزة في دلالة واضحة على الاسم.